أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أحدث التطورات

مجرّة حافلة بسُدُم الجبّار

المجرّة البعيدة التي اكتشفها مشاهدو برنامج Stargazing Live تبيَّن أنها مفتاح إلى الكون المبكر

طَوالَ سنوات، عملت على برنامج Stargazing Live، مما مكَّن الجمهور الكبير الذي جمعه برايان كوكس Brian Cox ودارا أوبرين Dara O’Briain من الإسهام في العلوم عبر متصفحات الإنترنت الخاصة بهم. ومن خلال العمل مع فريق موقع Zooniverse الرائع، بحثنا على مر السنين عن الكواكب النجمية Exoplanets، وعن معالم ”عنكبوت“ غريبة على المريخ، بل وأجرينا قياساً لعمر الكون من خلال العثور على انفجارات سوبرنوفا Supernovae. غير أن أكثر ما استمتعت به هو البحث عن عدسات الجاذبية Gravitational lenses في العام 2014.

كان الهدف هو العثور على صور المجرّات البعيدة التي تشوهت وتضخمت على الأرجح، عندما يمر ضوؤها قرب أنظمة ضخمة قريبة مثل مجرّات وعناقيد أخرى. تعمل جاذبية هذه الأنظمة الأقرب على ثني شعاع الضوء الوارد، وإذا كانت الأجرام تتراصف بنحو صحيح، فإن صورها ستبدو في النهاية كحلقات أو أقواس زرقاء صغيرة يمكننا استخدامها للحصول على معلومات عن الكون البعيد. وعلى مدى ثلاث ليالٍ متتالية، طلب برنامج Stargazing Live من مشاهديه إلقاء نظرة على ملايين الصور التي التقطتها عمليات مسح الطاقة المظلمة Dark Energy Survey لتحديد عدسات الجاذبية المحتملة. وبحلول وقت الغداء في اليوم التالي للعرض الأول، اعتقدنا أن لدينا مرشحاً جيداً بصورة حلقة. لم تكن زرقاء اللون، بل حمراء، لكنها بدت بالتأكيد وكأنها عدسة حقيقية: اسمها الجذّاب 9io9.

غيرَ أن كلمة ”ربما“ لم تكن جيدة بما يكفي لبرايان أو منتجي البرنامج. فقد احتجنا إلى تلسكوب راديوي لتأكيد الاكتشاف، وهكذا رأى المشاهدون في الأمسية الثانية من العرض تلسكوب لويل Lowell telescope في أريزونا يأخذ بيانات تؤكد أن المجرّة 9io9 كانت نظاماً بعيداً، انطلق ضوؤها الذي يصل إلينا حاليا قبل 11 بليون سنة، عندما كان الكون بعمر 2.5 بليون سنة فقط.

مصنع نجوم
ومنذ اكتشافها، بدأ فريق بقيادة جيم غيتش Jim Geach من جامعة هيرتفوردشاير University of Hertfordshire بمراقبة هذه المجرّة، ووجد أنها مصنع فعّال بنحو ملحوظ لبناء النجوم. ولكن كيف تصرفت المجرّات التي خضعت لعمليات هائلة لبناء النجوم في بدايات الكون؟ لقد لجؤوا أخيراً إلى استخدام مجموعة ALMA، وهي مصفوفة تحت ميلليمترية أُنشئت في صحراء أتاكاما الجافة والعالية في تشيلي، وهي قادرة على اكتشاف الإشعاع الخافت الصادر من جزيئات مثل ثاني أكسيد الكربون والأمونيا Ammonia. توجد هذه الجزيئات عادةً في سحب الغاز الكثيف المرتبط بمناطق نشوء النجوم، حيث تتأثر وتتألق في الأطوال الموجية التي ينظر إليها مرصد ALMA. يبدو، من الأرصاد، أن جزيئات الأمونيا ومن ثم تشكل النجوم تنتشر عبر قرص المجرّة، بدلاً من تركزها في منطقة معينة.

”يبدو أنها جزيئات أمونيا، ولذا يبدو أن عمليات بناء النجوم تنتشر عبر أنحاء قرص المجرّة. وهذا يحسم جدالاً طويل الأمد“

إذا كانت المجرة 9io9 عادية، فإن ذلك يحسم جدالاً طويل الأمد حول هذه المجرّات التي تبني النجوم بكثافة هائلة. يعتقد البعض أن مثل هذه العمليات المذهلة لتشكيل النجوم لن تكون ممكنة إلّا إذا تركزت في مجمع ضخم واحد، ربما في مركز المجرّة ولكن بدلاً من ذلك تبدو المجرّة بكاملها وهي تضج بالحياة مع النجوم حديثة التشكل. تبدو خصائصها، وبالذات قوة الانبعاثات من جزيئات الأمونيا وثاني أكسيد الكربون، مشابهة إلى حد ما لتلك الموجودة في حاضنتنا النجمية Stellar nursery المحلية سديم الجبّار Orion Nebula.

لقد اتضح أن ما وجده مشاهدو برنامج Stargazing Live هو ما وصفه ماتوس ريباك Matus Rybak، طالب الدكتوراه في غارشينغ، بألمانيا، بأنه مجرّة ”حافلة بسدم الجبّار“. يقول المؤلفون إن كل واحد منها قد يكون غير ملحوظ بمفرده، لكنها تنمو إلى مجرّة تغيّر أمثالها من شكل الكون. ومن اللافت للنظر تقريباً أن الاكتشاف الذي أنجزه بنحو جماعي آلاف المشاهدين الذين يتابعون البرنامج التلفزيوني في ليلة باردة من ليالي يناير قبل 8 سنوات يستمر في إثراء معرفتنا بذلك الكون البعيد والقديم.

البروفيسور كريس لينتوت: عالم فيزياء فلكية يشارك بتقديم برنامج سماء الليل Sky at Night

* كريس لينتوت Prof Chris Lintott: كان يقرأ…
Ammonia in the Interstellar Medium of a Star- Bursting Disc at z=2.6 by M J Doherty et al.  اقرأها على الإنترنت على: arxiv.org/abs/2209.09268

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى