برنامج سماء الليل التلفزيوني، في الماضي والحاضر والمستقبل
في حلقة شهر إبريل من برنامج سماء الليل Sky at Night، كشف الكيميائي مارك سيفتون Mark Sephton كيف سنبحث عن علامات حياة مريخية في العينات التي التقطتها المركبة الجوّالة بيرسيفيرانس.
يدخل البحث عن حياة خارج الأرض مرحلةً مثيرة. لقد درسنا كوكب المريخ المجاور لنا بصورة تقليدية باستخدام مركبات الهبوط والمركبات الجوّالة التي تفحص المشهد الطبيعي حولها باستخدام الأدوات الموجودة على متنها. توصل طريقة “العمل على الموقع” هذه بصورة أساسية مجموعة محدودة من الأجهزة إلى مكان يمكن فيه الوصول إلى كمية كبيرة من العينات.
ومع ذلك تبدو عمليات البحث عن حياة على المريخ أنها تبدأ الآن وقتاً لإعادة عينات مريخية إلى الأرض. يؤدي هذا إلى عكس النهج التقليدي للدراسة “في الموقع”، وذلك من خلال أخذ كمية محدودة من العينة تبلغ في مثال إعادة عينة مريخية، قدر نصف كيلوغرام تقريباً وإحضارها إلى الأرض لتحليلها في مختبرات عالمية متخصصة جداً. وفضلاً عن ذلك فإن طرق التحليل المخبري تتحسن باستمرار؛ ونتوقع وصول العينات في العقد المقبل. إن عقد الثلاثينات من هذا القرن يجب أن يشهد قدرات تحليل غير مسبوقة.
تجري حالياً المرحلة الأولى من مشروع إعادة عينات مريخية: تجمع الآن مهمة المريخ 2020 (Mars 2020) ومركبتها الجوالة بيرسيفيرانس (المثابرة) Perseverance عينات من الصخور والتربة والغاز في موقع الفوهة جيزيرو Jezero Crater، التي هي بنية صدمية قطرها 45 كم توجد في منطقة نيلي فوسي Nili Fossae. وقد اختيرت الفوهة جيزيرو كموقع هبوط لأنها تحتوي على بنية بشكل دلتا، أو مروحة، تجعلنا نعتقد أن المياه المتدفقة غمرتها لتشكل بحيرة فوهة. وباستخدام مجموعتها من الأدوات العلمية، فإن جوّالة بيرسيفيرانس تستطيع تحديد العناصر المعدنية في المشهد المحيط بها، والبحث عن تلك العناصر التي قد تمثل أهمية للعلماء.
تعتمد كل أنواع الكيمياء الحيوية المعروفة على الأرض على الماء السائل، لذا فإن وجود بحيرة سيشير إلى وجود بيئة صالحة للحياة. يمكن للرواسب المتوضِّعة في البحيرة أن تحافظ على علامات حياة سابقة، إن وُجدت. وهنا على الأرض، تُعدُّ الرواسب المرتبطة بمناطق الدلتا مواد حفظ رائعة للبقايا العضوية للحياة، ونأمل تكرار مثل هذا، ولو جزئياً على الأقل، على المريخ.
من المحتمل أن تكون الصخور التي قد تحتوي على أدلة حياة سابقة قديمة جداً. وبالمقارنة بالأرض، فَقَدَ الكوكب الأحمر مجاله المغناطيسي وغلافه الجوي بسرعة نسبياً، ومن دون دورهما في الحماية والتدفئة، ستقل قابلية المريخ للحياة بمرور الزمن. تمثل الصخور القديمة بعض التحديات، وذلك لأنه كلما طالت مدة تخزين المواد فيها، زاد احتمال حدوث شيء لها، مما يؤدي إلى تدهورها. من الممكن أن تكون العلامات الأساسية للحياة، في حال وجودها، قد ضاعت منذ زمن طويل. ولهذا السبب سيكون اختيار أفضل العينات لإعادتها هو الآن أمراً أكثر أهمية من أي وقت مضى.
