.. ونذكر فرانك دريك
حوَّل عمل دريك البحثَ عن الحضارات الفضائية من اهتمام ثانوي إلى مجال حقيقي للبحث العلمي
رحل فرانك دريك، أحد رواد مشروع البحث عن حياة خارج كوكب الأرض Search for extraterrestrial life (اختصاراً: المشروع SETI)، في 2 سبتمبر 2022، عن عمر ناهز 92 عاماً.
وُلد دريك في 28 مايو، 1930، في مدينة شيكاغو، وبدأ يتساءل أول مرة عن وجود حضارات خارج كوكب الأرض وهو في سن الثامنة، عندما أخبره والده عن وجود عوالم خارج الأرض. في سن السابعة عشرة التحق بجامعة كورنيل Cornell University في منحة من سلاح البحرية، وكان ينوي في البداية أن يكون مصمم طائرات، لكنه غير خططه عندما لمح أقمار كوكب المشتري أول مرة في أثناء درس في علم الفلك. جدد هذا فضوله حول ما إذا كانت الحياة الفضائية موجودة، والأهم من ذلك: كيف يمكن اكتشافها.
بدأ دريك دراسته لنيل درجة الدكتوراه في جامعة هارفارد في العام 1952، حيث درس تشكل النجوم وتحرى كواكب المجموعة الشمسية عبر ارتداد الموجات الراديوية عنها. وهنا كان هو أول من وضع نظرية مُفادها أن الحياة خارج كوكب الأرض ربما تصدر أيضاً إشارات راديوية يمكن اكتشافها.
بعد خدمته في البحرية منذ العام 1955 إلى العام 1958، تولى دريك منصباً في المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي National Radio Astronomy Observatory في غرين بانك، بولاية فيرجينيا الغربية، في شهر إبريل من عام 1958، واستخدم التلسكوب الراديوي الذي يبلغ قطره 26 م لاختراق الغبار الكوني ورسم خريطة لمركز مجرّة درب التبانة أول مرة. اكتشف أيضاً الأحزمة الإشعاعية حول كوكب المشتري، وقاس الحرارة الحارقة لسطح كوكب الزهرة.
لكن التلسكوب في غرين بانك كان أيضاً قوياً بما يكفي لالتقاط إشارات راديوية (خارج الأرض أو داخلها Extraterrestrial or not) من مسافة تصل إلى 12 سنة ضوئية وهذا فضاء يشمل 30 نجماً تقريباً. في يوم 8 إبريل من العام 1960 شرع دريك مع عدد من زملائه في العمل على مشروع أوزما Project Ozma، بحثاً عن أدلة حياة حول نجمين معينين شبيهين بالشمس. لقد فعلوا ذلك سراً خشية سخرية الجمهور، وبعد شهرين لم يجدوا شيئاً. وعلى الرغم من ذلك، فقد نشر دريك الدراسة. وكان لها أن تتحول إلى قرار حاسم على الصعيد المهني. أولاً، ألهمت الدراسة عالم الفلك كارل ساغان Carl Sagan للتواصل معه، وثانياً، أدى عمله إلى أن تطلب إليه الأكاديمية الوطنية للعلوم National Academy of Sciences في العام 1961 تنظيم أول مؤتمر على الإطلاق لموضوع البحث عن حياة على كواكب الأخرى.
عملٌ مدى الحياة
مع قائمة علماء متميزين من مختلف التخصصات تقرر حضورهم، كان على دريك أولاً تنظيم جدول أعمال المؤتمر. وعلى السبورة في الطابق السفلي، كتب كل عوامل المعادلة التي ستحتاج إلى مناقشتها لتحديد مدى انتشار الحياة في الكون. وأدرك أنه يمكن التعبير عن كل واحد منها في صورة عدد وضربها بعضها ببعض لتقدير عدد الحضارات في الكون التي يمكن للبشرية اكتشافها. فكان لهذه الصيغة أن تصير معادلة دريك الشهيرة الآن.
من العام 1966 إلى العام 1968، عاش دريك في بورتوريكو، مديراً للتلسكوب كورنيل الراديوي telescope Cornell’s الذي يبلغ قطره 305م في آرِسيبو، وأشرف على تحويله من منشأة دفاع صاروخي إلى أداة فلكية. وبحلول سبعينات القرن العشرين، لم يكن دريك ينصت فقط بحثاً عن إشارات الفضائيين، بل كان يحاول التواصل مع الحضارات البعيدة. وقد عمل مع ساغان لإنتاج كل من لوحة مركبة بايونير Pioneer plaque والتسجيلات على الأسطوانة الذهبية على المركبة فوياجر Voyager Golden Records وهي أوصاف تصويرية للإنسانية وموقعنا في الكون. أرسلت على المسبارين بايونير Pioneer وفوياجر Voyager، فقط بأمل أن تعثر عليها كائنات حضارة فضائية خارج المجموعة الشمسية. وفي العام 1974 عمل مرة أخرى مع ساغان لتحويل هذه المعلومات ذاتها إلى إشارة راديوية يمكن لنوع ذكي آخر فك شفرتها. وبتاريخ 16 نوفمبر استخدما جهاز إرسال التلسكوب آرسيبو الراديوي القوي لإرسالها إلى العنقود الكروي M13، لتصله في مدة 25,000 سنة.
ثم شغل دريك منصب مدير مركز كارل ساغان في معهد SETI بدءاً من العام 1984 إلى العام 2010، لكنه استمر في دعم عديد من مشروعات SETI طويلة الأمد بعد تقاعده. وساعد تفانيه في جعل المشروع SETI نظاماً علمياً حقيقياً، ملهماً الأجيال من بعده مواصلةَ البحث.