أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أبواب ثابتةفي سماء الليل

في حلقة شهر يونيو من برنامج سماء الليل The Sky at Night، ألقى الفلكي الملكي مارتن ريس Martin Rees نظرة على التقدم والابتكارات الفلكية التي تحققت في الخمسين عاماً الماضية

برنامج سماء الليل التلفزيوني، في الماضي والحاضر والمستقبل

يعرف كل قارئ لمجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine أن علم الفلك يتطور باطراد- وقد كان كذلك على مدار الخمسين عاماً الماضية. كشفت تقنيات الرصد متزايدة القدرة، في الفضاء وعلى الأرض، عن سلسلة من المفاجآت. ولكوني كبيراً في السن (ومحظوظاً) بما يكفي للحصول على مقعد رصد بجانب الحلبة طوال هذه الفترة الزمنية بكاملها، فقد كنت سعيداً بالمساهمة ببعض الأفكار في حلقة شهر يونيو من برنامج سماء الليل The Sky at Night، والتي بحثت في أرشيفها للعثور على لقطات لبعض الأدوات الفلكية والعلماء الذين قادوا عدداً من هذه الاكتشافات الرئيسة.

في العام 1964 أدى اكتشاف إشعاع الخلفية الميكروية الكونية- التوهج التالي لحادثة الانفجار الكبير Big bang- إلى تسوية الجدل بين “نظرية الحالة المستقرة” Steady state theory وتفسيرات ”الانفجار الكبير“ لكيفية نشوء كوننا. يمكننا الآن أن نتحدث بثقة عما كان عليه كوننا مباشرة بعد نانو ثانية واحدة فقط بعد ”البداية“، والتكهن بما هو أقدم من ذلك. ترجع نظرية الجاذبية لآينشتاين- النسبية العامة General relativity- إلى العام 1915، لكنها عادت للظهور في ستينات القرن العشرين، مدفوعة بالتطورات في الكوزمولوجيا (علم الكونيات). وربما كان الأهم من ذلك هو اكتشاف الظواهر- مثل النجوم النابضة (البلسارات Pulsars) والثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية الثنائية Binary stellar-mass black holes- والتي لم تكن نظرية أينشتاين بالنسبة إليها مجرد تصحيح صغير على نيوتن، لكنها كانت ضرورية لفهمها.

تراكمت مجموعة كاملة من الأرصاد في سبعينات القرن العشرين، والتي أشارت إلى أن المجرّات لم تكن تتكون أساساً من الغاز والنجوم، ولكنها احتوت على مكون رئيس ثالث: المادة المعتمة Dark matter، التي توفر مادة بجاذبية أكبر بخمس مرات مما لذرات المادة العادية.

ونظراً إلى أنه لا يمكننا إجراء تجارب فعلية على النجوم والمجرّات، فقد دعم وصول الحواسيب الفائقة الفيزياء الفلكية دعماً مضاعفاً. وصار ممكناً الآن بناء عوالم افتراضية، ومعرفة ما يحدث عندما تتشكل المجرّات أو تتصادم النجوم.

علماء الفلك في كل مكان

أصبح علماء الفلك أيضاً مجتمعاً عالمياً، وصار التعاون الأوروبي أقوى في العقود الأخيرة. أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية بعثات فضائية- غايا Gaia وبلانك Planck، على سبيل المثال- بمشاركة قوية من المملكة المتحدة. وفضلاً عن ذلك، جرى تعزيز علم الفلك البصري في المملكة المتحدة بعد القرار بالانضمام إلى المرصد الأوروبي الجنوبي ESO، والوصول إلى مراصد مثل التلسكوب الكبير جداً VLT- الذي هو، وفقاً لمعظم المعايير، التلسكوب البصري الأول في العالم.

بصورة أعمَّ كان من دواعي السرور رؤية توسع مجتمع علم الفلك والفضاء في المملكة المتحدة، بعد أن حوَّل عدد متزايد من الجامعات أقسام الفيزياء فيها إلى أقسام ”الفيزياء وعلم الفلك“. واستحثت القدرات الأكبر لتلسكوبات الهواة انتشار الاهتمام بعلم الفلك، وكذلك بفضل مشروعات علوم المواطن Citizen science على الإنترنت، مثل مشروع Zooniverse.

وتيرة الاكتشاف لا تتباطأ بالتأكيد. هناك مجالان بحثيان مختلفان جداً يتقدمان بسرعة: الأول موجات الجاذبية Gravitational waves. اكتشف مرصدا LIGO وVIRGO التموجات في الفضاء الناتجة من تصادم الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية على بعد بليون سنة ضوئية- وهو تحدٍّ تقني يعادل قياس تغيُّر بمقدار قطر شعرة على مسافة بعد النجم آلفا قنطورس Alpha Centauri. والمجال الآخر هو اكتشافات الكواكب النجمية Exoplanets: إدراك أن معظم النجوم تدور حولها حاشية من الكواكب؛ الملايين منها ”صالحة للحياة“ Habitable- ربما سنعرف في الخمسين عاماً المقبلة ما إذا كانت مسكونة فعلاً. 

ومهما يكن الأمر، فعندما يكتب تاريخ العلم عبر الخمسين عاماً الماضية، فسيقدم علم الفلك واستكشاف الفضاء بالتأكيد كثيراً من فصوله الأكثر إثارة. فقد تمت تسوية كثير من المسائل التي حيَّرت علماء الفلك في ستينات القرن العشرين؛ ونحن الآن نعالج أسئلة لم يكن ممكناً طرحها في ذلك الوقت. ولذا فالعقود المقبلة تَعدُنا بأن تكون مثيرة مثلما كانت العقود القليلة الماضية. ولكن، وكما حدث في الماضي، فإن التقدم سيكون مديناً في الأساس للتكنولوجيا الأفضل، وليس لعلماء نظريين مثلي. 

مارتن ريس Martin Rees: هو الفلكي الملكي Astronomer Royal، وقد شغل منصب رئيس الجمعية الملكية
بين 2005 و2010


عودة بالذاكرة: سماء الليل
10 يوليو 1974

سيتحول قلب العقرب في يوم من الأيام إلى سوبرنوفا، لكننا قد لا نكون هنا لنرى ذلك

في حلقة 10 يوليو 1974، من برنامج سماء الليل The Sky at Night، التقط باتريك موور صورة للنجم العملاق الأحمر قلب العقرب Antares. يُعرف قلب العقرب أيضاً باسم آلفا العقرب Alpha Scorpii، وهو أسطع نجم في كوكبة العقرب، وغالباً ما يشار إليه باسم قلب العقرب The Heart of the Scorpion. في نصف الكرة الشمالي، يمكن رؤيته كجوهرة حمراء متلألئة في سماء الصيف المسائية جنباً إلى جنب مع قرينه الأعتم بكثير، قلب العقرب بي Antares B. وفيما يحظى قلب العقرب بسطوع بصري يتباين بين سطوع +0.6 و+mag. 1.6، فإن سطوع قرينه B بسطوع +mag. 5.5 فقط، وهو ما يعني أنه يقع في حدود قدرة رؤية العين المجردة، لكن ضوء العملاق القريب منه يطغى عليه. يبدو النجم بلون أحمر لأنه في مراحل عمره الأخيرة، مع بدء نضوب الوقود الهيدروجيني في نواته. ينتج عن هذا تفاعل متسلسل يؤدي إلى تضخمه أكثر من حجمه الأصلي بعدة مراتـــ نصف قطره أكثر من ثلاثة أمثال المسافة بين الأرض والشمس. يسبب هذا التمدد تبريد الطبقات الخارجية إلى 3,500°س تقريباً، أي أبرد بنحو 2,000°س من الشمس، مما يعني أنه يبدو أحمر اللون، ويشع بقوة في مجال الأشعة تحت الحمراء. مع تقدم النجم إلى المراحل الأخيرة من حياته، سينتهي في يوم ما بصورة سوبرنوفا. ومن غير المؤكد تماماً متى يحدث هذا، لكنه سيكون في الـ 10,000 سنة المقبلة- وهو وقت قريب بلغة علم الفلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى