في عدد مايو 2022 من سماء الليل The Sky at Night، استعرضت جورج درينسفيلد George Dransfield مغامرتها الفلكية في القطب الجنوبي. وتخبرنا كيف سارت أبحاثها منذ ذلك الحين
في المرة الأخيرة التي كتبت فيها لـ باب ”في سماء الليل Inside the Sky at Night“، في عدد شهر مايو 2022، تحدثت عن مهمتي الأخيرة في ذلك الوقت إلى القارة القطبية الجنوبية. حينها سافرت إلى محطة كونكورديا Concordia Station كطالبة دكتوراه لتثبيت بعض البرمجيات على مرصد ASTEP (محطة أبحاث القطب الجنوبي عن الكواكب النجمية العابرة Antarctic Search for Transiting ExoPlanets)، وهو تلسكوب قطره 40 سم فوق هضبة القطب الجنوبي. وقد مضى 20 شهراً جيداً منذ عودتي إلى موطني. فكيف استطاع المرصد ASTEP أن يغير العالم منذ ذلك الحين؟
في الأشهر التي تلَت عودتي إلى العمل في ظروف الحرارة العادية بما في ذلك حصولي على درجة الدكتوراه حظيت بشرف قيادة أول بحث للتلسكوب ASTEP. ودرسنا النظام الذي اكتشفناه كجزء من برنامج متابعة أرصاد التلسكوب TESS، وهو عبارة عن نظام ثلاثي الكواكب مثير جداً، ويحمل الاسم غير المثير بالمرة HD 28109. تراوح حجم الكواكب الثلاثة من ضعفين إلى أربعة أضعاف حجم كوكب الأرض، وجميعها يدور ببطء إلى حد ما حول النجم المضيِّف. هذا هو بالضبط نوع النظام الكوكبي المصمَّم خصيصاً للتلسكوب ASTEP. يوفر موقع التلسكوب الفريد في القطب الجنوبي مزيجاً من الليالي الطويلة جداً والهواء الجاف والضغط الجوي المنخفض، ليجعله هذا موقعاً مثالياً لاكتشاف حوادث العبور النادرة لهذه الكواكب. من المثير دائماً اكتشاف الأنظمة متعددة الكواكب التي تدور حول نجوم شبيهة بالشمس، مثل النظام HD 28109، لأنها تساعدنا على الاقتراب أكثر من العثور على شيء يشبه مجموعتنا الشمسية. وإضافةً إلى قيادة اكتشافاتنا الخاصة، فقد ساهمنا ببيانات في اكتشاف العشرات من الكواكب الجديدة بقيادة مجموعات علمية أخرى. لدينا أيضاً بعض الاكتشافات الجديدة والمثيرة جداً في قيد العمل (بما في ذلك بعض الاكتشافات الأولى في العالم) والتي من المقرر صدورُها في العام 2024 ترقّبوا هذه الأخبار!
وكما ذكرتُ في مقالي السابق، نحتاج إلى برنامج تحليل بيانات تلقائي للتلسكوب ASTEP، لأن خدمة الاتصال بالإنترنت في القطب الجنوبي بطيئة بدرجة لا يمكن تحمُّلها. وبدلاً من ذلك، توفر مهمات الخدمة الصيفية السنوية فرصة لجلب البيانات الأولية للموسم السابق إلى الوطن. لقد حصلتُ على واحدة من مجموعتين من محركات الأقراص الصلبة التي تحتوي على عدة تيرابايتات من الصور التي التُقطت في المواسم الثلاثة السابقة، وكلفت بإعادتها إلى المملكة المتحدة. إنها مسؤولية كبيرة جداً! ولحسن الحظ، وصلت البيانات إلى الوطن سالمة.
وبصرف النظر عن مهمتنا الرئيسة المتمثلة في البحث عن كواكب جديدة خارج المجموعة الشمسية، يمكن فعل كثير باستخدام صورنا حيث نلاحظ جزءاً من السماء لا يمكن الوصول إليه إلى حد كبير باستخدام التلسكوبات الأرضية الأخرى. بعض المتعاونين معنا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT لديهم مشروع مستمر، حيث يبحثون في تسلسل الصور عن الأجرام المتحركة، مثل الكويكبات، ونحن سعداء بمشاركة بياناتنا معهم لهذا الغرض. تضمن تسليم البيانات لعبة تسليم الطرد Pass the Parcel لأربعة أشخاص في ثلاث دول لتجنب مخاطرة إرسال محركات الأقراص الثابتة! وعلى الرغم من عدم عثورهم على أجرام جديدة، فقد جرى الآن تأسيس الطريقة، وسيتوسع البحث ليشمل فهرس بياناتنا السابق والكامل.
باحثة تعمل في دراسات وأبحاث ما بعد درجة الدكتوراه، وصيّادة كواكب نجمية في جامعة برمنغهام
ربما لم يغير التلسكوب ASTEP العالم بالضرورة بعد، لكن رحلتي إلى القارة القطبية الجنوبية قد غيرت حياتي بالتأكيد!
عودة بالذاكرة: سماء الليل
27 يناير 1997
في حلقة يوم 27 يناير 1997 من برنامج سماء الليل The Sky at Night، ألقى باتريك مور Patrick Moore نظرهُ على كوكبة الرامي Sagittarius، حيث يقع مركز مجرّة درب التبانة على بُعد 25,000 سنة ضوئية. لكن سحب الغبار الكثيفة التي تحجب تلك المنطقة، كانت تعني أن علماء الفلك احتاجوا إلى سنوات كثيرة ليتمكنوا من النظر في قلب مجرتنا.
في العام 1755، كشفت قياسات إيمانويل كانت Immanuel Kant لحركات النجوم أن مجرّتنا هي قرص دوار عملاق من النجوم، مع أنه اعتقد خطأً أنها تتمحور حول نجم كبير مثل الشعرى اليمانية Sirius. ولم تتضح الصورة أكثر قبل العام 1918، عندما أظهر هارلو شيبلي Harlow Shapley أن العناقيد الكروية لمجرّة درب التبانة كانت تتمركز حول شيء خفي في سحب الغبار في كوكبة الرامي. وفقط في العام 1933 تمكن كارل يانسكي Karl Jansky من حل هذه المشكلة باستخدام تقنية علم الفلك الراديوي Radio astronomy الجديدة. أمكن تحديد المصدر الراديوي في النهاية ضمن منطقة قطرها 25 سنة ضوئية تسمى الرامي إيه Sagittarius A. وفي العام 1958، اعتمد الاتحاد الفلكي الدولي هذه النقطة رسمياً كمركز لمجرّتنا.
وفي الوقت ذاته افترض علماء الكون أن الانبعاثات الراديوية من منطقة الرامي إيه قد نتجت عن غاز شديد الحرارة محتجَز في مدار حول الثقب الأسود الفائق في مجرّتنا. وفي نهاية المطاف ثبت ذلك في العام 2022، وبما لا يدع مجالاً للشك، عندما التقطت أول صورة على الإطلاق لظل الثقب الأسود، وهي الصورة التي التقطتها شبكة أفق الحدث Event Horizon المكونة من تسعة تلسكوبات موزعة عبر أنحاء العالم، واخترقت أخيراً الستارة التي تحجب مركز المجرّة عن الأنظار، لتنظر أخيراً في قلب مجرّة درب التبانة.