رصد النجوم في العام الجديد 2024

دائماً ما يولِّد مطلع عام فلكي جديد إثارة كبيرة لما ستحمله الأشهر المقبلة. نلقي هنا نظرة على مباهج سماء الليل التي يقدمها العام 2024، ونختار أفضل الأحداث لنتطلع إليها وننتظرها. إذا كانت هناك أي رسالة شاملة، فهي أن العام 2024 يحظى بفرصة أن يكون عاماً سيذكره هواة الفلك!

الـشـتـاء مـســرح الـســمـاء

يهيمن عالم المجموعة الشمسية على مشاهد العام 2024، ولكن ليس بصورة واضحة دائماً. في بَدء العام، يسيطر الكوكبان المشتري وأورانوس على مشهد المكان في وقت مبكر من المساء، ويضيع باقي الكواكب في وهج الشمس. يبدأ الكوكبان في خسارة ارتفاعهما مع حلول الظلام في أثناء فبراير، ويصلان إلى ارتفاع منخفض جداً في نهاية مارس. بعد ذلك، ستبتعد الكواكب الرئيسة عن قائمة الرؤية عدة أشهر.

يستعيد المشهد توازنه بنحو غير عادي مع ظهور عدد من المذنَّبات الساطعة والمثيرة. عادةً ما يعني وصف ”مذنَّب ساطع“ جرماً تُمكن رؤيته بمنظار مزدوج أو تلسكوب صغير. يوجد حالياً أيضاً مذنّبان يُحتمل رؤيتهما بالعين المجردة في العام 2024، أحدهما خافت، والآخر ربما لن يكون خافتاً مثله!

تهيمن كوكبة الجبّار على مشهد سماء ليل الشتاء، حيث تشير نجوم حزام الكوكبة المتجهة أسفل (باتجاه الجنوب الشرقي) نحو أسطع نجوم الليل: الشعرى اليمانية Sirius، ”نجم الكلب Dog Star“. للشعرى قرين قَزم أبيض يسمى ”الجرو Pup“. يرتبط النجمان بمدار مشترك بينهما مدته 50 عاماً، وتقترب المسافة الفاصلة الواضحة بين الشعرى اليمانية (الكلب) وجروه حالياً من حدها الأقصى، وهذا يعني أن العام 2024 هو عام ممتاز لمحاولة رؤيتهما. تبلغ أكبر مسافة فاصلة بينهما مقدار 11 ثانية قوسية، ويتمثل التحدي في وهج الشعرى الذي يطغى على نجم الجرو ذي السطوع +mag. 8.4.

سيقع الاعتدال الربيعي لنصف الكرة الشمالي في 20 مارس، عندما تعبر الشمس خط الاستواء السماوي متجهة شمالاً. وهذا هو الوقت الذي يتقلص فيه طول الليالي بأسرع معدل له.

مذنَّبات… كبيرة وصغيرة

سيكون هناك عدة زائرين من أعماق الفضاء في هذا العام؛ ولكن هل ستقدم لنا عرضاً رائعاً؟

في أوائل يناير، عبر المذنَّب تسوشينشان 62P/Tsuchinshan من كوكبة الأسد E إلى كوكبة العذراء E وهو بسطوع +mag. 7.2. ينخفض هذا السطوع إلى السطوع الثامن في بدء فبراير، وإلى التاسع في نهايته، ولكنه يتمتع بميزة التحرك ببطء شديد أمام نجوم الخلفية. كما أن المذنّب كوشيدا 144P/Kushida سيكون مذنَّبا مسائياً في موقع جيد فعلاً؛ يبدأ في جنوب كوكب أورانوس مباشرة، ويمر عبر عنقود القلائص Hyades في فبراير. أما في نهاية مارس، فسيمر المذنَّب C/2021 S3 PanSTARRS، بسطوعه البالغ +mag. 8.3، عبر عنقود شماعة المعطف Coathanger Cluster. وفي مارس يمكن رؤية المذنَّب حدوة الحصان 12P/Pons–Brooks في وقت مبكر من المساء، ويمر بمحاذاة ضوء الشفق بعد غروب الشمس في أواخر الشهر. وعند مروره من كوكبة المرأة المسلسلة (أندروميدا) Andromeda عبر الجزء الشمالي من كوكبة الحوت وإلى كوكبة الحمل، قد يصير جِرماً خافتاً يمكن رؤيته بالعين المجردة.

وفي فصل الخريف، سيكون هناك المذنَّب تسوشينشان أطلس C/2023 A3 Tsuchinshan-ATLAS. سيمر هذا المذنَّب من نقطة حضيضه الشمسي في 27 سبتمبر، ومن الأفضل رؤيته من المنطقة العربية في وقت مسائي مبكر في سماء أكتوبر. كما أنه قد يتطور إلى مشهد كبير للرؤية بالعين المجردة. الوقت وحده هو الذي سيبين ما سنتمكن من رؤيته!

ربيع هادئ

سيهيمن حادث الكسوف الكلي للشمس الذي سيعبر أراضي الولايات المتحدة في 8 إبريل على عناوين الأخبار الرئيسة لإبريل، وسيكون الثاني في أقل من سبع سنوات. لا يضاهي مشهدَ كسوف الشمس الكلي إلا عددٌ قليل جداً من الحوادث الفلكية، ومن المنطقة العربية سنتمكن بلا شك من رؤيته عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

مع تقدُّم فصل الربيع، تصعد الشمس إلى ارتفاع أعلى في سماء المنطقة العربية، ليجعلها هذا في وضع جيد للرصد. وبالطبع فإن مُرشِّحات (فلاتر) الأمان مطلوبة، ويجب تثبيتها بنحو صحيح لحماية معداتك وعينيك. ومع توقع ذروة الدورة الشمسية المقبلة في منتصف العام 2025، فهذا يُعَدّ وقتاً رائعاً للتعرف على أقرب نجم لنا.

تبدو الأطوار المبكرة للقمر بنحو جيد في أشهر الربيع، ويقدم هلاله الرفيع مشهداً جميلاً في شفق المساء. هناك كثير من المعالم القمرية الناتجة عن تباين الضوء والظل على تضاريس سطحه، والتي يمكن رؤيتها في التوقيت المناسب في أوائل العام 2024 أيضاً

يعود نشاط زخات الشهب المهمة في إبريل، مع زخة شهب القيثاريّات Lyrids، لكنه مع الأسف سيكون عرضاً باهتاً بسبب وجود قمر ساطع. غير أن الحال لن تكون كذلك مع زخة شهب إيتا الدلويّات Eta Aquarid، التي يتوقع لها أن تبلغ ذروة نشاطها في مساء 5 مايو. سيكون مصدر شعاع هذه الزخة على ارتفاع جيد في كوكبة الدلو Aquarius؛ ومن المنطقة العربية سيكون أفضل نشاط لها قبل فجر 6 مايو.

1. صليب كيرتِس: 4 يناير، عند الساعة 01:20 بالتوقيت العالمي UT؛ و3 مارس، عند الساعة 06:00 بالتوقيت العالمي UT.

2. عينا كلافيوس: 19 يناير، الساعة 15:50 بالتوقيت العالمي UT؛ و18 مارس، الساعة 19:55 بالتوقيت العالمي UT.

3. وجه فوهة البتاني: 18 يناير، الساعة 18:10 بالتوقيت العالمي UT؛ و17 مارس، الساعة 22:15 بالتوقيت العالمي UT.

4. مدينة غروثيسن القمرية: 4 يناير، الساعة 05:20 بالتوقيت العالمي UT.

5. المقبض المرصع بالجواهر: 21 يناير، الساعة 01:28 بالتوقيت العالمي UT؛ و19 فبراير الساعة 15:50 بالتوقيت العالمي UT.

6. حرف V القمري: 17 فبراير، الساعة 00:40 بالتوقيت العالمي UT؛ و17 مارس، الساعة 14:22 بالتوقيت العالمي UT.

7. حرف X القمري: 17 فبراير الساعة 00:40 بالتوقيت العالمي UT؛ و17 مارس الساعة 14:22 بالتوقيت العالمي UT.

8. ظل وحش نيسي: 18 يناير، الساعة 19:55 بالتوقيت العالمي UT؛ و17 فبراير، الساعة 10:20 بالتوقيت العالمي UT؛ و18 مارس، الساعة 00:01 بالتوقيت العالمي UT.

9. خطّاف أفلاطون: 19 يناير، الساعة 21:00 بالتوقيت العالمي UT؛ و18 فبراير، الساعة 11:23 بالتوقيت العالمي UT؛ و19 مارس، الساعة 01:03 بالتوقيت العالمي UT.

10. نجوم آريستيليُس: 19 يناير، الساعة 00:04 بالتوقيت العالمي UT؛ و17 فبراير، الساعة 14:28 بالتوقيت العالمي UT.

11. خطوات زينو: 27 يناير، الساعة 05:50 بالتوقيت العالمي UT؛ و25 فبراير، الساعة 20:02 بالتوقيت العالمي UT.

صــيــفٌ يــزداد إثـــارة

من الناحية الفلكية سيبدو النصف الأول من العام 2024 قليل النشاط بعض الشيء، مع ظهور عدة مذنَّبات ساطعة كأبرز الأحداث فيه. ومع دخولنا النصف الثاني من العام، سيكون هناك تغير في وتيرة الأحداث. تبدأ الكواكب في الظهور مرة أخرى، لتقدم مشهداً رائعاً في الساعات الأولى في كوكبة الثور Taurus. ستجد هنا الكواكب الثلاثة المريخ، والمشتري، وأورانوس بالترتيب على مقربة من العنقودين المفتوحين والساطعين، الثريّا Pleiades والقلائص Hyades، والمرئيين بالعين المجردة. سيؤدي مرور هلال متناقص في هذه المنطقة إلى إنتاج مشهد مذهل قبل الفجر في نهاية يوليو. ومن المؤكد أن صباح يومي 30 و31 يوليو هو تاريخ يجب إدراجه في تقويمك إذا كانت لديك كاميرا! 

يصل الكوكب القزم سيريس Ceres إلى موقع تقابُله في 6 يوليو، بسطوع جيد عبر منظار مزدوج متألقاً بسطوع +mag. 7.3 في كوكبة الرامي Sagittarius، مع أن ارتفاعه الجيد كما يُرى من المنطقة العربية. سيمر عبر المقبض السفلي لكويكبة إبريق الشاي Teapot وهذا من شأنه أن يسهل تحديد موقعه.

”في 21 أغسطس، يحجب قمر تجاوز طور البدر مباشرةً الكوكب زحل“

تتزايد الإثارة في أغسطس. فمن المتوقع أن تبلغ زخة شهب البرشاويّات ذروتَها بعد ظهر 12 أغسطس، مما يجعل ساعات رصد الشهب في ليلتي 11/12 و12/13 أغسطس مثالية لمشاهدة أفضل ما في هذا الحدث السنوي المفضل. يغرب قمر التربيع الأول مبكراً بدرجة كافية لاجتناب تداخله مع الزخة. وفي صباح 21 أغسطس، يحجب القمر المكتمل تقريباً الكوكب زحل، وهو حدث نادر يشاهَد من وسط وغرب الوطن العربي.

ويستمر مشهد الكواكب في التحسن خلال سبتمبر، حيث يبلغ الكوكب المشتري ارتفاع 83° كما يُرى من سماء الكويت والسماء العربية. ويقدِّم القمر عرضه في سبتمبر أيضاً، حيث نشهد خسوفاً جزئياً صغيراً للقمر في الساعات الأولى من 18 سبتمبر. سيشهد هذا الشهر أيضاً كثيراً من الإثارة والضجيج حول اقتراب المذنّب تسوشينشان أطلس C/2023 A3 Tsuchinshan-ATLAS من موقع حضيضه الشمسي.

مواقع الكواكب

لراصدي الكواكب… العام 2024 هو قصة من جزأَين

لن تسُرنا حال الكواكب في وقت مبكر من العام 2024، عندما يخضع الكوكبان المشتري وأورانوس، اللذان كانا في وضع جيد في مطلع العام، إلى وهج شفق المساء في مارس. الكواكب العليا الأخرى تضيع في وهج الشمس. يعود كوكب الزُّهرة الصباحي (حالياً) نحو الشمس في مطلع العام 2024، ويختفي عن الرؤية في مارس. ومع ذلك، مع اقترابنا من فصل الربيع، تصعب رؤية الكواكب. ومن غير المحتمل أن تَرى في مايو أيَّ كوكب بالعين المجردة.

إذا كانت الكواكب هي هدفَك المفضل فقد يكون من الأفضل أن تحصل على شيء من الراحة في النصف الأول من العام 2024 لأن نصفه الثاني سيكون جنة كواكب. سيظهر زحل مرة أخرى، ويقترب من ارتفاع 54° في اتجاه الجنوب، وتُرى حلقاته من طرفها تقريباً عبر عينية التلسكوب؛ وهذا سينتج تفاعلات مثيرة مع أكبر أقماره، تايتان، في نهاية العام. وسيصل زحل إلى موقع تقابُله في 8 سبتمبر.

وفي وقت لاحق من العام 2024، سيعود كوكب المشتري في مشهد رائع، عندما يُرى بارتفاع 83° فوق الأفق في اتجاه الجنوب، ويبلغ موقع تقابُله في 7 ديسمبر. يعود المريخ والزُّهرة بقوة أيضاً إلى المشهد في وقت لاحق من العام، لتظهر الزهرة في سماء المساء، في حين يتجه المريخ إلى موقع تقابله في يناير 2025. كما سيكون هناك حدثان نادران لاحتجاب الكواكب خلف القمر، نتطلع إليهما أيضاً: احتجاب زحل في 21 أغسطس، واحتجاب المريخ في 18 ديسمبر. (لا يشاهَد من الوطن العربي).

روائع الخريف

سيكون أبرز ما يميز أكتوبر هو المذنّب تسوشينشان أطلس C/2023 A3 Tsuchinshan -ATLAS. ويبقى أن نرى ما إذا كان سيسطع بدرجة تكفي لرؤيته بالعين المجردة أو حتى ساطعاً بما يكفي ليقدم مشهداً رائعاً، لكن ترقُّبه سيكون مشوقاً. أفضل الأوقات لرصد هذا المذنّب من السماء العربية ستكون في سماء المساء في أكتوبر، حيث قد يعرض شيئاً ما بعد مروره بموقع حضيضه الشمسي، ولكن أيضاً قد لا يحدث شيء!

من المؤكد أن الكواكب الساطعة ستكون مذهلة في الخريف، وسيمكن رصدها من السماء العربية. تبدأ الكواكب الداخلية بالانضمام أيضاً إلى المشهد، حيث يتحرك كوكب الزهرة ببطء وثبات ليدخل في شفق سماء المساء.

لقد اعتدنا إلى حد ما الحركاتِ المتبادلة بين الأقمار الغاليلية وكوكبها المشتري،
وهي أحداث كثيراً ما نذكرها في دليل السماء الشهري الخاص بالمجلة. ومع ذلك فإن الحركات المتبادلة بين أقمار زحل الكبيرة وكوكبها هي أقل شيوعاً، وخاصة أكبر أقماره تايتان. ومع اقتراب زحل من عبور مستوى حلقاته في 2025، عندما تُرى الحلقات من طرفها بنظرة أرضية، سيظهر مدار تايتان أيضاً من طرفه. وفي نوفمبر وديسمبر، ستكون هناك عدة فرص مناسبة التوقيت لمشاهدة ظل تايتان عابراً على قرص زحل، في تمهيد لسلسلة من عمليات عبوره في العام 2025. وإضافة إلى ذلك، يكتسب زحل الآن ارتفاعاً في اتجاه الجنوب كما يُرى من السماء العربية، ليعلو بذلك فوق الجزء المضطرب من الغلاف الجوي الذي أعاق مشاهداته طوال سنوات كثيرة.

وبعد حضور هامشي طوال عدة أشهر، بعيداً عن حادثة تقابله، صار المريخ الآن واضحاً قبل تقابله التالي في 16 يناير 2025. وبينما يزداد حضوره قوةً في سماء الصباح قبل موعد التقابل، سيزداد سطوعه بسرعة. وسيوائم حادثة احتجابه خلف القمر في صباح 18 ديسمبر. ومع أن الحدث يحدث بعد شروق الشمس، فسيكون من المحتمل رؤية المريخ بسطوع -mag. 0.9 بسهولة نسبية باستخدام أدوات مساعدة بصرية تحت سماء خالية من السحب. 

بيت لورانس Pete Lawrence:
مقدم برنامج سماء الليل The Sky at Night على قناة BBC Four ودليلك إلى سماء الليل في دليل السماء الشهري والقبة الفلكية الافتراضية.