إذا نجحت المادة العضوية في البقاء على قيد الحياة ضمن هذه العينات، فسيتمكن علماء الأحياء الفلكية من بدء التحليل البنيوي الدقيق عليها، الذي لا يمكنهم فعله باستخدام مجموعة الأدوات المحدودة على متن الجوّالة بيرسيفيرانس. تستطيع الأدوات التحليلية، مثل مطياف الكتلة التي يمكنها كشف وجود مجموعة كبيرة من العناصر والمواد الكيميائية أن تفحص هذه العينات، وأن تبحث عن أدلة على حياة سابقة. تستخدم الحياة الأرضية مركبات عضوية محددة تسمح للكيمياء الحيوية بالعمل. إذا كانت هذه المركّبات محفوظة جيداً، فهي ستوفر بنية دقيقة للبقايا العضوية للحياة يمكن تمييزُها عن أي نظائر غير بيولوجية. نأمل أن نكون قادرين على الحصول على قدر كبير من التفاصيل الموضِّحة، والكشف عن العلامات العضوية للحياة التي ستعلمنا عن كل من الكائن الأصلي والبيئة التي عاش فيها.
وإضافة إلى الأعمال الجارية حالياً على كوكب المريخ، وفرصة إعادة عينات، هناك تحضيرات مكثفة تتخذ هنا على الأرض: إذ يجري تدريب الباحثين، وتطوير التقنيات وتحسينها. وعندما تُجلب عينات المريخ، سيكون المجتمع العلمي على الأرض جاهزاً في انتظارها.
عودة بالذاكرة: سماء الليل
18 مايو 1977
في حلقة يوم 18 مايو من العام 1977 انضم عالم الأبحاث الشمسية رون ماديسون Ron Maddison إلى باتريك مور Patrick Moore لمناقشة الدورة الشمسية الجارية. تمر شمسنا بدورة نشاط شمسي متزايد ومتناقص تستمر لمدة تقرب من 11 عاماً. وفي وقت الحلقة، كانت الدورة الشمسية الرقم 21 قد بدأت من فورها.
عادة ما يجري تتبُّع الدورات الشمسية من خلال عدد البقع الشمسية المرئية على سطح الشمس، وفي العام 1977 كانت تلك بطيئة التزايد. ونظراً إلى أن الدورة السابقة لها قد شهدت نشاطاً منخفضاً جداً، فقد اعتقد العلماء أن الأمر ذاته قد يحدث مرة أخرى. ومع ذلك، بعد وقت قصير من بث الحلقة، بدأت أعداد البقع الشمسية تزداد، وشهدت الدورة أنشط شهر لها في نوفمبر 1979 بعد سنتين فقط من بدايتها.
بدأ قياس عدد البقع الشمسية بانتظام منذ القرن الثامن عشر، وذلك على الرغم من وجود سجلات متفرقة من أوقات سابقة. في العقد الذي سبق الحلقة، أُطلقت أقمار اصطناعية جديدة لمراقبة الشمس باستمرار، ولتبدأ حقبة غير منقطعة من الرصد الفضائي تستمر حتى يومنا هذا.
تُظهر هذه الأرصاد بوضوح أن بعض الأنشطة القوية للشمس كانت أشدَّ من غيرها. وبدا أن هذه السنوات النشطة تتبع دورتها الخاصة، على مدى قرن تقريباً. ومع ذلك، في حين تسمح لنا عقود من المراقبة بإعطاء تنبؤات، يحدث أحياناً أن تقذف الشمس كرة منحنية. لقد فاجأت دورتنا الحالية، الـ 25، علماء الشمس بكونها أقوى بكثير مما كان متوقعاً. ويبدو أنه ما زال أمامنا كثير لنتعلمه عن نجمنا هذا.