السفر بعيداً هو أمر جيد، ولكن في بعض المرات يمكنك معرفة مزيد إذا بقيت قريباً من البيت. ومع حماسة علماء الفلك للمشاهدات التي يقدمها التلسكوب ويب للمجّرات البعيدة، من الجيد أن نتذكر أنه يمكننا الاستفادة من الاهتمام الشديد بالمنطقة المحيطة بنا.
تتناول بعض أكثر مجالات الأبحاث إثارة، التي تنفذ حالياً دراسة مجموعة مجرّاتنا المحلية كأنها تُرصد من مسافة بعيدة، وهو أمر يمكن فعله بفضل عمليات المسح المكثفة للنجوم في مجرّة درب التبانة والتصوير البعيد لأعضاء آخرين في مجموعتنا المجرّية المحلية. يسمح لنا النظر إلى وطننا المجرّي بهذه الطريقة باختبار مدى دقة التقنيات المستخدمة لدراسة الكون العميق على الرغم من أنه في مثال مجرّة درب التبانة، فإن العيش داخل موضوع دراستنا ذاته يجعل الأمور أكثر تعقيداً في بعض الأحيان.
في بحث هذا الشهر، يلقي ستيسي ماكغوه Stacy McGaugh نظرة فاحصة على العلاقات بين كيفية تحرك الأشياء في مجرّات المجموعة المحلية والطريقة التي تتوزع بها الكتلة في تلك الأنظمة. وهذا أمر بالغ الأهمية إذا كنت مهتماً بمكان العثور على المادة المعتمة E الغامضة التي يعتقد معظم علماء الكوزمولوجيا (الكونيات) أن معظم كتلة الكون يتألف منها. وستكون هذه القياسات أكثر أهمية إذا رأينا مثلما يفعل ماكغوه أن أفضل طريقة لتفسير أرصادنا هي تعديل معادلات نيوتن للجاذبية بدلاً من افتراض وجود مادة معتمة لشرح بعض الشذوذ الذي نرصده في الكون. إنه يرى أن الاختلافات بين مجرّاتنا المحلية وجيران أبعد قد توحي بوجود مشكلات في نموذج المادة المعتمة يجب أن ننتبه لها.
تبدأ الأشياء في الظهور بمظهر جيد لعشاق المادة المعتمة. إحدى القواعد الأساسية التي يبدو أنها تحكم كيفية تحشُّد المجرّات معاً هي علاقة تولي فيشر Tully–Fisher relation، والتي تنص على أنه إذا كنتَ تعرف كتلة المجرّة الحلزونية، فيمكنك معرفة مدى سرعة دوران المادة فيها حول مركز المجرّة. أجرِ هذه القياسات على مجرّة درب التبانة، ومجرّة المرأة المسلسلة (أندروميدا) E، ومجموعة من المجرّات القزمة الصغيرة التي تشترك معنا في المجموعة المحلية، وستجد أنها تتبع قاعدة سلوك المجرّات البعيدة نفسها. لا دليل على أي اختلاف هنا.
”يبدو أن المجرّات الكبيرة في مجموعتنا المحلية تحوي نجوماً أكثر مما نتوقع من مجرّات لها كتلتُها“
عندما نفكر في كتل المجرّات الكبيرة تظهر المشكلات. هناك اختلافات بين كتلة مجرّة درب التبانة ومجرّة المرأة المسلسلة نتنبأ بها باستخدام النوع نفسه من قواعد القياس التي نستخدمها للمجرّات البعيدة، وما نرصده من خلال النظر مباشرة إلى نجومها، أو في كيفية تحرك المادة الموجودة في أقراصها. وبصورة أساسية يشير ماكغوه إلى أن كلاً من المجرّتين الكبيرتين في المجموعة المحلية يبدو أنهما تمتلكان عدداً من النجوم أكثر مما توقعناه لمجرّات لها كتلتهما. بعبارة أخرى: إن شيئاً ما بحجم المجموعة المحلية سيحتوي عادةً على مجرّة كبيرة واحدة، بكتلة درب التبانة وستكون مجرّة المرأة المسلسلة زائدة على الحاجة، ومع ذلك فها هي هنا.
يلمِّح ماكغوه إلى أن هذه مشكلة أخرى لا تستطيع المادة المعتمة حلها؛ لكن بعض العلماء الآخرين سيشير إلى احتمال أن يكون التاريخ الخاص بمجرّات المجموعة المحلية قد أدى بها إلى حالة بناء نجوم فعالة بنحو خاص، أو ربما كان هناك بعض الغموض في دراساتنا للمجرّات البعيدة التي ما زال علينا فهمها. وفي كلتا الحالتين هذا تذكير آخر بالنظر في محيطنا القريب، وليس البحث دوماً عن إجابات في أصقاع كونية بعيدة.
البروفيسور كريس لينتوت: عالم فيزياء فلكية يشارك بتقديم برنامج سماء الليل Sky at Night