أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
شروحات

نشاط رصد النجوم لتحسين الصحة العقلية

تستكشف إيمي آرثر هنا كيف يُمكن لنشاط التواصُل مع سماء الليل أن يؤدي إلى تحسين صحتك

عندَ الابتعاد عن المدينة وضجيجها، إلى مكان نستطيع فيه النظرَ إلى نجوم السماء في ليلة صافية وهادئة، لا يعكر صفوَها سوى صوت نعيق بومة بين حين وآخر، يمكن أن نشعر بانحسار وطأة الضغوط في حياتنا اليومية، حتى لو فترةً مؤقتة فقط. فعندما تفتتن بما هو فوقك وحولك، سواء كنتَ ترصد بعينك المجردة، أو بعينية تلسكوب، ستشعر بتبدُّد مشاعرك السلبية. يقام أسبوع التوعية بالصحة العقلية في الفترة من 13 إلى 19 مايو، ليمنح هذا وقتاً مثالياً لدراسة كيف يمكن لنشاط مراقبة النجوم Stargazing أن يساعدك على تحسين صحتك النفسية والعقلية وعافيتك.

أظهرت الدراساتُ العلمية مراراً وتَكراراً أن قضاء وقت في رحاب الطبيعة، خاصةً إذا كنتَ تعيش وتعمل في بيئة حضرية، يعززُ المشاعر الإيجابية ويقلل من التوترات النفسية. بل وُجد أنه يمكن حتى لمشاهدة مقاطع الفيديو لبيئات طبيعية أن تقلل من العلامات الفيزيولوجية لوطأة الإجهاد والتوتر، من قبيل ارتفاع ضغط الدم. غير أن كثيراً من هذه الأبحاث يركز على التجربة النهارية لهذا الشعور. فهل يمكن لسماء الليل أن تمنح الفوائد الصحية العقلية والنفسية ذاتَها، بعد غروب الشمس واستتار تلك المشاهد الخضراء الرائعة في عتمة الليل؟

وجدت إحدى الدراسات التي نُشرت في شهر فبراير 2024 أن الأشخاص الأكثر ارتباطاً بسماء الليل يتمتعون بصحة نفسية أفضل، ويشعرون بسعادة أكبر. تشير الأبحاث أيضاً إلى أن البيئات الأقل إثارة بصرياً أي إنها أقل تعقيداً أو أقل حركة تقلل التوترات بنحو أفضل مما تفعله البيئات الأكثر تحفيزاً. يمكن لسماء الليل، أن تكون مُحفزة ومذهلة، ولكن هذا يأتي، بصورة عامة، من تقديرنا الداخلي للمشاهد الحاضرة أمامَنا. بل يمكن حتى لأكثر زخات الشُّهب كثافة أن تُشعرك بهدوء أكثر من رؤية العدد ذاته من السيارات، وهي تسير على طريق سريع.

تخرَّج في مدرسة الإجلال والمهابة: يمكن للتأمل والتفكير في عظمة الفضاء والكون أن يصنع العجائب

ارفعوا بصرَكم إلى أعلى، وارفعوا معنوياتكم
وفقاً لمامفو ليديمو Mampho Ledimo، وهو طالب يدرس علوم النفس والاجتماع، ويعمل في مشروع يُسمَّى علم الفلك للصحة العقلية E، فإن الشعور بالمهابة والإجلال مفيد لصحتنا العقلية. وقد تبين أن مشاعر الإعجاب والتقدير العميق تقلل حدة الالتهاب، وتخفض معدل ضربات القلب، وتزيد من وجود هرمون الأوكسيتوسين Oxytocin، ليعزز هذا من قوة المشاعر الإيجابية.

إلا أن أحد أهم آثار الشعور بالمهابة يكمن في إحساسنا بالذات. يمكن للأشخاص الذين يعانون ضعفاً في الصحة العقلية، مثل أمراض الاكتئاب، أو القلق، أو اضطرابات في تناول الطعام، أن يكون لديهم تضخم في الشعور بالتركيز على الذات: اجترار القلق، أو معاناة أفكار سلبية عن أنفسهم، أو الاعتقاد بمسؤوليتهم الشخصية عن حدوث أشياء سيئة. ولكن عندما نضع أنفسنا في جو أكثر مهابةً وروعة، شيء أكبر من أنفسنا، فإن هذا يساعد على تقليل التركيز على الذات.

يقول ليديمو: ”أن نفكرَ في اتساع الكون، وعمره، وعمر الأرض… يمكن لهذا، إلى حد ما، أن يساعدنا على التخلص من فكرة أننا نسيطر على كل جوانب حياتنا. إنه يسمح لك بأن تقول: ’هل تدرك أنه ليست لديَّ سيطرةٌ على كل شيء. لا يمكنني التحكُّم إلا في الأشياء الصغيرة التي أستطيع التأثير فيها‘ “.

ويطلق آدريان وِست Adrian West، وهو عالم فلك ومقدم الفعاليات الحية لبرنامج Night Sky Show، على هذا اسم ”ضمادة للروح“. ويشير إلى أنه ”عندما تنظر إلى ذلك المجهول الكبير، ستشعر بأن مشكلاتك الأرضية والدنيوية لم تعد شيئاً يُذكَر أمامه“.

لكي تشعر بسعادة أكثر، شارِكْ وقتَك تحت النجوم مع الآخرين

قوة الأرقام
يمكن للإحساس بالمهابة أن يجعلنا أيضاً نشعر بأننا أكثر ارتباطاً بالناس الآخرين، سواء كانوا أصدقاء أو غرباء. فعلى سبيل المثال يمكن للجماعات التي تُكوِّنها مجموعات هواة الفلك أن تعالج بعضاً من الشعور بالوحدة.

ويضيف ليديمو: ”يمكن إثراء تجربة الوجود في الخارج ليلاً من خلال الوجود مع أشخاص آخرين حولَك، ومشاركتهم النشاطَ الذي تحبه“.

ينبغي ألا تشعر بالخوف من الحضور للمشاركة، أو أن تقلق من عدم تمتعك بمعارف كافية، أو أن تعتقد أن الطريقة الوحيدة للنظر إلى النجوم هي من خلال تلسكوب باهظ الثمن، لأنك ستجد أن معظم النوادي الفلكية ترحب بالجميع.

وبالمثل، هناك شعور غامر بل وقوي جداً تحصل عليه من مجرد مراقبة النجوم، كما يقول عالم الفيزياء الفلكية ومدرس يوغا الزن مارك ويستموكيت Mark Westmoquette. فهو يرى أن قضاء وقت تحت السماء هو ممارسة للتأمل الواعي Mindful practice، يمكنه معها التخلص من كل الاعتقادات المسبقة، والشعور بسحر الوجود في المكان والزمن.

ويذكر: ”بالطبع، نحن لسنا وحدنا فعلاً؛ فهناك 6,000 نجم فوق رؤوسنا“. 

إيمي آرثر Amy Arthur:
كاتبة علمية، ومؤلفة كتاب اضبط نفسك: كيف تحصلُ على طاقة في عالم مُرهِق Pace Yourself: How to Have Energy in an Exhausting World


احصلْ على دفعة منشطة من حزام الجبّار: ابحثْ عن كوكبة الجبّار، لتحصل على لمسة علاج فورية من الفضاء

كيف تُمارس نشاط مراقبة النجوم من أجل صحة نفسية جيدة

لستَ في حاجة إلى معدات فلكية لتجني فوائد نشاط مراقبة النجوم. جرِّبْ هذه النصائح لتعزيز مشاعرك الإيجابية

ابدأ بجلسات صغيرة
ليست هناك حاجة إلى الجلوس ساعاتٍ متواصلةً في الخارج، بانتظار إلقاء نظرة على كوكبة معينة أو زخة شهب. إذ تكفي مدة 10 دقائق فقط في تحديد موقع حزام الجبّار E، أو ملاحظة طور القمر كل ليلة، أن تساعد على تقليل التوتر.

تعمَّقْ في تأمُّل ما حولك
نعلم أنه يمكن لتطبيقات الهواتف الذكية أن تساعدنا على تسمية وتحديد الأجرام والمشاهد التي نراها في السماء، إلا أنه يمكن لها في الآن ذاته أيضاً أن تُذكرنا بضغوط الحياة اليومية. ولكي نكون واعين حقاً للشعور باللحظة، سنحتاج إلى التركيز على المشاهد والأصوات الحاضرة حولنا في تلك اللحظة. دعْ عقلَك ينطلق ويتجول من دون أي قيود مسبقة: إذا كنتَ لا تعرف الاسم الصحيح لكوكبة نجوم، فلا بأس في ذلك.

حدِّد الوقتَ المناسب لك
السهر، أو الاستيقاظ مبكراً، قد لا يناسب الجميع. بدلاً من ذلك ابحث عن أوقات مناسبة لك لتأمُّل السماء وتقديرها، ضمن روتين نشاطك الحالي. انظر إلى الأعلى وأنت تُخرج القمامة في وقتها، أو لاحِظْ ألوان غروب الشمس في أثناء عودتك إلى المنزل. وفي الليالي التي يصعب عليك النوم فيها، انظر إلى النجوم خارجاً عبر النافذة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى