في سماء الليل
كان باب سؤال وجواب في أحد الأعداد من مجلة Sky at Night. يخبرنا عضو اللجنة نيال تانفير Nial Tanvir عن خمسة أسئلة كثيراً ما تطرح عليه عن الانفجارات الكونية.
يركز بحثي بصورة أساسية على الظواهر قصيرة الأمد، التي تظهر وتختفي بسرعة كبيرة، ولا سيما تلك الانفجارات شديدة القوة التي تُعرف باسم انبعاثات أشعة غاما Gamma-ray bursts (اختصاراً: الانبعاث GRBs). ينتج بعض هذه الانبعاثات من موت نجوم ضخمة، في حين ينتج بعض آخر من اندماج نجوم نيوترونية ثنائية Binary neutron. الأسئلة الخمسة التي تطرح دائماً عن أبحاثي هي:
هل بحث علماء الفلك عن المكان الذي حدث فيه الانفجار الكبير؟
الأمر المدهش الذي نجده عندما ننظر بعيداً عبر الكون، هو أننا نرى أساساً توزعاً متشابهاً للمجرّات في كل الاتجاهات. لا يوجد مكان خاص يمكن أن يمثّل مركز الكون. في الواقع يدخل هذا في صميم نظرية الانفجار (العظيم) Big bang، والتي تبدأ بافتراض تماثل أنحاء الكون. كما أنها تفترض أيضاً لا نهائيته، مما يعني أنه لا يوجد له مركز، وأن كل نقطة منه خضعت للتجربة ذاتها بصورة أساسية. الانفجار الكبير ليس انفجاراً في المكان، بل هو انبثاق له.
ألا تبتعد بعض المجرّات بسرعة أكبر من سرعة الضوء، لتعارض بذلك نظرية النسبية؟
يعتمد ذلك على كيفية تحديد المرء للمسافة والزمن. من الصحيح أنه في ظل طرق معينة للنظر في موضوع المسافات، تبتعد المجرّات البعيدة عنا بأسرع من سرعة الضوء، وهذا يخرق حدود السرعة الكونية؛ لكن إذا اعتبرنا أن الفضاء الكائن بيننا وبين تلك المجرّة البعيدة يتمدد بسرعة أكبر من سرعة الضوء، عندها لن يكون هناك شيء يتحرك بأسرع من حد السرعة الأقصى بالنسبة إلى المادة الأخرى في جوارها.
كيف يمكننا رؤية انفجارات أشعة غاما التي حدثت قبل 13 بليون سنة؟
ألم يصل ضوؤها إلينا حتى الآن؟
هذا سؤال جيد جداً، وهو أحد تلك الجوانب في نظرية الانفجار الكبير التي تتحدى حدسنا. لقد قلنا الآن أن المسافة بيننا وبين المجرّات البعيدة تتوسع، لذا فإن الضوء الصادر منها يحاول باستمرار أن يلحق بالركب في رحلته من هناك إلى هنا. وهذا يعني أن بعض الضوء فقط يصل إلينا، لنرى بذلك الأشياء البعيدة كما حدثت في عصور الكون الباكرة.
أستاذ علم الفلك والفيزياء في جامعة ليستر
عندما ينهار نجم كبير بما يكفي، فإن ما يشكل منه الثقب الأسود Black hole أولاً هو لبه المركزي فقط. يبلغ قطر الثقب بضعة أميال فقط (مقارنة بملايين الأميال للنجم). ستؤدي الجاذبية إلى سقوط المادة فيه، لكن دوران النجم سيؤدي في البداية إلى تبديدها وسحبها في قرص حوله. في هذه العملية تتحول الطاقة الكامنة للمادة إلى حرارة وسرعة دورانية وطاقة مغناطيسية وما إلى ذلك. المثير للدهشة هو أن جزءاً لا بأس به من هذه الطاقة يذهب لتوليد نفاثات أو حزم من البلازما المتدفقة بسرعة كبيرة، وهي هذه التي تنتج انفجارات أشعة غاما. وما زال البحث جارياً لمعرفة كيفية حدوث ذلك بدقة، ولكن من المحتمل أن يكون ذلك نتيجة فتل المجال المغناطيسي للنجم مثل شريط مطاطي، ليؤدي هذا إلى قذف مادة عند حله.
هل يمكن لانفجارات أشعة غاما أن تؤثر فينا هنا على الأرض؟
إن انبعاثات أشعة غاما هي قوية جداً إلى درجة أنها يمكن أن تشكل تهديداً للحياة على الأرض إذا حدثت في مجرّة درب التبانة. ولحسن الحظ فهي نادرة جداً، بل إنها أكثر ندرة في مجرّات مثل مجرتنا. ومن الناحية العملية، فهي لا تمثل خطراً كبيراً، ولكن ما زال من المهم أن نحسِّن فهمنا لها، لتحديد الأنظمة القريبة التي يحتمل أن تشكل تهديداً لنا.
عودة بالذاكرة: سماء الليل
10 نوفمبر 1986
في حلقة شهر نوفمبر 1986 من برنامج سماء الليل The Sky at Night، ألقى باتريك موور Patrick Moore نظرة على أحد أغرب النجوم على الإطلاق: النجم SS 433، الذي يبعد مسافة 18,000 سنة ضوئية، ويوجد في كوكبة الدجاجة Cygnus.
برز (هذا النجم) أول مرة في العام 1978، عندما وجد علماء الفلك في المرصد الأنغلو أسترالي Anglo-Australian Observatory نجماً يظهر زوجاً من خطوط الانبعاث، أحدهما منحرف نحو اللون الأزرق، مما يعني أن مصدره كان مقبلاً نحونا، والخط الآخر كان منحرفاً إلى اللون الأحمر في أثناء تحركه مبتعداً عنا، ليؤدي ذلك إلى إطلاق اسم ”النجم الذي يأتي ويذهب“ عليه.
وكلما زاد عدد الفلكيين الذين رصدوا النجم، صار أكثر غرابة. إذ سرعان ما اكتشفوا أن الخطوط تتحرك ذهاباً وإياباً في الطول الموجي، وتتقاطع بعضها مع بعض، وتعود مرة أخرى في دورة مدتها 160 يوماً. وسرعان ما اكتشف خط ثالث ثابت، يظهر أن الخطوط صادرة من غاز الهيدروجين، لكنها كانت تتصرف بغرابة شديدة.
لقد اتضح أن النجم كان يدور مثل لعبة البلبل Top، مع إطلاقه نفاثتين ضخمتين من الغاز بسرعة بلغت ربع سرعة الضوء. عندما تتجه إحداهما إلى الأرض، تبدو أكثر زرقة؛ وعندما تنحرف بعيداً، تصير أكثر حمرة. تعني السرعات النسبية أن الضوء كان يعاني أيضاً تأثيرات تمدُّد الوقت Time-dilation، مما يجعله يبدو أكثر غرابة. عادة ما تُرى هذه التأثيرات فقط حول الثقوب السوداء، وهو ما أدى إلى اكتشاف أن النجم SS 433 هو في الواقع نظام ثنائي Binary system، انهار فيه نجمه الأكبر في الثقب الأسود نجمي الكتلة. ومع التهامه قرينَه في المدار، فإنه يقذف النفاثات العملاقة.