أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أحدث التطورات

لم يكن متوقعاً أن أشجارا عمرها 2,000 سنة هي سجلات فلكية

يمكن لأشجار العرعر التيبتية أن تدل على أنماط نشاط الشمس عبر آلاف السنين

مع التسليم بأن التنجيم Astrology هو محض هراء، إلّا أنه من المؤكد أن الأرض وما عليها من حياة يتأثران بشدة بالتأثيرات الكونية. مثلا، يؤدي التوازن المتغير لقوة جذب الشمس والقمر، وكذلك الكواكب الخارجية العملاقة، وبالذات كوكب المشتري، إلى حدوث الاختلافات في الانحراف اللامركزي للمدار الإهليلجي لكوكبنا الأرضي حول الشمس، إضافة إلى ميل محور دورانه. تسبب هذه الدورات التي تسمى بدورات ميلانكوفيتش Milankovitch cycles تغيّرات إيقاعية في شدة الفصول والمناخ العام للأرض. وكذلك كان أيضاً تواتر العصور الجليدية على مدى 2.5 مليون سنة الماضية، على سبيل المثال، محكوماً بدورات ميلانكوفيتش. كما يمكن أن تؤثر الاختلافات الطفيفة في نشاط الشمس أيضاً على المناخ، ولو بدرجة أصغر، كما يحدث في الفترات التي يكون فيها المجال المغناطيسي للشمس ضعيفاً وهو ما يعني وجود بقع شمسية أقل ليسمح ذلك بوصول مزيد من الأشعة الكونية المجرّية إلى الأرض، وحدوث عملية تشكل أكثر للسحب عليها.

يعتمد العلماء الذين يدرسون الظروف المناخية السابقة للأرض على مصادر مختلفة للمعلومات، مثل نسبة النظائر المختلفة في باطن طبقات جليد القطب الجنوبي، والرواسب في قاع البحيرات والمحيطات، وأيضاً حلقات الأشجار Tree ring. الأشجار حساسة لعوامل بيئية، مثل درجة الحرارة وهطول الأمطار، لذا فإن حلقات النمو في جذوعها وفروعها تعمل كل عام كسجلات للمناخ المحلي في منطقتها: حلقات الأشجار هي أكثر سماكة بنحوٍ عام في سنوات الدفء والرطوبة. ومن ثم، فقد تكشف بيانات حلقات الأشجار عن أنماط قصيرة المدى للتغيّرات في مناخ الأرض.

عكف الباحث فينسينت كورتيلو Vincent Courtillot وزملاؤه في معهد باريس لفيزياء الأرض بجامعة باريس سيتي Paris Cité University على دراسة مجموعة بيانات خاصة جداً لحلقات الأشجار أتاحتها أويا فانغ Ouya Fang، من في الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين. تنمو أشجار العرعر Juniper في غابة دولان Dulan forest عالياً على هضبة التيبت الشمالية، على ارتفاعات تتراوح بين 3,000 و4,500 م فوق سطح البحر. يعني هذا الارتفاع أن تأثر هذه الأشجار بالتأثير البشري كان طفيفاً طوال حياتها التي امتدت بين 15 إلى 1,967 سنة.

أجرى الفريق تحليلاً إحصائياً لسمك حلقات النمو في 469 شجرة، وتمكن من تحديد مجموعة من الاختلافات الدورية على فترات زمنية قصيرة. ومن ذلك وجدوا أدلة على حدوث العديد من الأنماط المتكررة ضمن سماكة الحلقة. تطابقت اثنتان منها، لهما مدة 11 و85 عاماً، مع الأنماط المكتشفة من دراسة تغيّر أعداد البقع الشمسية، وأطلق عليهما اسمي دورة شواب Schwabe cycle ودورة غليسبرغ Gliessberg cycle على التوالي. لكن الباحثين وجدوا أيضاً عدداً من الدورات الأخرى ذات فترات تراوحت بين 3.3 سنة وأكثر من 1,000 سنة، لأسباب لم تعرف إلى الآن.

”تكشف تحليلات الفريق لحلقات الأشجار هذه أنه يمكن أن تكون هناك دورات أقصر كثيراً تتباين على مدى قرون أو حتى سنوات“

تعمل دورات ميلانكوفيتش المعروفة على مدى عشرات أو مئات آلاف السنين، لكن كورتيلو وزملاؤه يناقشون بأن تحليلهم لحلقات الأشجار هذه يكشف أنه يمكن أن تكون هناك دورات أقصر كثيراً تتفاوت على مدى قرون أو حتى سنوات. إن هذا قول مثير للجدل؛ ولكن من المحتمل أن يؤدي مزيد من البحث والتمحيص إلى الكشف عما إذا كانت هذه الدورات ذات النطاق الزمني الأقصر حقيقية أم لا. غير أن التحليل الإحصائي لحلقات النمو في مثل هذه الأشجار القديمة والفريدة من نوعها يقدم وعداً كبيراً بفهم أفضل لتاريخ مناخ كوكبنا. يصف كورتيلو نباتات العرعر التيبتية هذه بأنها ”مراصد جيوفيزيائية فلكية“ تقدم صلة مثيرةً للاهتمام بين الكائنات الحية والتأثيرات الكونية على مناخ الأرض.

البروفيسور ليويس دارتنل
عالم أحياء فلكية في جامعة ويستمينستر

* ليويس دارتنل Prof Lweis Dartnell: كان يقرأ…
A Living Forest of Tibetan Juniper Trees asa New Kind of Astronomical and Geophysical Observatory by Vincent Courtillot et al. Read it online اقرأها على الرابط: arxiv.org/abs/2306.11450.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى