أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مواضيع غلاف العدد

حفلات النجوم بين الماضي والحاضر

نعود زمناً إلى الوراء مع ستيوارت آتكينسن ليسترجع حفلاتِ رصد النجوم في أيام خلَت، ويتأمل كيف تغيرت الأمور منذ ثمانينات القرن العشرين

يتقدم علم الفلك ويتطور باستمرار، شأنه في ذلك شأن كل علم؛ ليغيِّر ما نعرف مع كل تلسكوب جديد وبعثة كوكبية جديدة. وتتسارع وتيرة هذا التغيُّر. وما يبدو لنا في كل شهر أن ما كان ذاتَ مرة نظريةً علمية محبوبة، قد قُذفت إلى سلة المهملات، مثل قطعة ورق من النفايات، وذلك لأن عملية رصدٍ أو تصوير جديدة قد أثبتت عدم صحتها. ولكن لا بأس، فهذه هي طريقة عمل العلم، وهي أحد الأسباب التي تجعل علم الفلك شديد الإثارة.

كما تتغير أنشطة هواة الفلك بوتيرة مذهلة أيضاً. فالمعدات والموارد المتاحة لنا حالياً مقابلَ ثمنها طبعاً من شأنها أن تجعل هواة الفلك قبل عقود فقط يحسدوننا عليها، أو ربما تجعلهم يتهموننا بممارسة السحر. ولتقدير مدى التغيُّر الذي طرأ على الأمور بصورة كاملة، ما عليك سوى الذهاب إلى تجمع لهواة الفلك حفلة لرصد النجوم Star party.

حفلات رصد النجوم هي أحداث رصد وفعاليات اجتماعية يمارسها هواة الفلك؛ وتحظى بشعبية كبيرة، وتقام بانتظام في معظم أنحاء المملكة المتحدة، بل في معظم أنحاء العالم. إنها ليست فقط فرصة لهروب هواة الفلك من تحت سماء مناطقهم ومُدنهم الملوثة بالضوء، والاستمتاع بسماء معتمة مرصعة بالنجوم في أماكن بعيدة، بل هي أيضاً فرصةٌ لرؤية واستخدام المعدات التي لا يستطيعون، وربما لن يستطيعوا، تحمُّل تكاليفها أبداً. تضم حفلاتُ رصد النجوم الحديثة والنموذجية الآن وفرةً من المعدات الإلكترونية والحواسيب إلى درجة تكاد معها أن يكون لها حقول جاذبية خاصة بها.

 كانت الحفلات المبكرة في المملكة المتحدة في بلدة ثيتفورد Thetford، في منطقة إيست آنغليا؛ وغابة آشداون، في إيست ساسكس، هي فعالياتٍ صغيرة ولكنها محبوبة، يلتقي فيها عشّاق الفلك ذوو التفكير والاهتمام المتشابه

حياة وروح حفلات الرصد في العام 2024
حفلات رصد النجوم هي الآن فعاليات عائلية أيضاً؛ فها نحن نرى الأطفال يحضرون ويستمتعون بالفعاليات والأنشطة نهاراً، على أمل أن يتعبوا قبل حلول الظلام. ومع أن أنشطة هواة الفلك كانت بالتأكيد هواية ”ذكورية“ في الماضي، إلّا أنك ستجد حالياً عدداً كبيراً مماثلاً تقريباً من النساء يراقبن السماء في حفلات رصد النجوم.

تخيلْ وجودَك الآن، مع هبوط الظلام، في حفلة رصد نجوم مثل هذه: يبدأ الأشخاص بالخروج من العربات والخيام والمنازل المتنقلة، ليقفوا بجانب معداتهم التي نصبوها نهاراً. التلسكوبات هي عجائب عالية التقنية من معدن وزجاج يغطيها قدر كبير من الأسلاك ومصابيح الليد Leads، لتبدو كأنها غُمست في معكرونة السباغيتي. تُوجَّه المناظير التي يغمرها الضوء الأحمر من مصابيح أصحابها، لتدور في هذا الاتجاه وذاك في الظلام مثل كائنات الدالِك Daleks الفضائية المثقلة بالنعاس، وتئز عندما يوجهها مستخدموها نحو مجرَّة بعيدة، أو عنقود نجمي، أو سديم، بلمسة إصبع على جهاز لوحي.

مجال أحجام التلسكوبات يثير الإعجاب؛ ففي حين أن هناك عدداً قليلاً من التلسكوبات الكاسرة التقليدية Classic refractors أنابيب سوداء أو بيضاء طويلة ولامعة عدساتها بقطر 4 بوصات تتوزع في المكان، إلّا أن معظمها هو تلسكوبات عاكسة Reflector بحجم أكبر، أو تلسكوبات نيوتونية Newtonian، أو شميت كاسغرين Schmidt-Cassegrain، أو دوبسونيان Dobsonian، ذات مرايا بقطر 6، أو 8، أو 10 بوصات. كما يمكن العثور هنا وهناك على تلسكوبات أكبر حجماً بكثير. تبدو تلسكوبات دوبسونيان ذات المرايا بأقطار 16 أو 18 أو حتى 20 بوصة مثل مدافع مسروقة من سفن الحرب العالمية الثانية. وعند توجيهها في السماء، يتسلق الناس بحذر إلى عينياتها باستخدام سلالم، ثم يطلقون شهقات الذهول عندما يرون لأول مرة الأشرطةَ الدخانية الخضراء الملتفة لسديم الجبّار Orion Nebula، أو الدوّامة الرقيقة لمجرّة المرأة المسلسلة (أندروميدا) Andromeda، أو الغبار الألماسي المتلألئ لعنقود نجوم الجاثي Hercules.

لكن حفلات رصد النجوم ليست فقط لأصحاب التلسكوبات. فهناك آخرون منتشرون في جميع أنحاء موقع التخييم يصورون السماء. يستخدم بعضهم كاميرات رقمية DSLR على متتبعات، ويلتقطون مئات التعريضات Ewposures لتكديسها Stack باستخدام حواسيبهم في اليوم التالي. وفي أماكن أخرى يفعل مالكو التلسكوبات المزوَّدة بكاميرا آلية بالكامل الشيءَ نفسه، إلّا أن معداتهم تنجز كامل عملية التكديس في أثناء انتظارهم، ويرسلون الصورة النهائية إلى جهازهم اللوحي أو هاتفهم الذكي… 


لا بد من استخدام مصباح الضوء الأحمر (إلا إذا كنتَ تريد أن تزعج الآخرين من حولك!)

آداب حفلات رصد النجوم

الاستعداد والمراعاة: لم تتغير مبادئ المشاركة الجيدة في حفلات رصد النجوم

استخدِم الأضواء الحمراء
استخدم دائماً – وفقط – مصباحاً كاشفاً أو مصباحاً أمامياً بضوء أحمر، أو أن تضع فيلماً أحمر فوق المصباح. هذه الممارسة ضرورية لتحافظ على رؤيتك ورؤية الجميع في العتمة.

ارتدِ ملابسَ دافئة
ليس مهماً أي وقت من العام تشارك فيه في حفلة رصد النجوم، فأنت ستكون في الخارج للرصد طوال الليل (كما نأمل)، ولذا سيكون الجو بارداً ورطباً. فارتدِ الملابس المناسبة لذلك.

احتَطْ لمعداتك الفلكية ببطاريات احتىاطية
تأكدْ من وجود ضِعف عدد البطاريات لجميع معداتك الفلكية التي تعتقد أنك ستحتاج إليها. لن تستطيع الذهابَ إلى المتجر عند الساعة 2 صباحاً لشراء بطارية جديدة، وقد لا تتوافر لدى جيرانك بطاريات احتىاطية.

يجب مراعاة ظروف الرصد
عادةً ما تكون حفلات رصد النجوم هادئة بصورة عامة؛ لذا حاوِلْ عدم التحدث بصوت عالٍ، أو أن تتجول وأنت تصفر مثل روجر ويتاكر Roger Whittaker، أو تُطلق العنان للموسيقى من هاتفك.

انظر إلى أعلى
من السهل أن تقضي الليل كله في التحديق في شاشة الحاسوب المحمول، أو خلف الكاميرا، ولكن يجب أن تأخذ وقتاً لتبتعد عن معداتك كلها، وأن تجد زاوية هادئة هناك لتتأمل روعة سماء الليل وعظمتها؛ فهذا هو سبب ذَهابك إلى هناك في الأساس…


أما زوار الحفلات الآخرون فهم ليسوا بالتقدم أو الشغف نفسه. إنهم هنا فقط ليتعرفوا على السماء، وليعرفوا بعض الكوكبات النجمية والكواكب، وربما لرؤية مجرَّة درب التبانة أول مرة، بأمل أن يروا أيضاً شهاباً لامعاً يعبُر السماء. ولكن حتى هؤلاء لديهم أدواتهم التكنولوجية، فنراهم يرفعون هواتفهم الذكية أو أجهزتهم اللوحية إلى السماء، وترشدهم تطبيقات القبة السماوية نحو نجوم كوكبة الدب الأكبر Big Dipper، وحزام الجبّار Orion Belt، ونجم القطب Pole Star، والروائع الأخرى حولها.

لطالما اجتذبت المعدات المصنّعة منزلياً، مثل هذا التلسكوب الدوبسوني الخشبي، والتحفة القديمة، مثل هذا التلسكوب الكاسر الأثري، حشوداً من الناس في حفلات رصد النجوم في ستيلافين Stellafane في الولايات المتحدة

 حفلة رصد نجوم… من العام 1984
ولكن بعد ذلك تشعر بالدوار فجأة. وبينما يبدأ كل شيء يدور من حولك، تشعر بأنك تُسحب وراءً بتأثير قوة خفية تجرك عبر الزمن، مثل نسخة فلكية من شخصية مارتي ماكفلاي Marty McFly السينمائية. عندما تفتح عينيك تجد أنك ما زلت في وسط الحقل، لكنه يبدو… فارغاً، وأصغر حجماً. أين اختفى الجميع؟

يقف شخص ما بالقرب منك بجانب تلسكوب كاسر تقليدي، 2.4 بوصة، وأنبوبه الأبيض اللامع فوق حامل ثلاثي، خشبي وطويل. تسأل مالكه عن التاريخ والعام… فيخبرك أن العام هو 1984. 1984! أي قبل عامين من تاريخ زيارة المذنَّب هالي في السماء!

عند التحرك في هذا الحقل، ستجد عدداً قليلاً من تلسكوبات دوبسونيان الضخمة؛ فهذا التصميم الجديد الرائج لم يصل بعد إلى هذا الجانب من المحيط الأطلسي. أما في الولايات المتحدة، حيث اخترعت في ستينات القرن العشرين، فهي أكثر شيوعاً في حفلات رصد النجوم. غالبية التلسكوبات هنا الآن هي تلسكوبات كاسرة تقليدية، بيضاء اللون، من قياس بوصتين أو 3 بوصات، على حوامل خشبية، أو تلسكوبات نيوتونية عاكسة على حوامل استوائية مكتنزة. كما يبرز بين الحشود، هنا وهناك، تلسكوب شميت كاسغرين، بقياس 6 أو 8 بوصات، وهو من التلسكوبات المشهورة، مع حامل معدني لامع ثلاثي القوائم، وحامل شوكي.

”يوجِّه راصدو النجوم تلسكوباتِهم بأيديهم، مستخدمين إما حلقات ضبط وإما مناظير إرشادية“

تستطيع التلسكوبات الكبيرة تتبُّع أهدافها السماوية بطريقة آلية، باستخدام حوامل مزودة بمحركات، ولكنها ليست حوامل محوسبة لم تخترع هذه بعد. بدلاً من ذلك، يوجه راصدو النجوم تلسكوباتهم يدوياً، إما باستخدام حلقات الضبط، وإما باستخدام مناظير إرشادية. إنهم يعرفون السماء جيداً، ويمكنهم التنقل بين نجومها.

وبعد صدمتك من رؤية التلسكوبات ذات التقنية المتواضعة، ستشعر ببعض الارتياح عندما ترى أشخاصاً يمارسون التصوير الفلكي، لكن أدواتهم ما زالت هي الأخرى بسيطة أيضاً، من دون أثر للحواسيب المحمولة، أو أدوات دقيقة الحجم.


خمسٌ من أفضل حفلات 

اختيارنا لبعض حفلات النجوم في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث تضمن عتمة السماء والرفقة الجيدة:

السماء النقية جداً في حفلة رصد النجوم في كيلدر، نورثمبرلاند، تستحق الرحلة

حفلات رصد في المملكة المتحدة:

1. حفلة رصد النجوم في كيلدر
تُعقَد مرتين في السنة في مخيم كيلدر Kielder Campsite النائي، في نورثمبرلاند. هنا يستمتع راصدو النجوم المشاركون ببعض من أعتم سماوات المملكة المتحدة. www.facebook.com/Kielderstarcamp

2. حفلة رصد النجوم في كيلينغ
هذه الحفلة الرصدية هي الأكبر في المملكة المتحدة، وهي تجمُّع يستمر أسبوعاً، وتنظمه جمعية لوتن الفلكية Loughton Astronomical Society، في كيلينغ هيث على ساحل نورفولك الشمالي.www.kellingheath.co.uk

3. حفلة رصد النجوم مع تجمُّع غالاوي
تُقام هذه الحفلة النجمية في موقع دونروامين فارم للتخييم والقوافل في منطقة جميلة بسمائها المعتمة عند الحدود الأسكتلندية. تجذب حفلة الرصد هذه هواة الفلك من معظم أنحاء البلاد. www.dunroamin.co.uk

4. مهرجان رصد النجوم في غابة دالبي فورست
في قلب غابة دالبي الجميلة في يوركشير، يقام هذا الحدث العائلي الممتع لرصد نجوم الليل، وإجراء حوارات وأنشطة أخرى نهاراً. www.scarborough-ryedale-as.org.uk/saras/starfest

5. المخيم الفلكي آستروكامب
يتدفق مراقبو النجوم مرتين في السنة إلى كومدو Cwmdu في جبال بريكون بيكونز الجميلة في وسط ويلز لحضور أحد أكبر مخيمات رصد النجوم في المملكة المتحدة. www.astrocamp.awesomeastronomy.com


تُعقَد حفلات رصد النجوم في ستيلافين منذ العام 1926، وهي تستقبل مئات الزوار سنوياً في فيرمونت

حفلات رصد النجوم في الولايات المتحدة

1. تجمُّع ستيلافين
يُعَدّ تجمُّع ستيلافين واحداً من أكبر وأقدم حفلات رصد النجوم في الولايات المتحدة، وهو حدث صيفي يجذب هواة رصد النجوم المتحمسين من معظم أنحاء الولايات المتحدة. www.stellafane.org

2. حفلة رصد النجوم في تكساس
يُقام هذا الحفل الرصدي الشهير في فورت ديفيس Fort Davis، في تكساس، ويتمتع بسماء معتمة جداً، ويرحب بالراصدين المتمرسين والمبتدئين على السواء. www.texasstarparty.org

3. حفلة النجوم في متنزَّه غراند كانيون الوطني
حفلة رصد نجوم صيفية سنوية، تتواصل مدةَ أسبوع في أحد أكثر المواقع إثارة في الولايات المتحدة. تُعقد حوارات وورش عمل، وأنشطة رصد بعد حلول الظلام، وهو حدث يحظى بشعبية كبيرة.
www.nps.gov/grca/planyourvisit/grand-canyon-starparty.htm

4. مهرجان سماء الليل في جوشوا تري
حدث سنوي يستمر مدة يومين، وينظمه مرصد السماء هي الحدود Sky’s The Limit Observatory، ومركز الطبيعة Nature Center، ومركز خبرات جوشوا تري التعليمي السكني Joshua Tree Residential Education Experience.
www.skysthelimit29.org/night-sky-festival.html

5. غرين بانك ستار كويست
يقام هذا الحدثُ الفلكي البصري والراديوي الذي يستمر أربعة أيام في موقع السماء المعتمة في مرصد غرين بانك Green Bank Observatory، في غرب فيرجينيا، مع ورش عمل ومتحدثين ضيوف وجلسات رصد.
www.greenbankstarquest.org


… عالَم بعيد جداً عن جهاز التتبع Go-To السهل مثل ألعاب الأطفال، وأهداف المشاهدة الحية، تحضُر إليك بلمسة زر واحدة
في ثمانينات القرن العشرين، ومع عدم وجود تطبيقات القبة السماوية للاستعانة بها، أبقى راصدو النجوم حينَها دليل أطلس نورتون للنجوم في متناول أيديهم…

سترى في أيدي المصورين الفلكيين الجادين كاميرات عاكسةً أحادية العدسة SLR، يدوية، فضية اللون، مثبتة على عينيات تلسكوباتهم، ويلتقطون تعريضات طويلة المدة للكواكب وأجرام أعماق السماء؛ في حين سيكون على أولئك الذين يرغبون في التقاط مشاهد واسعة المجال، إما أن يضعوا كاميراتهم على أنابيب تلسكوباتهم، مثل الحقائب المحمولة على الظهر، أو أن يستخدموا حوامل تتبع منزلية الصنع، تشبه ”باب الحظيرة“ Barn door. تُحرَّك هذه الأوتاد الخشبية يدوياً باستخدام مقبض يُدار بمعدل دورة واحدة في الدقيقة باتباع عقرب الثواني في الساعة، بحيث تستطيع الكاميرات المثبتة عليها أن تلتقط تعريضات ضوئية طويلة المدة من دون ظهور ذيول نجمية Stars trailing. وتخبرك إحداهن، من أصحاب هذه الكاميرات، وبكل اعتزاز، أنه عندما يكون جهاز التتبُّع لديها في وضع مثالي، ويدها ثابتة بما يكفي، فستستطيع التقاط تعريضات ضوئية بمدة تصل إلى أربع دقائق!

أما حالياً، فنحن نرى الكاميرات الرقمية DSLR المحوسبة أمراً مفروغاً منه، ونستخدمها لالتقاط مئات، أو حتى آلاف، الصور في ليلة صافية، ثم نعالجها على حواسيبنا المحمولة، وننشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن المصورين الفلكيين في العام 1984 كانوا يستخدمون شيئاً يُسمى الفيلم، والذي كان باهظ الثمن، خاصةً فيلم السلايدات Slide film ذو درجة الحساسية 1600ASA، الذي كان أسرع الأفلام في ذلك الوقت. وكان كل إطار مفرد فيه ذا قيمة. كان بعضهم يمارس تحميض الصور في غرف التحميض Darkroom في منازلهم، ولكن تعيَّن على آخرين تسليم أفلامهم الثمينة إلى خبير كيميائي مختص، أو إرسالها بالبريد إلى مختبر فني لمعالجتها.

أما فيما يتعلق بالتلسكوبات الآلية، المزودة بكاميرات مدعمة بالذكاء الاصطناعي AI، ”التلسكوبات الذكية Smart scope“ التي شاعت كثيراً في العام 2024، فلا أثر لها هنا بالطبع. في العام 1984، ستكون هذه مجرد خيال علمي. في حفلة رصد نجوم في العام 1984، لا توجد حواسيب محمولة رقيقة ورمادية اللون في المستقبل المنظور، ولا أحد يحمل هاتفاً ذكياً أو جهازاً لوحياً ليوجهه إلى السماء؛ وهؤلاء الراصدون لديهم نُسخ مهترئة، يبللها الندى، من أطلس نورتون للنجوم Norton’s Star Atlas، ويحملون مصابيح تساعدهم على إيجاد الإحداثيات السماوية.

كما تبدو تلك السماء مختلفة أيضاً. يمكن البَدء بوصفها بأنها قليلة التلوث الضوئي، وتخلو من قطارات أقمار ستارلينك Starlink التي أُطلقت حديثاً، كما أن محطة الفضاء الدولية ISS لم تحلق فيها بعد، لأن رونالد ريغان كان قد أعطى من فوره توجيهاتِه للوكالة ناسا كي تبدأ في بنائها. 

بعض الأشياء لا تتغير مطلقاً…
أجل، ستبدو حفلة رصد نجوم من العام 1984 كعالَم يختلف عن عالمنا حالياً، إنها من كوكب مختلف تقريباً. ويبدو أن كل شيء قد تغير منذ ذلك الحين.

حسناً، ربما ليس كل شيء.
إن رواد حفلات رصد النجوم في العام 1984 هم مثلنا تماماً؛ فهم يعشقون سماء الليل وجمال الكون. لقد هربوا من حياتهم اليومية بأضوائها الساطعة، ليبحثوا عن سماء أعتم وأعمق. وتماماً مثلما هم الناس في حفلات رصد النجوم بعد مرور 40 سنة، سيحركون تلسكوباتهم نحو شيء حلموا برؤيته في السماء المعتمة طوال سنوات كثيرة، وسيشهقون بدهشة وفرح عندما يظهر في العينية.

ربما يتغير الأسلوب والطريقة، ولكن الشغف لم يتغير؛ فرُوح حفلات رصد النجوم، والحب المشترك لسماء الليل، لا يخفتان

هل نحن أفضل حالاً حالياً؟ تبدو معداتنا أكثر تطوراً. غير أنه لا يمكن استخدامها يدوياً إذا تعطلت، شأنها في ذلك شأن كثير من تقنيات القرن الحادي والعشرين. نحن في خطر أن نصير عبيداً للتكنولوجيا. عندما أذهب إلى حفلات رصد النجوم، أُبقي أموري وأغراضي أكثر بساطة. لدي تلسكوب دوبسونيان 8 بوصات، وجهاز تتبع سماوي iOptron Sky Tracker من الجيل الأول على حامل ثلاثي القوائم، وكاميرا رقمية DSLR. يجب أن أعترف بأنني أبتسم لنفسي عندما أتجول بمعداتي البسيطة وأسمع تذمر الناس عندما تتعطل معداتهم المتطورة، بسبب توقُّف ترس فيها، أو خلل اتصال ما، أو إخفاق برنامج توجيهها.

وللأسف، فإن ظهور وانتشار الإضاءة الخارجية الرخيصة، وازدياد التلوث الضوئي يعني أن العثور على سماء معتمة فعلاً، قد صار صعباً بنحو متزايد. ولكن عندما يجتمع كل ذلك معاً، وعندما تجد نفسك مع آخرين تحت سماء صافية ومعتمة، فستبدو لك هذه أنها تجربة ساحرة حالياً، تماماً كما كانت في العام 1984، عندما كنا نتحدث عبر الهواتف المثبتة على الحائط بأسلاك ملتفة، وعندما كانت أجهزة التلفزيون في المملكة المتحدة تحتوي على أربع قنوات فقط، ولم يكن اليوتيوب وتويتر قد اختُرعا بعد، وكان التغريد (Twitter) هو فقط تلك الأصوات التي تُصدرها الطيور.

ستيوارت آتكينسن Stuart Atkinson:
كاتب في علوم الفلك، ومشارك خبير في حفلات رصد النجوم
لذا لا تأسَ على بساطة الماضي، أو تقلقْ بشأن سيطرة الذكاء الاصطناعي على علم فلك المستقبل. افعلْ ما تستطيع فعله الآن، وبما لديك من معدات، واستمتعْ به. لأن هوايتنا هذه ما زالت أفضل هواية في العالم. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى