أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أحدث التطورات

الحياة في السحب الحمضية على الزُّهرة

ربما توجد جزيئات عضوية معقدة في الغلاف الجوي الجحيمي على كوكب الزُّهرة

لقد تكهن العلماء منذ فترة طويلة بشأن ما إذا كان ممكناً لكوكب الزُّهرة إيواء حياة. يخلق جوه السميك المكون من ثاني أكسيد الكربون تأثيراً قوياً من مفعول الاحتباس الحراري Greenhouse، وسطحه لذلك شديد الحرارة (أكثر من 450°س). في الواقع غالباً ما يوصف الزهرة بأنه ”التوأم الشيطاني للأرض“ Earth’s evil twin. ومع أنه يبدو واضحاً أن سطحه لا يمنح أي فرصة لوجود ماء سائل أو جزيئات عضوية وهي المتطلبات الأساسية للحياة إلّا أن الجزء المرتفع من غلافه الجوي يمكن أن يوفر بيئة صالحة للحياة. تحيط بكوكب الزهرة طبقات كثيفة من السحب؛ وعلى ارتفاع يتراوح بين 48 كم و60 كم، يُماثل الضغط الجوي والحرارة عند سطح الأرض. كما يتوافر هناك مقدار كافٍ من ضوء الشمس ليخدم كمصدر طاقة للحياة أيضاً.

لكن المشكلة هي أن القطرات الصغيرة من مادة سحبه تتكون من حمض الكبريتيك المركز. ولذا فهي ما زالت بيئة معادية للحياة بنحو استثنائي، مع عدم وجود مياه تقريباً، كما أنها أكثر حمضية من تلك التي يمكن للكائنات الحية على الأرض أن تعيش فيها. ولكن هل يمكن لسحب الزهرة أن تدعم الكائنات الحية الدقيقة باستخدام كيمياء حيوية غريبة تعتمد على جزيئات عضوية مذابة، وليس في ماء سائل بل في حمض الكبريتيك المركز كمادة مذيبة؟

كان الافتراض هو أن الكيمياء العضوية البسيطة فقط ذات القدرة الوظيفية المحدودة لدعم الجزيئات المعقدة والتفاعلات الكيميائية للحياة يُمكن أن تكون مستقرة Stable في حمض الكبريتيك المركز. غير أن الفريق الذي تقوده الباحثة سارة سيغر Sara Seager في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT كان يواجه هذا من خلال اختبار الافتراض بالتجربة. الباحثة سيغر هي عالمة فلك نشطة جداً، وقد أنجزت كثيراً من العمل على الكواكب النجمية وأغلفتها الجوية. وفي السنوات الأخيرة كانت تستكشف إمكانية الحياة على الزهرة، بما في ذلك المشاركة في دراسة العام 2020 التي قدمت الادعاء المثير للجدل باكتشاف غاز الفوسفين Phosphine في طبقات سحب كوكب الزهرة.

في العام الماضي أظهرت سيغر وزملاؤها أن الوحدات الأساسية للحمضين النوويين DNA وRNA، أي قواعد الحمض النووي، هي في الواقع مستقرة مدة أسابيع على الأقل في بيئة حمض الكبريتيك المركزة في سحب كوكب الزهرة. والآن نشرت مع ابنها، كونه المؤلف الأول، دراسة حول ما إذا كانت الأحماض الأمينية، التي تصنع بروتينات الحياة، هي مستقرة أيضاً.

”اشترَوا 20 حمضاً أمينياً، وأذابوها في حمض الكبريتيك المركز وتركوها في درجة حرارة الغرفة عدة أسابيع“

اختبار الحمض
أجرى ماكس سيغر Max Seager، من معهد ورسستر للتقنيات المتعددة Worcester Polytechnic Institute في ماساتشوستس، وزملاؤه تجربة بسيطة جداً. فقد اشتروا مستحضرات قياسية مكونة من 20 حمضاً أمينياً مختلفاً تستخدمها الحياة الأرضية من مُورِّد كواشف كيميائية، وأذابوها في حمض الكبريتيك المركز وتركوها في درجة حرارة الغرفة عدة أسابيع. ثم أعادوا تحليل الأحماض الأمينية بعد 12 ساعة، وأسبوع، وشهر، لمعرفة أيها بقي مستقراً، أو تعرض لتعديل كيميائي. وقد وجدوا أنه حتى بعد مرور شهر، ظل 19 من أصل 20 من دون تفاعل أو أنها تعدلت كيميائياً فقط في سلسلتها الجانبية (كما يمكن أن يحدث أيضاً في الماء) وتظل السلسلة الأساسية Backbone لجزيء الحمض الأميني سليماً.

البروفيسور ليويس دارتنل
عالم أحياء فلكية في جامعة ويستمينستر
وكما يشير المؤلفون، فإن ”الكيمياء العضوية المعقدة هي ليست حياة بالطبع، ولكن لا توجد حياة من دونها“. توضح هذه التجارب احتمالات وجود الكيمياء الحيوية المعتمدة على مذيب حمض الكبريتيك المركز. وربما لا يزال هناك أمل في وجود حياة جوية على كوكب الزهرة. 

* ليويس دارتنل Prof Lweis Dartnell: كان يقرأ… Stability of 20 Biogenic Amino Acids in Concentrated Sulfuric Acid: Implications for the Habitability of Venus’ Clouds by Maxwell D Seager, Sara Seager et al.
– اقرأها على الرابط: arxiv.org/abs/2401.01441.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى