أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مجال الرؤية

بنسات من السماء

جوناثان باول يجمع العملات المعدنية التي حملت ذكرى أحداث سماوية كبيرة في التاريخ

لم يدُرْ مطلقاً بخلَد أولئك الذين ضربوا العملات المعدنية الأولى أنه سيأتي يوم على قِطعهم المستديرة المصنوعة من نحاس وزَنْك ومعادن ثمينة، فتُشترَى وتباع بين هواة جمع العملات من دون أن يستخدموها مطلقاً للغرض الأصلي الذي صنعوها له.

جاءت فكرة سك العملة واستخدامِها بعد إدراك أن حفنة من الفاصوليا لم تؤد دوماً إلى صفقة تبادل جيدة. فوسائل الدفع التي كانت مقبولة ذات حين لم تعُد مناسبة للمجتمعات التي غدت أكثر تعقيداً، وللشبكات التجارية التي كانت أقل شهرة أو محلية. شهدت هذه الضرورات إدخالَ وسيلة موحدة للنقود بصورة عملات معدنية.

ويدور جدل عمَّن كان مسؤولاً عن سك العملات المعدنية الأولى وتداولها. فمن ناحية، ربما حدث ذلك في عهد كروسوس Croesus، ملك ليديا (في تركيا الحديثة)، في زمن بين العامين 585 و546 قبل الميلاد. ومن ناحية أخرى، نرى كتابات أرسطو تخالف هذا، فتزعم أن أول عملة صدرت عن ديمودايك في كيرمي Demodike of Kyrme، وهي زوجة الملك ميداس Medas من فريجيا Phrygia (أيضاً في تركيا الحديثة). وهناك مؤرخون يشيرون إلى إنتاج العملات المعدنية في عهد الملك فيدون Pheidon ملك آرغوس Argos (في اليونان الحديثة) في القرن السابع قبل الميلاد، وهناك ادعاءات صينية ينبغي أخذها بعين الاعتبار أيضاً. وقد لا نعرف مطلقاً الحقيقة على وجه اليقين.

تتراوح الصور الفلكية الموجودة على عملات معدنية من أشكال بسيطة للقمر والنجوم إلى حوادث الكسوف والمذنّبات ويرغب الهواة أكثر في هذين النوعين الأخيرين بسبب ندرتهما في سمائنا. أحد أقدم تصاوير كسوف الشمس على عملة معدنية يعود تاريخها إلى أيام مدينة إستروس Istros اليونانية القديمة (في رومانيا الحالية)، ولها جاذبية إضافية تتمثل في تصوير كسوفين شمسيين، وليس واحداً فقط، في العامين 434 قبل الميلاد و431 قبل الميلاد على التوالي وهذه تفاصيل من المؤكد أنها ستُشعل عيون أي شخص متخصص في جمع العملات.

أحد الأمثلة المبكرة التي تشير إلى مرور المذنّب هي العملة المعدنية التي تحمل رأس الملك الأرمني تيغرانس الثاني العظيم Tigranes II the Great. تُظهر هذه العملة نجماً بذيل مُنحنٍ، يُعتقد أنه يمثل زيارة المذنّب هالي في العام 87 قبل الميلاد في عهد الملك.

جوناثان باول Jonathan Powell:
كاتب ومذيع مستقل. مراسل سابق لإذاعة BBC Radio في ويلز، وهو حالياً كاتب عمود في علوم الفلك في صحيفة ساوث ويلز آرغوس South Wales Argus
تغطي العملات المعدنية الرومانية (كما تتوقع) مجالاً واسعاً من الرموز الفلكية، بما في ذلك مجموعات النجوم مثل الثريّا وانفجارات السوبرنوفا. سُكَّت إحدى هذه العملات، التي تُقدم تصويراً غير عادي في العام 144 145 ميلادية تقريباً، في مدينة الإسكندرية في مصر، في عهد الإمبراطور الروماني أنطونيوس بيوس Antonius Pius. اكتُشِفت هذه العملة في حطام سفينة أمام ساحل مدينة حيفا، ويُعتقد أنها تصور اقتران القمر المتزايد وكوكب المشتري.

يوفر سك العملات المعدنية الحديثة مجال جذب واسعاً ومتخصصاً، مع تضمين إضافي لافت للنظر لقطع العملات التي تظهر صوراً للقمر ولحجارة نيزكية، وتحتوي على عينات صخرية صغيرة دُمجت في معدنها. ومنذ زمن مهمات أبولو إلى إنجازات شركة سبيس إكس SpaceX، ومن كوبرنيكوس إلى آينشتاين، اتسع مجال التصاوير على العملات المعدنية، وبفضل العملات المعدنية ثلاثية الأبعاد، فقد صارت الآن ملونة أيضاً.

عندما تعود البشرية لتطأ سطح القمر ثانية، ثم المريخ لاحقاً، ستكون هذه مناسبات تاريخية، ولكنها بلا شك ستخلو من التعامل النقدي، لأن قطع النقود ستظل هنا على الأرض. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى