أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

لـــــــيـــــــلـــــة على الشاطئ

ويل غيتر يستكشف ما يمكن أن تقدمه الأميال الطويلة من الخط الساحلي في المملكة المتحدة لعلماء ومصوري الفلك الباحثين عن مشاهد جديدة

ويل غيتر Will Gater:
صحافي يكتب في علوم الفلك، ومقدم برامج علمية

نحن بالتأكيد لا تنقصنا الشواطئ هنا في المملكة المتحدة. فمن المنحدرات المغسولة بالأمواج والتي تواجه جبروت المحيط الأطلسي في لاندز إند Land’s End في كورنوول Cornwall، إلى الشواطئ الرملية المتلألئة المنتشرة حول سواحل اسكتلندا المذهلة، هناك آلاف الكيلومترات منها لاستكشافها. ومع ذلك، ففي حين أن هذه المناظر الطبيعية الساحرة ذات الرذاذ البحري الملحي تقدم مشاهد بحرية نهاراً، إلا أن لديها أيضاً الكثير لتقدمه لعلماء الفلك والمصورين الفلكيين بعد غروب الشمس.
العديد من المواقع الساحلية في معظم أنحاء البلاد تحتوي على أماكن مخصصة للجمهور يمكن تهيئة معدات الرصد والتصوير فيها حالما تسمح القيود الحالية الخاصة بظروف الجائحة بالطبع. وعلى الرغم من أنه، بطبيعة الحال، لا يمكنك وضع تلسكوبك في أي مكان، إلّا أنك عندما تجد مكاناً مناسباً، فستدرك فوراً سبب كون هذه الأماكن رائعة لرصد النجوم.
ولعل الميزة التي غالباً ما تكون أكثر وضوحاً على الفور خاصةً لأولئك الذين يعيشون في البلدات والمدن، حيث علينا التعامل مع المباني المزدحمة من حولنا هي امتداد مساحات الرؤية الرائعة والآفاق الواسعة والمفتوحة التي تمنحنا إياها المواقع الساحلية. فمن خلال الإطلالات الواسعة والشاملة من الأعلى ووصولا إلى البحر، غالباً ما تكون قادراً على رؤية مساحات من السماء أكثر بكثير مما في مواقع حضرية مبنية.
قد يكون موقع المشاهدة الساحلي رائعاً لرصد الشهب خاصة في مواسم هطول الشهب السنوية الكثيفة، مثل زخة البرشاويات Perseids صيفاً، والتوأميات Geminids شتاءً إذ تكون فرصتك أفضل عندما ترى المزيد من السماء فوقك. كما يمكن أن يكون ذلك مفيداً لك أيضاً إذا كنت فلكياً مبتدئاً تحاول معرفة طريقك بين الكوكبات، إذ قد يكون من الأسهل لك ربط أنماط النجوم المختلفة ببعضها البعض عندما تستطيع رؤية المزيد منها ضمن مجال أوسع. وإضافة إلى ذلك، يمكن لأي شخص شاهد شروق القمر فوق أفق البحر شرقاً أن يخبرك عن هذا المشهد السحري الذي يمكن للعين المجردة أن تراه. فمَشاهِد شروق القمر المكتمل (انظر الصورة في الأسفل) مميزة جداً، إذ يظهر قرص القمر بلون برتقالي غامق ببطء فوق الماء، ويتراقص “مساره المتلألئ” مع صعوده عالياً في السماء.

كشف الأجسام المنخفضة
يقودنا ذلك إلى أمر آخر تقدمه مواقع المشاهدة الشاطئية للراصدين الذين يبحثون عن التحديات: فرؤية أفق البحر المنبسط لا تمنحك مجرد مشهد أكثر رحابة، بل أيضاً أفضل فرصة لتصوير أجرام السماء ذات الارتفاع المنخفض في سماء المملكة المتحدة مثل أهداف معينة في أعماق السماء، والمشاهد العابرة مثل المذنبات منخفضة الارتفاع. فإذا كانت هناك أسطح منازل أو أشجار وشجيرات حول الموقع الذي ترصد منه عادةً، فمن المحتمل أنك لن تتمكن من رؤية قدر كبير من الأجسام التي إما أنه لا يمكنك رؤيتها على الإطلاق، أو أنك ستجهد نفسك لرؤيتها من خلف العوائق.
واحدة من أغنى مناطق السماء التي يصعب على الراصدين في المملكة المتحدة إلقاء نظرة جيدة عليها، بسبب ارتفاعها المنخفض بطبيعته عند خطوط العرض في المملكة المتحدة، هي تلك المنطقة التي ترى باتجاه مركز مجرة درب التبانة في أشهر الصيف في نصف الكرة الشمالي. فهذه المنطقة -حول الشكل النجمي الشهير بـ “إبريق الشاي” Teapot في كوكبة الرامي Sagittarius- تحتوي على العديد من أهداف الرصد الرائعة حقاً لليالي الصيف المعتدلة؛ وهي تشتمل على سديم البحيرة Lagoon Nebula ،M8، الجميل (انظر الإطار على الصفحة 32) الذي هو هدف رائع لمنظار مزدوج وتلسكوب صغير؛ إضافة إلى العنقود الكروي M22، والذي يُرى مقابلاً للحقول النجمية في مجرة درب التبانة صيفاً. وكمثال على مدى صعوبة رصد هذين الجرمين في أفق غير واضح الرؤية في هذه الحالة، أفق جنوبي في وقت قريب من هبوط الظلام في وقت أوائل شهر أغسطس في اسكتلندا (تقريباً عند خط عرض °56 شمالاً) نجد أن كلاً من M8 و M22 يظهران عند خط عرض تحت °10؛ °10 في السماء؛ وتذكر، أن هذا يساوي تقريباً نصف قطر كفك الممدودة على طول ذراعك وهذه ليست مسافة كبيرة بأي حال. ووضع هذه الأجرام السماوية هو أفضل للرؤية بقدر بسيط فقط في المناطق الواقعة في أقصى جنوب المملكة المتحدة، وهذا هو السبب في أن أي شيء يمكنك فعله للعثور على أفق جنوبي منخفض أكثر مثل الرصد من ساحل مواجه للجنوب سيحسن من فرصك لرؤية واضحة.

لا أرضَ في الأفق
يمكن أيضاً تعزيز هذه المشاهدات الواضحة بفعل حقيقة أنك عندما تنظر مباشرة إلى البحر من المملكة المتحدة، لن ترى، عموماً، أراضيَ لمسافة عشرات، إن لم تكن مئات، الكيلومترات. وقد يعني هذا وجود قباب ضوئية Light domes أقل بكثير مما تراه في البلدات والتجمعات السكنية الأخرى (القريبة أو البعيدة) في الأفق من حولك، مما يجعل الرصد البصري أسهل بكثير. عادة ما يقتصر التلوث الضوئي الموجود في مشهد بحري على أضواء سفن بعيدة أو سفن الصيد. وقد يتمكن المصورون من التقاط قباب الضوء من مناطق بعيدة جداً في صور ذات تعريض ضوئي طويل على غرار المشاهد الليلية على سبيل المثال، من ساحل ديفون Devon الجنوبي، يمكن كشف التوهج في الأفق من جزر القنال وأجزاء من شمال فرنسا ولكن عموما ستلاحظ تحسناً في مستوى التلوث الضوئي مقارنة بمعظم المواقع في داخل المملكة المتحدة.

احتمالات التصوير
عند الحديث عن المصورين، فإن معظم الفوائد المذكورة أعلاه للراصدين البصريين تنطبق أيضاً على التصوير الفلكي. فعلى سبيل المثال، يتيح لك أفق ساحلي طلق، تصوير عروض منخفضة الارتفاع للسحب الليلية المتألقة (انظر الإطار أعلاه). وستحظى أيضاً بفرصة أفضل لالتقاط وهج الضوء البروجي Zodiacal Light فوق مساحة من البحر معتمة جداً أكثر مما قد تحصل عليه فوق المناطق المأهولة بالسكان في المواقع الحضرية؛ في تلك البقع، يمكن للتلوث الضوئي على طول الأفق أن يغمر غالباً الجزء المنخفض من هذه الظاهرة الضوئية الخافتة. ناهيك عن الفرص الجمالية والتشكيلية التي لا حصر لها المتاحة أمام التصوير الفلكي الساحلي.
كما يمكن للانعكاسات من الكواكب الساطعة، والنجوم والقمر على الصخور والرمال الرطبة أن تضيف بريقاً ساحراً على الصور. فإذا حاولت التصوير بتعريضات ضوئية Exposures طويلة المدة لتمويه (تشويش) صفحة الماء وحركة الأمواج، يمكنك صنع إطلالة متألقة في مشهد يجذب العين ويوجه اهتمام المشاهد إلى قلب التشكيل البصري.

البقاء آمناً
لا شك في أن أهم ما يجب أخذه بعين الاعتبار عندما يتعلق الأمر برصد النجوم على شاطئ البحر هو عنصر السلامة والأمان دائماً. إذ يمكن للساحل أن يكون موقعاً خطيراً حتى في وضح النهار؛ وفي الليل سيكون هناك الكثير من المخاطر التي يجب التنبه لها أيضاً مثلاً، المواقع الزلقة أو غير المستوية، والمياه، وتغيرات المد والجزر. ابتعد عن المنحدرات والمناطق الأخرى ذات الأرض الوعرة، واعرف دوماً أوقات المد والجزر، إضافة إلى أي معلومات وإشارات عن السلامة المحلية. كما تسري أيضاً النصيحة المعتادة لأولئك الذين يغامرون بمشاهدة النجوم أو تصويرهاــ أي، أخبر شخصاً ما بالضبط إلى أين أنت ذاهب ومتى تتوقع العودة، مع ارتداء الملابس المناسبة للظروف، والتأكد من شحن هاتفك المحمول تماماً، ووجود مصباح معك. يمكن أن يساعدك الاستطلاع النهاري لمنطقة الرصد والتصوير المقصودة على استباق أي مشكلات خاصةً إذا كنت لا تعرف المنطقة جيداً.
غالباً ما تكون تأثيرات الطقس العاصف محسوسة جداً في البقع الساحلية المكشوفة، لذلك فأنت سترغب بطبيعة الحال في معرفة التوقعات الجوية وأحدث الصور الجوية للأقمار الاصطناعية قبل أي رحلة. فهذا صحيح ليس فقط من وجهة نظر السلامة، ولكن أيضاً لأن البقع الساحلية عرضة لضباب البحر والبخار، مما قد ينعكس سلباً على الرصد الفلكي. وتتضمن خدمة تنبؤات الأحوال الجوية Shipping Forecast المقدمة من مكتب الأرصاد الجوية Met Office في المملكة المتحدة، ملاحظات عامة عن حالة الرؤية البحرية، وهناك أيضاً صور الأقمار الاصطناعية المتاحة عبر الإنترنت والتي يمكن أن تقدم لمحات عن مناطق تشكل الضباب. وستحتاج أيضاً إلى توخي الحذر من نسيم البر الذي قد يحمل رذاذ البحر في الهواء، لأنك لا تريد أن يقترب ذلك من معداتك البصرية الكاميرا والتلسكوب الحساسة وباهظة الثمن.
وسواء كنت مصوراً فلكياً أم راصداً أم مزيجاً من الاثنين، ومع احتمال عودتنا في العام المقبل إلى شيء يشبه الحياة الطبيعية، فقد تكون الرحلة إلى الساحل هو ما يحتاج إليه الكثير منا لتنشيط علاقتنا بالنجوم. في الواقع، مع وجود الكثير مما يمكن العثور عليه متلألئاً فوق الآفاق البعيدة لتذكيرنا بأسباب اهتمامنا بالسماء ليلاً، يمكن أن يكون أعظم إغراء لشاطئ البحر هو ذلك الإلهام الذي يتدفق منه مع تلاطم الأمواج وتكسرها في جو مسائي مثير عابق برائحة الملح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى