في سماء الليل
تُخبرنا أوليفيا جونز Olivia Jones، بعد ظهورها في حلقة هذا الشهر من برنامج سماء الليل The Sky at Night مباشرة، كيف استخدمت التلسكوب جيمس ويب الفضائي لإنهاء عملية بحث تواصلت لمدة 40 سنة للعثور على نواة سوبرنوفا
إنه أمر دائم الإثارة أن تكون جزءاً من فريق يكتشف شيئاً جديداً، وخاصة إذا قدمت إجابات عن لغز كوني استمر نحو 40 سنة.
خلفيتي العلمية هي الاختصاص بعلم فلك الأشعة تحت الحمراء، ومراقبة أجرام رائعة بها عبْر أنحاء الكون. لقد خططت لبعض الأرصاد الأولى للتلسكوب جيمس ويب الفضائي (اختصاراً: التلسكوب JWST) قبل الانتقال إلى إدنبرة للعمل مع الخبراء في مركز تكنولوجيا علوم الفلك في المملكة المتحدة، الذين كانوا مسؤولين عن بناء أداة الأشعة تحت الحمراء المتوسطة (MIRI) على متن التلسكوب JWST.
ومنذ إطلاق التلسكوب JWST وأنا أشعر بإثارة رائعة. إحدى عمليات الرصد التي خططتُ لها كانت للجِرم SN 1987A، وهو بقايا انفجار سوبرنوفا حدث في مجرّة قريبة شوهد في العام 1987. ومع أنه كان يبعد عنا مسافة 168 ألف سنة ضوئية، إلا أن انفجاره كان مرئياً بالعين البشرية. وقد حدث آخر سوبرنوفا بمثل هذا السطوع منذ 400 عام، قبل اختراع التلسكوبات!
وبسبب قربه، فقد درستْ كلُّ المراصد الكبرى السوبرنوفا SN 1987A، وقدمت على مر السنين كميات هائلة من البيانات عن كيفية انفجار النجوم وموتها.
وبطبيعة الحال، كان هذا أحدَ الأشياء الأولى التي أردنا رصدها بالتلسكوب JWST، وذلك بسبب بقاء لغز مهم فيه: ماذا يوجد في قلب السوبرنوفا SN 1987A؟
تحدد كتلة النجم عند تشكُّله مصيرَه في نهاية حياته: إذ يُتوقَّع في مثال نجم منخفض الكتلة مثل شمسنا أن يخسر كتلته ببطء، ليكشف نواته وينتج سديماً كوكبياً Planetary nebula. وفي الوقت ذاته يُتوقَّع لنجم أكبر من شمسنا بمقدار 8 كتل شمسية أن ينفجر بصورة سوبرنوفا، لينتج ثقباً أسود Black hole أو نجماً نيوترونياً Neutron star.
وبالنظر إلى حجم السوبرنوفا SN 1987A، فقد توقَّع علماء الفلك أن يعثروا على نجم نيوتروني في مركزه. لقد بحثنا ونظرنا، وبعد مرور ما يقرب من 40 سنة على حدوثه، لم يُرَ أي نجم نيوتروني هناك. وكلما طال أمد هذا الأمر، أخذنا نعتقد أن نظرياتنا عن موت النجوم ربما كانت ناقصة. فهل كانت علومنا الفيزيائية خاطئة بصورة ما؟
إن اكتشاف نجم نيوتروني مباشرة في مجرّة أخرى يشبه العثورَ على إبرة كونية في كومة قش مجريّة. إنه صغير جداً، بقطر يبلغ 10 كم تقريباً، ولكنه كثيف إلى درجة تفوق التصور – مقدار ملعقة صغيرة من مادته أثقل من جبل إيفرست.
في العادة، لن تبحث عن نجم نيوتروني في حقل الأشعة تحت الحمراء، وذلك لأنه حار بدرجة هائلة. يُكتشَف معظمها بالأشعة السينية أو فوق البنفسجية أو أشعة الضوء البصري، مع أنه يمكن العثور على البُلسارات (النجوم النبّاضة) Pulsars عند الأطوال الموجية الراديوية. لكن في هذه الحالة، كانت الأشعة تحت الحمراء هي ما نحتاج إليه تماماً. كان هناك غلاف سميك جداً من الغبار يحيط به، بحيث لا يستطيع الضوء البصري أو فوق البنفسجي الإفلات من مركز السوبرنوفا SN 1987A، ولن تستطيع النظر عبر الغبار إلا باستخدام الأشعة تحت الحمراء.
لا نستطيع رؤية الجِرم الموجود في مركز السوبرنوفا SN 1987A مباشرة، ولكن ما يمكننا رؤيته هو التأثير الذي يُحدِثه على المادة المحيطة به. ومع تلسكوب JWST تمكنّا من رصد بعض الخطوط الطيفية التي لا يمكن أن تَنتُج إلّا إذا ضُخ كثير من الطاقة إلى الغاز المحيط. والطريقة الوحيدة لإنتاج هذه الكمية من الطاقة هي النجم النيوتروني.
زميلة في أبحاث التلسكوب JWST في مجلس مرافق
العلوم والتكنولوجيا في مركز تكنولوجيا علوم الفلك في
المملكة المتحدة، في إدنبرة
وقد كانت حقيقة أن يعمل تصميمُ تجربتنا بنحو مثالي أمراً رائعاً جداً. لقد عثرنا أخيراً على الكأس المقدسة للسوبرنوفا SN 1987A، النجم النيوتروني في المركز. وهذا أمر جميل جداً. إنه يؤكد مرة أخرى حقيقة أننا كنا على حق، وأننا نعرف كيف تعمل الفيزياء.
عودة بالذاكرة: سماء الليل
3 يوليو 1983
ألقت حلقة برنامج سماء الليل The Sky at Night بتاريخ 3 يوليو 1983 نظرة على مركبة بايونير 10 (Pioneer 10). وقبل ذلك بعدة أسابيع فقط، أصبحت هذه المركبة أولَ مركبة تعبر مدار كوكب نبتون لتبدأ رحلتها الطويلة خارج مجموعتنا الشمسية.
أُطلقت بايونير 10 في العام 1972، وكان مقرراً لها أن تكون أول مركبة فضائية تُحلق عبْر حزام الكويكبات Asteroid belt، وتتجاوز كوكب المشتري، لتعبر قُربَ هذا العملاق الغازي في يوم 3 ديسمبر 1973، على مسافة 132,252 كم منه. لكن المهمة لم تنتهِ بعد هذا التحليق، فقد كانت المركبة تُحلق بسرعة كافية لخروجها من المجموعة الشمسية. استمرت الوكالة ناسا في تلقي البيانات منها، بأمل معرفة مزيد عن الحدود الغامضة للمجموعة الشمسية، وخاصة منطقة الغلاف الشمسي Heliosphere، حيث تظل قوى المجال المغناطيسي لشمسنا والرياح الشمسية Solar wind هي المسيطرة.
في ذلك الوقت كان يُعتقَد أن هذه المنطقة يُمكن أن تنتهي مباشرةً خارج مدار المشتري. ولكن مع تحليق المركبة أبعد وأبعد في الفضاء العميق، لم تجد أي علامة على حافة الغلاف الشمسي Heliosphere’s edge. واتضح أنها لن تجدها مطلقاً.
لم يكن لدى بايونير 10 مصدرُ طاقة قوي، وسرعان ما ضعفت إشارتها جداً، إلى درجة لم يعد يمكنها مواصلة إرسال بياناتها العلمية إلى الأرض.
انتهت المهمة رسمياً في العام 1997، مع أن الوكالة ناسا كانت لا تزال تتابع إشارتها الضعيفة. وكان فريقها العلمي لا يزال يتواصل معها في العام 1998 كأبعد جسم صنعه الإنسان، عندما تجاوزتها مركبة فوياجر 1 (Voyager 1). وفي النهاية، في العام 2003، عندما كانت بايونير 10 على مسافة تعادل 80 ضعف المسافة بين الأرض والشمس، فقدت الوكالة ناسا أخيراً الاتصال بها، وتركتها تواصل رحلتها في صمتٍ خارج المجموعة الشمسية.