سؤال وجواب عالم فلك راديوي
القمر ليس مجرد تابع طبيعي للأرض. فمع حجبه الإشارات الراديوية المجرِّيّة في الخلفية السماوية، قد يكون المفتاح الذي يكشف لنا أسرار الكون المبكر
ميليسا بروبي تحاور بن ماكينلي Ben McKinley
كيف يمكن لعلم الفلك الراديوي أن يخبرنا عن الكون المبكر؟
عندما تمدد الكون المبكر وانخفضت درجة حرارته بدرجة كافية، شكلت البروتونات والإلكترونات هيدروجيناً محايداً. ثم أعادت النجومُ والمجرّات الأولى عمليةَ تأيين الهيدروجين أي أن فوتوناتها تفاعلت مع الذرات، وسبب هذا عزل الإلكترونات. هذه هي حقبة إعادة التأين Epoch of Reionisation (اختصاراً: حقبة EoR). يُصدر الهيدروجين المحايد فوتونات بطول موجي يبلغ 21 سم. ولكن منذ زمن حقبة إعادة التأين، حدثت عملية إزاحة طولها الموجي إلى اللون الأحمر (تمددت بسبب توسع الكون) إلى ما بين 1 و3 أمتار، في الجزء الراديوي من الطيف الكهرومغناطيسي. يخبرنا الشكل الذي تبدو عليه إشارة الطول الموجي 21 سم المنزاحة نحو الأحمر عن هذه النجوم والمجرّات الأولى التي أعادت تأيين الهيدروجين.
ما التحديات الرئيسة لاكتشاف هذه الإشارة من حقبة إعادة التأين؟
هذا هدف محفوف بالصعوبات، حيث إن الإشارة ضعيفة ومحجوبة بانبعاثات راديوية أقوى في الأمامية، آتية من أجرام مثل المجرّات الراديوية والإلكترونات التي تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء في مجرَّتنا درب التبانة. وهنا يأتي دور القمر: إنه يحجب السماء، ليوفر بذلك تبايناً للإشارة الراديوية العادية والرتيبة التي نبحث عنها. إذا عرفنا الحجم الزاوي Angular size للقمر وسطوعه كدالة Function للتردد Frequency أو الطول الموجي Wavelrngth، فيمكننا إذن استخدام أرصاد مصفوفة موريكسن للمجال العريض Murchison Widefield Array (اختصاراً: المصفوفة MWA) وهي تلسكوب راديوي منخفض التردد يوجد في غرب أستراليا لاستخراج الإشارة الراديوية العادية للخلفية السماوية بترددات مختلفة.
لماذا تستخدم القمر لهذه الدراسة بدلاً من جِرم سماوي آخر؟
يعمل القمر كمرجع معروف يمكننا به قياس معدل إشارة الخلفية السماوية. بخلاف ذلك يكون المعدل الكوني غير مرئي بالنسبة إلى مصفوفة التلسكوب MWA، الذي يمكنه تحسس التغيرات الزاويّة للإشارة الراديوية فقط. نظرياً، يمكن استخدام أي جرم حاجب؛ وقد تصادف أن يكون القمر بحجم مثالي في السماء، ونعتقد أننا نعرف سطوعه كدالة للتردد.
كيف استخدمت التلسكوب MWA في أبحاثك؟
يمكن للتلسكوب MWA أن يرصد القمر بين طولي 72 ميغاهيرتز و230 ميغاهيرتز. وُجِّه التلسكوب إلى القمر في إحدى الليالي وفي ليلة لاحقة في نفس التوقيت النجمي Sidereal time المحلي، ورصدت المنطقة ذاتها. في الرصد التالي، لن يكون القمر في مجال الرؤية لأنه سيبتعد بسبب مداره حول الأرض. سمح لنا هذا بطرح مجموعة صور من مجموعة أخرى، وإزالة بقية السماء بنحو فعال وترك بصمة من القمر. ثم حُللت الصور المختلفة لاستخراج سماء الخلفية الكبيرة التي كان القمر يحجبها.
باحث زميل في جامعة كيرتن Curtin University في أستراليا، وهو متخصص في دراسة وفهم سلوك المجرّات الراديوية وبنيتها المعقدة
ما المشكلات التي واجهتَها باستخدام هذه الطريقة؟
كانت المشكلة الرئيسة أننا لم نستطع افتراض أن القمر كان جسماً أسود [جسماً يمتص الإشعاع تماماً] بدرجة حرارة ثابتة، وذلك لأن القمر يعكس الإشارات الراديوية الآتية من الأرض ليعيدها إلى التلسكوب. وإذن فما يحدث هو أنك تحصل على نقطة ساطعة في صورك في مركز القمر، حيث يعمل كمرآة. هذه مشكلة خاصة توجد بين ترددات 87 ميغاهيرتز و110 ميغاهيرتز. ومع ذلك، فقد اتضح أن انعكاس ضوء الشمس وتسخين الشمس للسطح هو تأثير أقل حجماً بكثير، ومن ثم فإن طور القمر غير مهم لأغراضنا.
كم بلغ عدد الأرصاد التي نفذتَها؟
لقد نفذنا أرصاداً على مدى عدة ليال، بمدة تصل إلى 250 ساعة تقريباً، وما زلنا نعمل في تحليل البيانات ونشرها. حتى الآن لدينا ليلة واحدة فقط لكل عملية رصد مزدوجة، مع القمر ومن دونه. ونظراً إلى عدم قدرتنا على تغطية المجال الترددي بالكامل دفعة واحدة، فقد احتجنا إلى تقسيم الأرصاد، بحيث انتهى بنا الأمر بجلسة رصد ”قمرية“ طولها 70 دقيقة تقريباً لكل قناة ترددية. وكان هذا كافياً لإثبات أن عمليتنا قد نجحت، ويمكنها قياس إشارة أمامية السماء الكلية من مجرّة درب التبانة فبدت أكثر سطوعاً بـ 10,000 مرة من إشارة الطول الموجي 21 سم الكونية المتوقعة.