قصة سكايلاب
بعد مرور 50 عاماً على إطلاقها، تُلقي جين غرين Jane Green نظرة على متاعب ونجاحات محطة الفضاء الأمريكية الرائدة
كانت المحطة سكايلاب 1 (Skylab 1) أولَ مختبر مداري أمريكي طويل الأمد. وقد شغله الرواد بين مايو 1973 وفبراير 1974، وكانت هذه المحطة هي ”العم الكبير“ لمحطة مير Mir ومحطة الفضاء الدولية ISS. وقد صُمِّمت وصنعت من غلاف صاروخ زائد على الحاجة (جزء من برنامج فضائي ملحمي أقدم)، وبعد تعديله مع وحدات وهياكل إضافية، صارت سكايلاب نجاحاً لا نظير له. ومع تحديد موعد عودة البشر إلى القمر في المستقبل القريب، فقد حان الوقت للاحتفال بهذه المحطة الفضائية الجليلة والفريدة من نوعها.
كانت سكايلاب في النهاية هي ثمرة العداوة السياسية للحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. عندما أطلقت روسيا أول قمر اصطناعي لها، سبوتنيك Sputnik، في شهر أكتوبر من العام 1957 على متن صاروخ R-7 صممه الخبير الروسي سيرغي كوروليف Sergei Korolev كانت الولايات المتحدة قلقة. فقد بدأ السباق بين هاتين القوتين العظميين للسيطرة على الفضاء بصورة جدية. وماذا كان هدفهما التالي؟ القمر.
وبعد إرسال رواد فضاء بالفعل إلى المدار عبر مشروع جيميناي Gemini، بتاريخ 20 يوليو 1969، فازت الولايات المتحدة الأمريكية بسباق القمر عندما خطا نيل آرمسترونغ وباز ألدرين من مهمة أبولو 11 خطوات البشرية الأولى على تربة القمر. وكان الهدف التالي هو تحقيقَ وجود دائم في الفضاء: المحطة سكايلاب.
إعادة تدوير الصواريخ
مع اختصار برنامج أبولو Apollo في سبعينات القرن العشرين، بدأت الوكالة ناسا برنامج تطبيقات أبولو Apollo Applications Program، وهو سعيها إلى تكييف وتعديل الأجهزة والأنظمة الزائدة على الحاجة التي طورت قبلاً بهدف الهبوط على سطح القمر. وفي حاجة إلى إبقاء موظفيه في عملهم، دعا مهندس صواريخ أبولو الشهير ورئيس مركز مارشال للطيران التابع للوكالة ناسا، فيرنر فون براون Wernher von Braun، إلى إطلاق ورشة عمل مدارية باستخدام صواريخ Saturn IB ذات المرحلتين. سيكون لخزان الهيدروجين في المرحلة S-IVB فسحة كافية لما سيُعرف باسم ورشة العمل ”الرطبة“ Wet. يمكن إطلاق هذه الورشة وهي محملة بالأكسجين السائل والهيدروجين السائل لتعمل بدور المرحلة الثانية للصاروخ في أثناء صعوده. وحالما يصل إلى المدار، يمكن تفريغ أي وقود أو مادة مؤكسدة متبقية، وضغط خزان الأكسجين، لمنح رواد الفضاء جواً يمكن تنفُّسه. يمكن تصنيع التركيبات المثبتة مسبقاً على الأرضيات والجدران هيكل شبكي من الألومنيوم مع فتحات عديدة لتدفق الوقود مما يتيح تركيب المعدات وإجراء التجارب. وفي الجزء العلوي من مرحلة S-IVB، يمكن وضع محوِّل الإرساء المتعدد (MDA) مع منفذي إرساء أحدهما محوري رئيس، والآخر شعاعي احتياطي لوحدات القيادة والخدمة (CSM) في مهمة أبولو (CSM) لنقل أطقم الرواد والإمدادات. وفي حالة تعطل مركبة فضائية، يمكن لكبسولة Apollo CSM، التي تتسع لطاقم من شخصين، أن تنقذ طاقماً مقيماً، مما يسمح لجميع الرواد الخمسة بالعودة بأمان إلى الأرض.
لكن المخاوف ظهرت بشأن الوقت اللازم لرواد الفضاء الذين يعملون في حالة الجاذبية الصفرية (انعدام الجاذبية) لتفريغ المعدات الكثيرة من MDA وتثبيتها في ورشة العمل “الرطبة” هذه. وبحلول العام 1969، ومع وجود صواريخ ساتورن 5 (Saturn V) غير مستخدمة في الانتظار لمهمات أبولو 18 و19 و20، فقد اتخذ قرار بتحويل إطلاق سكايلاب من الصاروخ Saturn IB الأصغر إلى الصاروخ Saturn V الأكبر بكثير. لم تعد المرحلة S-IVB في حاجة إلى العمل كمرحلة صاروخية في أثناء الإطلاق. يمكن تجهيز ورشة العمل المدارية ”الجافة“ Dry (OWS) على الأرض، حيث يعمل خزان وقود الهيدروجين كمكان المعيشة الرئيسة، مع معدات التمارين الرياضية، والمطبخ، ونظام الاستحمام في حالة انعدام الجاذبية، والأدوات اللازمة للتجارب العلمية. وكان يمكن استخدام خزان الأكسجين السائل كمرفق نفايات.
بداية مضطربة
في يوم 8 أغسطس 1969، وبعد سنوات من التطوير وورش العمل، حصلت شركة ماكدونيل دوغلاس McDonnell Douglas Corporation على عقدٍ لإنشاء ورشة عمل مدارية من مرحلتي S-IVB موجودتين. أُطلقت المحطة سكايلاب (SL-1) غير المأهولة، التي تزن 77,088 كغم، والتي كانت المحطة الفضائية الوحيدة التي بنتها وشغلتها الولايات المتحدة الأمريكية فقط على متن الصاروخ Saturn V (SA-513) من مرحلتين في يوم 14 مايو 1973، من منصة الإطلاق Pad 39A في مركز كينيدي الفضائي. وبعد وقت قصير من الإقلاع، تعطلت درع كبيرة للحماية من النيازك الصغيرة كانت قد رُكِّبت لتشتيت الحطام والعمل كبطانية حرارية. وفي غضون ثوانٍ نزعته القوى الديناميكية الهوائية عن المحطة. كما نُشر جزئياً أيضاً أحد جناحي الألواح الشمسية الرئيسَين، المصمَمَين للنشر في الفضاء. وبعد عدة دقائق، بعد إشعال المرحلة الثانية من الصاروخ، أطلقت صواريخ عكسية، لتؤدي إلى فصل المعزز عن المحطة. اصطدم العادم بالألواح الشمسية المنتشرة جزئياً ومزقها. وفي وقت لاحق، في المدار، اكتشف أن مجموعة الألواح الشمسية الأخرى كانت متشابكة مع الحطام وأخفقت عمليةُ نشرها. ومع فقدان درع النيازك الدقيقة، تعرضت المحطة لمستويات قصوى من الإشعاع الشمسي حرارة لاهبة بلغت 52°س (126°ف).
ولحسن الحظ، فقد أمكن نشر أربعة ألواح شمسية على حامل تلسكوب أبولو (ATM) كما هو مخطط، مما أعطى طاقة كافية لمراقبي مركز مارشال لرحلات الفضاء لتثبيت المحطة إلى حين تنفيذ الإصلاحات. وفي يوم 25 مايو، بعد تأخير الأدوات التي يجب تعديلُها وتطويرُ تقنياتها، وبعد تدريب الطاقم اللاحق، أُطلقت سكايلاب 2 (SL-2) على متن صاروخ Saturn IB (SA-206) يحمل أول طاقم رواد إلى سكايلاب: القائد تشارلز ’بيت‘ كونراد Charles ‘Pete’ Conrad، والطيار بول ويتز Paul Weitz، والطيار العلمي جوزيف كيروين Joseph Kerwin. وفي يومهم الثاني في المدار تمكنوا على الرغم من الحرارة الشديدة من نشر “مظلة” أبعادها 6.7 م X 7.3 م لتعمل كدرع شمسية من خلال غرفة معادلة الضغط على جانب ورشة العمل المدارية (OWS). صُنعت المظلة من النايلون المنسوج، ونسيج المايلر Mylar، والألومنيوم، وقد عكست أشعة الشمس على الفور، لتجعل الحرارة بذلك محتملة داخلاً.
تجارب علمية سريعة (وعديدة)
إلى جانب ورشة العمل المدارية (OWS) ومحول الإرساء المتعدد (MDA)، كانت هناك وحدة معادلة الضغط Airlock Module (AM)، التي يمكن غلقها وخفض ضغطها، مما يتيح لرواد الفضاء الخروج عبر فتحة كبيرة لإجراء عمليات السير الفضائي لتغيير فيلم الكاميرا، وعمل التجارب والصيانة الروتينية. في يوم 7 يونيو، استخدم الطاقم هذا المرفق لتحرير الألواح الشمسية المتشابكة ونشرها بالكامل، ليتيح لهم هذا مزيداً من الطاقة الكهربائية.
وقد كان حامل تلسكوب أبولو (ATM) مفتاحياً أيضاً، بعد تثبيت ثلاثة جيروسكوبات لحظية التحكم (CMGs) عليه، مما أدى إلى استقرار المحطة بكاملها. احتوى الحامل ATM على أربعة ألواح شمسية ومجموعة من الأدوات الشمسية. وفي الداخل، جرى تقسيم أسطوانة إلى أربعة أرباع، وزودت بأداة ضبط الاتجاه الأفقي لتمكين التحكم بالتوجه الدقيق، ووفرت نقاط تثبيت لتلسكوبات الأشعة السينية والهيدروجين آلفا، ومخطط الطيف الشمسي، وأجهزة قياس الطيف، ومقياس الطيف الشمسي، والكاميرات، وراصد الإكليل الشمسي بالضوء الأبيض. وبالعمل في وحدة تحكم معقدة، شاهد رواد الفضاء ودرسوا أقرب نجم لنا في الأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية، والأشعة فوق البنفسجية الشديدة، والأطوال الموجية لأشعة الهيدروجين آلفا، وهي عملية تشبه وفقاً للقائد تشارلز كونراد ”العزف على ثلاث آلات بيانو لكل منها لوحة مفاتيح تتكون من 88 مفتاحاً، في الوقت ذاته“. وقد رُصدت التوهجات الشمسية، والألسنة النارية، والثقوب الإكليلية، والانبعاثات الكتلية الإكليلية، وحتى أحد المذنبات كوهوتك Kohoutek وصُورت بوضوح منقطع النظير إلى الآن. وقد عمّقت هذه الأرصاد الشمسية المطولة – عبر الطيف الكهرومغناطيسي، فوق الغلاف الجوي للأرض – معرفتنا بالشمس والفضاء.
في خلال فترة عملها التشغيلي، دارت سكايلاب حول الأرض أكثر من 2,476 مرة. كما زارها طاقمان آخران: سكايلاب 3 (SL-3) مع القائد آلان بين Alan Bean، والطيار جاك لوزما Jack Lousma، والطيار العلمي أوين غاريوت Owen Garriott، وسكايلاب 4 (SL-4) مع القائد جيرالد كار Gerald Carr، والطيار ويليام بوغ William Pogue، والطيار العلمي إدوارد غيبسون Edward Gibson. وقد نُقلوا جميعاً إلى المحطة على متن مركبة الفضاء أبولو التي أطلقت على صواريخ Saturn IB. وبقي طاقم سكايلاب 2 مدة 28 يوماً (أطول مدة خدمة متواصلة في الفضاء في ذلك الحين)، مع بقاء طاقمَي سكايلاب 3 وسكايلاب 4 مدتي 59 و84 يوماً على التوالي.
حققت أطقم الرواد جميع الأهداف الرئيسة للوكالة ناسا. وإضافةً إلى تنفيذ أرصاد شمسية مذهلة، فقد درسوا التأثيرات الفسيولوجية فترات طويلة من انعدام الوزن. وراقبوا محاصيل الأرض، والطقس، وراقبوا التغيرات البيئية. كما أجروا تجارب على تصنيع السبائك واستنبات البلورات المثالية في ظروف الجاذبية الصغرى.
سكايلاب في نهاية الطريق
كان من المتوقع أن تظل سكايلاب في المدار حتى نوفمبر 1979 على الأقل، وفي أفضل الأحوال إلى مارس 1983، ولكن النشاط الشمسي المتزايد وغير المتوقع الذي أدى إلى تسخين الغلاف الجوي العلوي للأرض وزيادة الإعاقة أدى إلى تآكل مدارها. نُظِر في مهمةٍ رابعة بطاقم سكايلاب 5 مدة 20 يوماً؛ يمكن لمركبة الإطلاق الاحتياطية لمهمة الإنقاذ أن تدفع المحطة إلى ارتفاع أعلى، يمكِّن الطاقم من إجراء تجارب. وقد وقّعت الوكالة ناسا عقداً لاستخدام نظام الاسترداد (TRS)، الذي أُطلق على متن مكوك فضاء تابع لها، لإعادة تنشيط مدار سكايلاب آلياً (انظر النهاية الدرامية لسكايلاب). وقد نُظر حتى في تدميرها بالصواريخ. ولكن في ديسمبر 1978، ومع ضغوط الموازنة المالية، وتعثُّر رحلات المكوك الفضائي بسبب التأخير، فقد أُوقفت عمليات سكايلاب ووُضعت في مدار بارتفاع 433 كم X 455 كم. ثم أُسقطت على الأرض في 11 يوليو 1979.
مقدمة برامج في علوم الفلك، ومحاورة، وكاتبة، وزميلة في الجمعية الفلكية الملكية
وقد أشاد بالمحطة مدير عمليات الإطلاق في مركز كينيدي الفضائي روكو بترون Rocco Petrone على أنها تمثل ”مفهوماً جريئاً يفتح مسارات جديدة في السماء“، وكانت سكايلاب أكثر برامج الرحلات الفضائية البشرية طموحاً عند الوكالة ناسا. فقد أثبت بصورة حاسمة أن رواد الفضاء يمكنهم العيش والعمل والتغلب على المشكلات، بطريقة تشبه الأعمال تقريباً، في مدار أرضي منخفض فترات طويلة من الزمن. وقد مهد هذا الإنجاز الطريق لعمليات دائمة؛ وقد ركزت الوكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية بعد ذلك على وحدة Spacelab القابلة لإعادة الاستخدام، وهي ورشة عمل مدارية يمكن وضعها في المدار باستخدام مكوك الفضاء. وإضافة إلى محطة الفضاء فريدم Freedom التي كانت موضع بحث فقط، من دون أن تبنى مطلقاً، فقد أدى ذلك كله إلى بناء محطة الفضاء الدولية ISS. غير أن كل شيء كان قد بدأ مع محطة سكايلاب.
نهاية سكايلاب الدرامية
كيف تُنزل من المدار مختبراً يزن 77,088 كغم؟ هذه هي المشكلة التي واجهتها ناسا في صيف العام 1979
كان مصير سكايلاب حدثاً إعلامياً عالمياً. ومع ضغوط الموازنة المالية للوكالة ناسا التي تركت المحطة الزائدة على الحاجة تفتقر إلى آليات التحكم والملاحة لإعادتها بأمان إلى الأرض، فقد احتفل العالم بها، لكنه خشي أيضاً من نهايتها.
في يوم 6 مارس 1978 اتصل مراقبو ناسا بالمحطة الفارغة، وفي يوم 24 إبريل أرسلوا أوامر إعادة التنشيط لإعادة توجيهها وإطالة عمرها وإتاحة عودة متوقعة وخارجة عن السيطرة في منتصف العام 1979. وبعد وضعها في حالة عطالة شمسية عالية الإعاقة High-drag solar-inertial في يناير 1979، فقد نُقلت في 20 يونيو إلى حالة “توازن دوراني” Torque equilibrium، مما أعطى ناسا خيار تأخير أو دفع مدارها الدقيق لإعادة الدخول.
عند الساعة 07:45 بالتوقيت العالمي المنسق UTC من 11 يوليو، أُرسل أمرُ كبح إلى سكايلاب من محطة تتبع مدريد في إسبانيا، مما أدى إلى تحويل نقطة العودة بعيداً عن كندا والساحل الشرقي للولايات المتحدة. حدثت إعادة الدخول في ذلك اليوم، في أثناء الدورة 34,981، عند الساعة 16:37 تقريباً بالتوقيت العالمي المنسق UTC، وامتدت منطقة تناثر الحطام من جنوب شرق المحيط الهندي وعبر منطقة قليلة السكان في جنوب غرب أستراليا.
رصد السكان هناك عشرات القنابل المضيئة الملونة، مع تحطُّم أجزاء كبيرة من المحطة على ارتفاع 16 كم في الغلاف الجوي. وتضم عديدٌ من المتاحف الأمريكية والأسترالية الآن حطامَ سكايلاب، بما في ذلك قطعتان من خزان الأكسجين؛ واستخرج الجزءَ الأصغرَ مُزارعٌ أسترالي في العام 1990.