لم تضع نانسي غريس رومان Nancy Grace Roman (16 مايو، 1925 25 ديسمبر، 2018) الأسس لفهمنا كيفية نمو المجرّات فحسب، بل أسست أيضاً برنامج علم الفلك الفضائي الخاص بالوكالة ناسا، لتكون من ثم هي ”أم التلسكوب هابل“.
كان حب رومان للنجوم واضحاً منذ سن مبكرة، وقد أسست نادياً لعلم الفلك لأصدقائها وهي في العاشرة فقط من عمرها. ومع ذلك، عندما أخبرت مشرفها التوجيهي أنها تريد أن تكون عالمة فلك محترفة، فقد سُئلت: “أيُّ سيدة ستتعلم الرياضيّات بدلاً من اللغة اللاتينية؟”.
تجاهلت هذا التثبيط، ومضت في طريقها للحصول على شهادتها الجامعية من جامعة سوارثمور Swarthmore University قبل أن تنتقل إلى مرصد يركس Yerkes Observatory في جامعة شيكاغو للحصول على درجة الدكتوراه. وهنا درست حركات النجوم التي نشأت في العنقود النجمي ذاته مثل المحراث Plough، لكنها ابتعدت خارج العنقود بمرور الوقت.
وفي وقت لاحق، وسّعت رومان بحثها هذا ليشمل جميع النجوم الشبيهة بالشمس، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لتلاحظ بسرعة أن مواقع مدارات النجوم في مجرّة درب التبانة كانت مرتبطًة بتكوينها المعدني. تتشكل المعادن (المعنى الفلكي للمعادن هو أي عنصر أثقل من الهيليوم) فقط داخل النجوم، ولذلك فإذا كان النجم يحتوي على كثير من المعادن، فلا بد أنه قد وُلِدَ بعد عدة أجيال من نجوم سابقة كانت قد أنتجت عناصره المعدنية تلك. تميل النجوم الأصغر سناً والغنية بالمعادن إلى التحرك في مدارات دائرية بالقرب من مركز مجرّتنا، أما النجوم الأكبر سناً والفقيرة إلى المعادن فقد بدت أبعد مسافة.
كان هذا الارتباط هو أول دليل لفهم كيفية نمو مجرّة درب التبانة بمرور الوقت، وهو ما وفر الأساس للدراسات الحديثة عن تطور المجرّات. وقد طوّر عملُها أيضاً طريقة لقياس المعادن النجمية من خلال مقارنة سطوعها بالأطوال الموجية الزرقاء والأشعة فوق البنفسجية، وهي طريقة ما زالت مستخدمة إلى اليوم.
إلى الوكالة ناسا
وعلى الرغم من هذه الاكتشافات البارزة، رفض مرصد يركس منح امرأة منصباً دائماً فيه، ولذلك انتقلت رومان في العام 1954 إلى مختبر الأبحاث البحرية في واشنطن العاصمة للعمل في مجال علم الفلك الراديوي الناشئ. وهنا استطاعت رسم مجرّة درب التبانة بأطوال موجية جديدة، وصارت رئيسة قسم التحليل الطيفي دقيق الموجة، واستُشيرت في برنامج الأقمار الاصطناعية فانغارد Vanguard.
وبينما كان علم الفلك الراديوي ما زال يحبو، لم تكن معداته مناسبة بعد لاحتياجات رومان، ولم ترغب في إعادة التدرب كمهندسة إلكترونيات لبناء معداتها الخاصة. لذا فقد انتقلت في العام 1959 إلى الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الوكالة ناسا NASA كرئيسة لعلم الفلك الرصدي، بعد عام واحد فقط من تأسيسها.
أدى هذا الدور الجديد إلى إنهاء بحثها، إلا أن رومان أصبحت أول امرأة تشغل منصباً تنفيذياً في الوكالة ناسا، وهو الأمر الذي منحها مسؤولية كاملة عن المراصد الفضائية التابعة للوكالة النامية.
في البدء عارض كثير من علماء الفلك الأرضي بشدة استخدام الأقمار الاصطناعية البعيدة، لكن رومان عملت بلا كلل لإقناعهم بفوائد الرصد فوق الغلاف الجوي للأرض. كان الاعتقاد بأن أفضل طريقة للولايات المتحدة لحصد هذه الفوائد هي أن تشرف الوكالة ناسا على جميع المراصد الفضائية الرئيسة، وكانت رومان في البدء هي الصوت الوحيد لتحديد المشروعات التي سيجري تمويلها. وعلى الرغم من أن عديداً من زملائها دافعوا عن فكرة بناء ناسا تلسكوباً فضائياً كبيراً، فإنها رفضت الخطط لأنها رأتها سابقة لأوانها، واختارت بدلاً من ذلك تمويل سلسلة من مراصد أقمار اصطناعية أصغر.
وفقط في العام 1968، بعد عقد من النجاح أثبت قدرة الوكالة ناسا، عادت رومان إلى فكرة تنفيذ مهمة أكبر، وذلك على الرغم من أنها استغرقت 3 سنوات أخرى في دراسات الجدوى والتمويل قبل تمكنها أخيراً من إنشاء مجموعة للإشراف على تطوير تلسكوب كبير. سيحتاج إكمال هذا المشروع إلى جهد عشرات المؤسسات على مدى 20 عاماً؛ لكن التلسكوب انطلق فعلاً في العام 1990، وأُطلق عليه اسم التلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope.
محررة المقالات في مجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine. يمكن الحصول على كتابها روبوتات في الفضاء Robots in Space من دار نشر History Press
تلسكوب نانسي غريس رومان الفضائي
أداة رصد جديدة، تنهض على عمل رومان الرائد، لتُوسِّع فهمنا للكون
مع أنها قد لا تكون اسماً معروفاً حالياً، فإن رومان ستكون قريباً أكثر شهرة، مع إطلاق تلسكوب الأشعة تحت الحمراء الذي سُمي على شرفها في العام 2027. سيحتوي التلسكوب نانسي غريس رومان الفضائي على مرآة بقطر 2.4 م أي حجم مرآة التلسكوب هابل الفضائي ذاته لكن أداة المجال الواسع Wide Field Instrument (اختصاراً WFI) سيكون لها مجال رؤية أكبر بـ 100 مرة من كاميرا الأشعة تحت الحمراء على التلسكوب هابل.
سيستخدم التلسكوب هذا المشهد الضخم لإنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد للمجرّات والعناقيد المجرّية وانفجارات السوبرنوفا البعيدة لقياس كيفية توزع المادة في أنحاء الكون. وستكمل هذه الأرصاد أرصاد مهمة إقليدس المقبلة للوكالة إيسا (انظر الصفحة 65) في سعيها لاقتفاء أثر الطاقة المعتمة، تلك القوة الغامضة التي يبدو أنها تسرّع من تمدد الكون.
سيكون التلسكوب غريس رومان قادراً على رسم خريطة للمادة المعتمة الخفية بطريقة أخرى، وذلك باستخدام طريقة تسمى عدسة الجاذبية الصغرية Microlensing. عندما يمر الضوء الآتي من مجرّة بعيدة بجرم هائل آخر، فإن مساره يتأثر به فينحني قليلاً، ويمتط ويتشوه. يمكن بعد ذلك تحليل هذه التشوهات للكشف عن كيفية توزع المادة عبر أنحاء الكون.
يحدث مفعول عدسة الجاذبية أيضاً عندما يمر كوكب أمام نجمه المضيِّف، وسيراقب التلسكوب غريس رومان 100 مليون نجم على أمل اكتشاف تغيُّر سطوع النجم عندما يعبر كوكب نجمي من أمامه. والأكثر إثارة هو أن هذه التقنية يجب أن تكون قادرة على كشف عوالم صخرية صغيرة في مدارات صالحة للحياة، مثل أرضنا.