أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
شروحاتمقالات الإشتراكمواضيع غلاف العدد

ماي جيميسون

تحتفل إيزي بارسن بالذكرى الثلاثين لأول امرأة سوداء تحلِّق في الفضاء

عندما كانت ماي جيميسون Mae Jemison في الثانية عشرة من العمر، تابعت ببهجةٍ نيل آرمسترونغ عندما خطا خطواته الأولى على سطح القمر في أثناء هبوط أبولو. ولكن كان هناك أمر واحد أزعجها: إذ لم يكن هناك من شبيه لها بين الأشخاص الذين يرسلون إلى الفضاء. غير أنه في وقت لاحق من حياتها، ستكون هي التي تغيِّر هذا. وفي مثل هذا الشهر قبل ثلاثين عاماً، في 12 سبتمبر 1992، صارت جيميسون هي أول امرأة سوداء تحلِّق في الفضاء.

قالت جيميسون في كلمة ألقتها في جامعة ديوك Duke University في العام 2013: “في ستينات القرن العشرين، عندما كنت طفلة صغيرة تترعرع في الطرف الجنوبي من مدينة شيكاغو، كنت أعرف دائماً أنني سأكون في الفضاء”.

غير أنه كان هناك مثال لامرأة سوداء ترتاد الفضاء، إلتفتت إليه جيميسون واحتذت به كقدوة لها في شبابها، وإن كان مثالاً من عالم الخيال: شخصية الملازم نيوتا أوهورا Nyota Uhura في السلسلة التلفزيونية ستار تريك Star Trek، التي أدتها الممثلة نيشيل نيكولز Nichelle Nichols. وبتشجيع من مثالها هذا، تابعت جيميسون دراسة العلوم، وحصلت في النهاية على شهادتها الطبية في العام 1981.

في أثناء مسيرتها المهنية المبكرة عملت جيميسون كطبيب عام، وشاركت في أعمال الإغاثة مع فرق السلام Peace Corps في أنحاء إفريقية عديدة، وساعدت في أبحاث اللقاحات بالتعاون مع مركز السيطرة على الأمراض Centre for Disease Control، وبطريقة ما، وجدت أيضاً وقتاً لتعلُّم اللغات الروسية واليابانية والسواحلية. ثم، في العام 1985، صارت سالي رايد Sally Ride أول امرأة أمريكية تطير في الفضاء، لتتجدد أحلام جيميسون التي راودتها طويلاً.

قالت جيميسون لموقع ميري سو Mary Sue في العام 2018: “التقطتُ الهاتف، واتصلت بمركز جونسون الفضائي، وقلت لهم ‘أريد أن أصبح رائدة فضاء’. لم يضحكوا مني! وسلمت الطلب”.

ماي جيميسون
حققت خبيرة العلوم أكثر من 190 ساعة على متن مهمة STS-47، التي كانت هي مهمتَها الأولى والوحيدة
ماي جيميسون
بعد وقت قصير من عودتها (من الفضاء)، ظهرت جيميسون في العرض التلفزيوني ستار تريك الذي كان ملهماً لها

في العام 1987 تقدم 2,000 شخص للانضمام إلى مجموعة رواد الفضاء 12 التابعة لوكالة الفضاء ناسا؛ وقُبل منهم 15، بمن فيهم جيميسون. وبعد الانتهاء من تدريبها، اختيرت في العام 1989 لبعثة STS-47، وهي بعثة مشتركة مع وكالة الفضاء اليابانية E، ستجري جيميسون فيها عدداً ضخماً من تجارب اختبار المواد والأسئلة البيولوجية مع زملائها من رواد الفضاء.

تحقق الحلم بعد انتظار ثلاث سنوات، فحققت جيميسون أخيراً حلمها في 12 سبتمبر من العام 1992، عندما انطلق مكوك الفضاء إنديفر Endeavour في البعثة STS-47، لتمضي فيه مدة ثمانية أيام في الفضاء، دارت فيها حول الأرض 127 مرة. وكإشارة إلى المرأة التي ألهمتها، كانت جيميسون تفتح الاتصالات في كل نوبة لتردد عبارة أوهورا المميزة، ”ترددات الترحيب مفتوحة“.

وحرصاً منها على تمثيل أشخاص لم تسبق رؤيتهم في الفضاء من قبل، أحضرت معها عديداً من المشغولات اليدوية، بما في ذلك تمثال من جمعية نساء بوندو في غرب إفريقيا، وعلم مثلث الشكل من أول نادٍ نسائي للأمريكيات من أصل إفريقي، آلفا كابا آلفا Alpha Kappa Alpha.

وفي يوم 20 سبتمبر عادت إلى الأرض، بعد إكمالها ما ستكون رحلتها الوحيدة. وفي العام 1993 غادرت الوكالة ناسا، لكنها استمرت في الدفاع عن تعليم العلوم، خاصة بين الطلبة من الأقليات. ومنذ ذلك الحين، أسست شركة Jemison Group Inc، التي تبحث في التأثيرات الاجتماعية والثقافية للتقدم التكنولوجي، ومؤسسة Dorothy Jemison للتميز (على اسم والدتها) التي تساعد الأطفال بتطوير ”التميُّز الشخصي“، وكذلك صارت تدرس في كلية دارتموث وجامعة كورنيل.

وفي العام 1993 عادت قصة رحلة جيميسون الفضائية إلى نقطة البداية، عندما اكتشف ليفار بيرتن LeVar Burton، وهو الممثل الذي أدى دور شخصية جيوردي لا فورج Geordi La Forge في سلسلة Star Trek: The Next Generation، أن جيميسون كانت من محبي العرض، ودعاها للظهور فيها. فأدّت دور شخصية الملازم بالمر Lieutenant Palmer كضيف شرف في حلقة Second Chances، لتكون أول رائد فضاء حقيقي يظهر في العرض التلفزيوني.

في المختبر الفضائي Spacelab-J، الذي أجرت فيه أبحاثاً علمية، بدءاً من خصوبة الضفادع إلى دُوار الحركة Motion sickness

بعد عقدين من الزمن، في العام 2012، تولت جيميسون مهمة ضمان أن يصبح المستقبل المقدم في سلسلة Star Trek حقيقة واقعة، عندما مُنحِت مؤسستها عقد مشروع 100 Year Starship، وهي مبادرة لدفع تقدم رحلات الفضاء البشرية إلى نجم آخر في مئة السنة المقبلة.

وفي حديث لها في برنامج نوفا Nova على قناة PBS في العام 2015، قالت جيميسون: ”يجب أن نستخدم الثروة الكاملة للمواهب البشرية: تلك الثروة الموجودة عبر الأعراق والأجناس كلها، وعبر الجغرافيا، وعبر التخصصات المختلفة“.

”جميع القدرات اللازمة لرحلة بشرية ناجحة إلى نظام نجمي آخر، هي جميع القدرات التي نحتاج إليها للحفاظ على أنفسنا كبشر فوق هذا الكوكب. ولذا نعتقد أن السعي وراء غدٍ استثنائي يخلق عالماً أفضل اليوم“.  


فيلم التوظيف بالوكالة ناسا في العام 1977، وتظهر فيه نجمة سلسلة ستار تريك التلفزيونية

نيشيل نيكولز وناسا
ساعدت هذه الممثلة على إقناع العالم بأن لكل شخص مكاناً في الوكالة ناسا

في العام 1977، أعادت وكالة الفضاء ناسا فتح المجال لتدريب رواد الفضاء أول مرة منذ العام 1969، للعثور على العشرات من أفراد الطاقم اللازمين لبرنامج مكوك الفضاء التالي. ولكن كانت هناك مشكلة واحدة: فعلى الرغم من قبول الطلبات الآن من النساء ومن الملونين، فإن السنوات التي أمضوها خارج الوكالة ناسا كانت تَثنيهم عن التقديم.

ومع تبقي عدة أشهر قبل إغلاق باب التقديم، ضمت ناسا جهودها إلى أشهر رائدة فضاء سوداء في ذلك الوقت: ملازم سلسلة Star Trek، أوهورا نفسها، نيشيل نيكولز Nichelle Nichols (تُوُفيت أخيراً). كانت الممثلة تدرك جيداً مكانتها كقدوة يحتذى بها، بعد أن أقنعها مارتن لوثر كينغ جونيور بأهميتها. وقد بدأت بالفعل في الدعوة إلى مزيد من التنوع في قطاع الفضاء؛ وبتوحيد جهودها مع الوكالة ناسا تمكنت من إطلاق حملة عبر الولايات المتحدة، لإقناع رواد الفضاء المحتملين بأن الوكالة لا تقبل الآن الأشخاص من الملونين والنساء وحسب، بل إنهم أيضاً مُرحَّب بهم، وهم جزء مطلوب في استكشاف الفضاء.

وآتت المبادرة أُكُلها. ضم صف رواد الفضاء، بعددهم البالغ 35 فرداً في العام 1978 أول رائدة فضاء (سالي رايد Sally Ride)، وأول رائد فضاء أمريكي من أصل إفريقي (غويون بلوفورد Guion Bluford)، وأول رائد فضاء أمريكي آسيوي (إليسون أونيزوكا Ellison Onizuka). واستمرت نيكولز في المساعدة بتجنيد رواد فضاء جدد في أواخر الثمانينات من القرن العشرين، فأشار إليها العشرات من رواد الفضاء والعلماء والإداريين كمصدر إلهام لهم، بمن فيهم ماي جيميسون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى