تصوير مجرَّة درب التبانة الرائعة
استعِدَّ لعودة ليالي الصيف المتأخرة تحت النجوم. يُقدِّم لنا ويل غيتر Will Gater هنا دليلَ المبتدئين لتصوير مجرتنا المتغيِّرة باستمرار
تبدأ الليالي الأكثر إنارة تلوح في شهر مايو. أحد الأشياء التي أُحب أن أفعلها هو فتحُ برنامج ستيلاريوم Stellarium، والتخطيط لكل الأشياء التي أريد تصويرها عندما يعود الظلام المناسب في أواخر الصيف. ودوما تقريباً، يكون الهدف الذي يشغلني أكثر من غيره هو مجرّة درب التبانة، بغض النظر عن عدد الصور التي التقطتُها لها. وليس مهماً عن أي نوع من التصوير نتحدث، سواء كان واسع المجال Widefield، أو مشهداً ليلياً Nightscape، أو لقطةً مقربة طويلة البؤرة Long-focal-length – فهناك دائماً شيء ما يمكن لمجرتنا أن تعرضه.
من المهم التفكير مسبقاً عندما يتعلق الأمر بتصوير مجرّة درب التبانة. إذ إن مشهدها يتغير من شهر إلى آخر، ومن أسبوع إلى آخر، بل حتى من ساعة إلى ساعة أخرى طوال الليل. وأفضل وقت لتصوير مجرّتنا من المنطقة العربية، في رأيي، هو الأسابيع الأولى من شهري يوليو وأغسطس. لأنه ليس عليك الانتظارُ طوال الليل حتى يتموضع شريط مجرّة درب التبانة بالقرب من دائرة خط الزوال Meridian.
إذا لم تكن قد بدأت في ممارسة التصوير الفلكي لمجرّة درب التبانة، فهذا هو الوقت المثالي للاستعداد لهذا الموسم. لذا تابع القراءة في حين نُقدم لك كيفية تصوير هذه المدينة السماوية الرائعة التي نسميها جميعاً بمجرّتنا الأم.
استخدم المعدات الصحيحة
يمكنك الحصول على صور مذهلة حتى مع وجود مجموعة تصوير متواضعة إلى حد ما
أحد الأشياء الرائعة حقاً في تصوير مجرّة درب التبانة هو وجود كثير من الأساليب لفعل ذلك، مع توافُر كثير من الأنواع والمستويات المختلفة من المعدات. وهذا يعني أن واحداً من بين تلك الأهداف هو أنه يمكنك معها بدء التصوير كمبتدئ والاستمرار في العودة إليها عاماً بعد عام كلما اكتسبتَ مزيداً من الخبرة، وغالباً ما ستجد طرقاً جديدة ومختلفة لفعل أشياء مع تقدُّم مهاراتك.
تعني التطورات الحديثة الرائعة في تكنولوجيا كاميرا الهاتف الذكي أنه يمكن الآن الحصول على صور واسعة المجال Widefield images رائعة لمجرّة درب التبانة باستخدام بعض النماذج المتطورة المزودة بأوضاع التصوير في الإضاءة المنخفضة. وبالنسبة إلى عديد من المصورين الفلكيين الجدد، هناك نقطة دخول شائعة أخرى للتصوير تتمثل في استخدام الكاميرا الرقمية DSLR الجاهزة، أو كاميرا الجسر Bridge camera مع عدسة واسعة الزاوية. يُعد هذا النوع من معدات التصوير، جنباً إلى جنب مع حامل ثلاثي القوائم للتصوير الفوتوغرافي العادي، طريقة رائعة لبدء التقاط الصور الأساسية لمجرّة درب التبانة، وخاصة إذا كانت العدسة سريعة – أي إذا كان الرقم f الذي يمكنها تحقيقه لضبط فتحة العدسة باتساع منخفضاً نسبياً، على سبيل المثال في حدود f/2–3 أو قريباً منه. إن التعريض الضوئي Exposure مدة 30 ثانية باستخدام درجة حساسية ISO متوسطة إلى عالية – ولنقل 1,600 إلى 6,400 – مع مثل هذه المعدات سوف يُبرز بسهولة تفاصيل رائعة في حقول النجوم الغنية وأشرطة الغبار الظلية لمجرّة درب التبانة من موقع معتم.
وبعيداً عن المشاهد الليلية واسعة المجال لمجرّة درب التبانة، فإن التحدي في التصوير باستخدام حامل ثابت، ثلاثي القوائم، هو أنك إذا كنت ترغب في تنفيذ تعريض ضوئي أطول للتعمق أكثر والتقاط مزيد من التفاصيل الخافتة – فأنت ستواجه مشكلة دوران السماء وارتسام ذيول النجوم. الآن يمكنك التحايل على هذا من خلال أخذ تعريضات ضوئية أقصر وتكديسها Stacking في برنامج لتحسين نسبة الإشارة إلى الضجيج Noise (ثم تنفيذ بعض التكوين الذكي باستخدام أقنعة الطبقات، إذا كنتَ تصور مشهداً طبيعياً في الإطار). غير أن الطريقة الأخرى هي تطوير العمل باستخدام متتبع، أو تثبيت الكاميرا على متتبع تلسكوب متحرك Mount، أو متتبع نجوم Portable tracking mount أصغر حجماً يمكن حمله.
استخدِمْ متتبعاً للحصول على لقطات أطول
يتيح لك ذلك فعل شيئين: أولاً، يمكِّنك من النزول إلى درجة حساسية ISO أقل قليلاً في أثناء ضبط طول التعريض الضوئي، ولذا فإن أي صورة ناتجة ستكون أقل ضجيجاً وهذا مفيد بنحو خاص للمشاهد الليلية. وثانياً، سيتيح لك ذلك تنفيذ تلك التعريضات الأطول مدة بكثير بنحو عام نحن نتحدث هنا عن عدة دقائق في كل مرة لأن المتتبع يلغي الآن أثر دوران الأرض ويحافظ على النجوم كنقاط ضوء؛ وبفعل هذا يمكنك بعد ذلك التقاط عدة إطارات فرعية طويلة التعريض، وأن تجمعها معاً لإنشاء مشاهد واسعة وعميقة وغنية بالتفاصيل لحقول نجوم مجرّة درب التبانة أو المناطق فيها.
العنصر المتغيِّر الكبير عندما تصل إلى هذا النوع من التصوير لمجرّة درب التبانة هو الطول البؤري للعدسة E التي تستخدمها. في الصور المجمعة أعلاه، سلَّطنا الضوء على ثلاثة أمثلة لأنماط تصوير مجرّة درب التبانة بأطوال بؤرية مختلفة. تمنحنا عدسة 24 ملم مجال رؤية واسعاً للعمل به على كاميرا DSLR كاملة الإطار، وهي مثالية للقطات الواسعة لمساحات كبيرة من شريط المجرّة، سواء على حامل ثلاثي القوائم ثابت أو على متتبع. أما العدسة 50 ملم فيمكن استخدامها للمشاهد الليلية الأكثر تركيزاً على منطقة معينة في درب التبانة، وهي في هذه الحالة نواة المجرّة. كما أنه أيضاً طول بؤري رائع لالتقاط صور عميقة لأشرطة الغبار الداكنة التي تتموج عبر الأذرع الحلزونية الحبيبية لدرب التبانة، أو الكوكبات البارزة من خلال تكديس التعريضات المتعددة. والتقطت الصورة الأخيرة باستخدام عدسة 135 ملم. توفر الأطوالُ البؤرية بدءاً من 100 ملم فأكثر بنحو طبيعي مجالاتِ رؤية أضيق كثيراً، ولذا فهي الأنسب لوضع أجرام أعماق السماء، مثل العناقيد والسُّدم، في مجال حقول نجوم مجرّة درب التبانة الأوسع توفر سماء الصيف والخريف على وجه الخصوص ثروة من الأهداف لهذا النوع من العمل.
خطِّطْ للكمال
سيؤدي تخصيص وقت لتخطيط اللقطات إلى تحسين نتائجك بقدرٍ كبير
قبلَ أن تقترب يدُك من زر تحرير مغلاق الكاميرا، خذ بعض الوقت للتخطيط لتكوين صور درب التبانة، سواء كانت مشاهد ليلية
أو لقطات أكثر تعقيداً باستخدام متتبع. ستُظهر لك البرامج والتطبيقات مثل The Photographer‘s EphemerisوStellarium وSkySafari Plus مكان وجود شريط درب التبانة في السماء في أي وقت، ويحتوي البرنامجان الأخيران أيضاً على أدوات مجال رؤية الكاميرا التي يمكن أن تساعدك على استعراض الإطارات مع المجموعة التي اخترتَها.
اختَرْ إعداداتِك
مع وجود كثير من الفروق في نوع المعدات التي يمكنك استخدامُها لتصوير مجرّة درب التبانة، لا يمكن إعطاء طول تعريض ”قياسي“، أو درجة حساسية ISO، للاستخدام. وبدلاً من ذلك فإن الطريقة التي أُوصي بها هي من خلال التجربة، ومحاولة إيجاد توازن جيد بين قيمة فتحة العدسة وطول التعريض ودرجة الحساسية ISO. على سبيل المثال سيؤدي تكبير فتحة العدسة أكثر إلى جمع مزيد من الضوء، نعم ولكنه سيؤدي أيضاً، في معظم الموديلات، إلى مزيد من الشوائب الواضحة وغير المرغوب فيها، مثل تعتيم الزوايا وحواف الإطار، والتي تُعرَف باسم ”التظليل“ Vignetting. يمكن أن يؤدي ذلك أيضاً إلى تفاقم تشوُّه النجوم حول حافة الإطار. وفي الوقت نفسه، اضبط درجة الحساسية ISO على قيمة عالية جداً أو منخفضة جداً، وسينتج إما كثير من الضجيج وإما أنك لن تحصل على التفاصيل التي تريدُها. ثم هناك ظروف السماء، مثل التلوث الضوئي والصفاء، والتي ستحتاج إلى مراعاة تأثيراتها المتغيِّرة في هذه الاعتبارات.
ومع ذلك فإن تسجيل البيانات ليس سوى جزء من عملية تصوير مجرّتنا. إذ إن المعالجة اللاحقة لتلك الصور هي المجال الذي يمكن أن تظهر فيه صورُك إلى الحياة فعلاً. سنبدأ الحديث عن معالجة الصور في غضون لحظات، ولكن بالنسبة إلى تصوير مجرّة درب التبانة باستخدام مجال واسع، فهناك مشكلة شائعة معينة تظهر غالباً: التدرجات Gradients، وهي تكون إما من النظام البصري Optical system، وإما من تلوث السماء ضوئياً Light pollution، وإما كليهما غالباً.
صارع التدرجات
لمعالجة التظليل Vignetting، يمكنك أن تأخذ بعض الحقول المسطحة البسيطة جداً من خلال ضبط تركيز العدسة على اللانهاية، ثم التقاط بعض الصور المكشوفة جيداً لجدار داخلي أبيض أملس، عادي ومضاء بتساوٍ، والذي يمكنك استخدامه لمعايرة Calibrate البيانات في برنامج تكديس الصور لاحقاً.
إذا كان برنامج معالجة الصور الفلكية الذي تستخدمه لا يحتوي على أداة ضمنية لإزالة التدرجات اللونية لأي تدرجات متبقية، فإليك طريقة واحدة لمعالجة التدرجات المعتدلة في برنامج مثل Photoshop: أولاً، انسخ صورتك كطبقة جديدة. ثم استخدم أداة إزالة ”الغبار والخدوش“ Dust & scratches لإزالة كل النجوم. ثم استنسخ، باستخدام أداة الاستنساخ Clone، أو المعالجة، أي نجوم لامعة متبقية ومعالم مجرّة درب التبانة في المشهد. بعد ذلك يمكنك تطبيق تمويه غاوسي Gaussian blur قوي إلى حد ما على المركز بنسبة 90-80% من الإطار باستخدام أداة تحديد Marquee tool، ثم ”تحديد وإخفاء“ Select and mask، متبوعاً بمرشح (فلتر) التمويه Blurring. والآن ضعْ هذه الصورة في الطبقة الأسفل من طبقة الصورة الأصلية، واستخدم ”صورة> تطبيق الصورة“ Image > Apply image مع ضبط وضع المزج على ”طرح“ Subtract. انسخ الصورة الناتجة إلى طبقة جديدة وعالجها بحسب رغبتك.
أو تابعه على تويتر: willgater
التقِطْ صورةً لمجرّة درب التبانة عند ظهورها صيفاً
باستخدام عدسة واسعة الزاوية Wide lens، وكاميرا رقمية DSLR أو كاميرا جسر Bridge camera، ومتتبع Tracking mount، وقليل من المعالجة
الخطوة 1
لالتقاط حقول النجوم الحبيبية المدهشة في مجرّة درب التبانة بشكل كامل، من الضروري تخصيصُ وقت للحصول على نقطة التركيز Focus. إذا كنتَ تستخدم شاشة المعاينة المباشرة للتركيز، فلا تستخدم النجوم حول محيط الإطار للتركيز عليها، لأنه يصعب إدراك نقطة التركيز الدقيق بسبب الانحرافات البصرية Optical aberrations للعدسات واسعة الزاوية Wide-angle.
الخطوة 2
إذا لم تكن قد فعلتَ ذلك بعد، فخطِّطْ لتكوين الصورة باستخدام برنامج قبة سماوية (مثل برنامج Stellarium). الآن اضبط الكاميرا على درجة حساسية ISO عالية جداً، واستخدم تعريضات ضوئية قصيرة المدة Short exposures لأخذ بعض اللقطات التجريبية. بالنسبة إلى هذا النوع من الصور، من الأفضل عدمُ تضمين أي أمامية أرضية، إلّا إذا كنتَ سعيداً بكونها غير واضحة عند تكديس الإطارات Stack frames لاحقاً.
الخطوة 3
غيِّرْ درجة الحساسية ISO وطولَ مدة التعريض Exposure إلى الإعدادات التي تحتاج إليها لالتقاط الإطارات الثانوية. سيكون هذا هو المستوى الذي يوجد عنده توازنٌ جيد بين مقدار التفاصيل التي تحصل عليها في حقول النجوم والتأثير ”الضبابي“ Fogging لأي تلوث ضوئي في موقعك. لا يوجد ضبط واحد يناسب جميع الحالات، لذا فالتجربة هي المفتاح.
الخطوة 4
مع طول تعريض ضوئي مناسب وتحديد درجة حساسية ISO، التقط ما لا يقل عن 10-15 دقيقة من البيانات إجمالاً عند تصوير بياناتك الرئيسة. سيساعدك مزيد من الإطارات الثانوية المكدسة لاحقاً على إنشاء صورة نهائية أكثر نعومة Smoother، وهذا أمر مهم بنحو خاص إذا كنتَ تصور بدرجة حساسية ISO عالية على حامل ثلاثي القوائم ثابت Tripod.
الخطوة 5
حالما تعود إلى المنزل، ضع في اعتبارك إذا كنتَ ستحتاج إلى بعض إطارات المعايرة Calibration frames من نموذج ”المجال المسطح“ Flat field ملتقطةً بالعدسة التي استخدمتَها (انظر: الصفحة المقابلة لمزيد من التفاصيل). عندما تنقل بياناتك إلى الحاسوب، افحص كل إطار ثانوي بعناية، وضع جانباً أيَّ إطار يُظهر علاماتِ سحابة Cloud passing تمر عبر اللقطة، أو اهتزازاتِ المتتبع Mount vibrations، أو تشويهاً بفعل حركة الرياح.
الخطوة 6
يجب أن يكون لديك الآن مجلد لملفات الصور التي فحصتها، والتي تمثل أفضل الإطارات من تسلسل لقطاتك. يمكنك الآن إضافة، أو تكديس، هذه معاً في برامج معالجة فلكية مخصصة، سواء كانت برامج مجانية مثل DeepSkyStacker أو خيارات تجارية مثل برنامج Nebulosity أو برنامج PixInsight.
الخطوة 7
تتمثل الخطوة الأولى الجيدة بتحسين التباين والسطوع في اللقطة المكدسة عبر ”امتداد“ لطيف للمستويات Levels أو المنحنيات. وباستخدام أداة المنحنيات Curves في برنامج مثل Photoshop، اضبط الخط القُطري Diagonal line بحيث يتخذ شكلاً دقيقاً، مما يؤدي إلى إظهار العناصر الأكثر سطوعاً في الصورة مع زيادة التبايُن Contrast في أجزائها الأكثر ظلالاً.
الخطوة 8
إذا كان برنامج ما بعد المعالجة الذي تستخدمه لا يحتوي على أدوات إزالة التدرج Gradient أو التظليل Vignetting، يمكنك إجراء إزالة التدرج الأساسي باستخدام الطريقة الموضحة على الصفحة المقابلة. قد ترغب بعد ذلك في العودة إلى الخطوة 7 لعمل جولة أخرى من تحسينات التباين Contrast والسطوع Brightness (على الصورة التي نأمل أنها صارت أفضل الآن).
الخطوة 9
أكمل إنهاء توازن اللون الأساسي لصورتك. ابحث عن النجوم الساطعة في الإطار والتي لها نوع طيفي أبيض محايد (باستخدام برنامج مثل Stellarium كمرجع). ثم استخدم أداة توازن اللون Colour balance في برنامج المعالجة لضبط اللون العام للصورة بحيث يكون لون النجوم أقرب ما يكون إلى اللون الأبيض المحايد بقدر الإمكان.