تصوير أعماق السماء باستخدام منصة سمتية

يُعَد التقاط روائع السماء ليلاً أحد أغزر جوانب علم الفلك عطاءً، وهو نشاط متاح لأي شخص لديه كاميرا أو هاتف ذكي مقترن بتلسكوب. ومع ذلك، فمن أجل التقاط صور عالية الدقة لأهداف في أعماق السماء ستراها مقدمة بانتظام إلى معرض صورنا هنا، فإن المتتبع المفضل هو دائماً المتتبع الاستوائي Equatorial mount. غير أننا سنقدم هنا ما يمكن فعله مع متتبع بنظام Go-To السمتي الارتفاعي Altaz mount، الذي يُستخدم عادة لتصوير (أجرام) المجموعة الشمسية وقمرنا. وقد تفاجئك النتائج!

تقليدياً يتطلب تصويرُ أجرام أعماق السماء، مثل السُّدم والمجرّات، صوراً طويلة التعريض الضوئي Long-exposure، ولتسهيل هذا يُعَد المتتبع الاستوائي Equatorial mount هو الخيارَ الأمثل. تحتوي المتتبعات الاستوائية على محور واحد يتوازى مع القطب السماوي Celestial pole، مما يسمح لك بمتابعة هدف ما بسلاسة عبر السماء في مسار قوس، مع إبقاء الجِرم في الاتجاه ذاته ضمن العينية أو إطار الصورة. يتيح لك المتتبع المحاذى قطبياً بدقة التقاط تعريضات ضوئية بطول عدة دقائق، أو حتى مدة أطول إذا أضفتَ منظار توجيه وكاميرا. غالباً ما تلتقط هذه الصور بقيم حساسية ISO منخفضة نسبياً بكاميرا رقمية DSLR (أو إعداد بكسب منخفض على كاميرا فلكية متخصصة)، وتحتوي على كثير من البيانات فيها لإنتاج صورة مكدسة نهائية جيدة.

”الخبر السار هو أن عدة عوامل في السنوات القليلة الماضية قد ساعدت أنظمة متتبعات Go-To السمتية الارتفاعية في التغلب على محدوديتها عندما يتعلق الأمر بتصوير أعماق السماء“

حل مشكلة الدوران
من المفهوم عادةً أنه لا يمكن استخدام مجموعة المتتبع السمتي الارتفاعي Go-To للتصوير الفلكي لأعماق السماء، حيث لا يمكنك الحصول على تعريضات ضوئية بطول عدة دقائق باستخدام هذه الأنظمة. يتتبع حاسوب التحكم بها الهدف المحدد عبر السماء ويبقيه في المنتصف بنحو معقول، ولكن التعريضات الضوئية يجب أن تبقى قصيرة المدة، عادةً بطولٍ أقل من دقيقة، وذلك بسبب تأثير يُعرف باسم دوران المجال Field rotation.

هذا التأثير يرجع إلى طبيعة المتتبع. لا تحتوي أنظمة المتتبعات السمتية الارتفاعية Altaz على محور يتراصف (يستقيم) مع القطب السماوي؛ لكنها تعمل، بدلاً من ذلك، بالطريقة ذاتها التي يعمل بها الحامل القياسي ثلاثي القوائم Tripod على مستوى الأفق. ولذلك ففي حين يتتبع التلسكوب هدفاً، يظل مجال رؤية العدسة أو الكاميرا متجهاً نحو الأفق، بغض النظر عن اتجاه التلسكوب في السماء، ويدور المشهد ببطء في الإطار. ومن ثم فإن التعريضات الطويلة جداً ستُظهر النجوم في منحنيات طفيفة بدلاً من نقاط حادة ناعمة. لن يساعد أي قدر من المعالجة الفنية البارعة اللاحقة في هذا الأمر.

تختلف المدة القصوى لتعريضات Go-To السمتية الارتفاعية أيضاً باختلاف موقع الهدف في السماء. صوِّب نحو المناطق القطبية ويمكنك التعريض مدة أطول؛ صوب نحو خط الاستواء السماوي وسيكون عليك خفض مدة التعريض لتجنب ظهور أي ذيول. عليك أن تتعامل مع التأثير ذاته عندما تلتقط صوراً من دون تتبع للكوكبات.

لكن الخبر السار لمن يمتلكها هو تطوُّر عدة عوامل في السنوات القليلة الماضية لتساعد أنظمة متتبعات Go-To السمتية الارتفاعية في التغلب على قيودها عندما يتعلق الأمر بتصوير أعماق السماء والحصول على نتائج مقبولة. وبدرجة مهمة خطت البرامج المستخدمة لتكديس الصور وإزالة تأثير الدوران خطوات كبيرة، بحيث يمكن محاذاة Aligned البيانات المناسبة وتكديسها Stacked. يستطيع البرنامج DeepSkyStacker المجاني إنجاز ذلك؛ في حين أن البرامج المدفوعة مثل PixInsight وAstro Pixel Processor وMaxIm DL تفعل ذلك أيضاً، إضافة إلى تميزها بمجموعة واسعة من القدرات الأخرى لمعالجة الصور، والتي يمكن تطبيقها.

يعالج هذا مشكلة دوران المجال، لكن أهداف أعماق السماء غالباً ما تكون خافتة وتحتاج إلى تعريضات زمنية طويلة لتصويرها جيداً. وإلى وقت قريب، كان هذا أحد العوامل الرئيسة التي استبعدت نظام متتبع Go-To السمتي الارتفاعي. ولحسن الحظ فهي لم تعد مشكلة في هذه الأيام. تتمتع الكاميرات DSLR الحديثة الآن بإعدادات حساسية ISO أعلى بكثير حساسية مستشعر الكاميرا لالتقاط الفوتونات التي تضربه ويمكنك الآن الوصول إلى حساسية ISO 3,200 أو 6,400، أو 10,000 (ومع سماء معتمة جداً، يمكن الوصول إلى درجة حساسية 20,000!). يمكن مقارنة ذلك بقيم ISO الأقل بكثير الموجودة في النماذج السابقة، عادةً بقيم 800 أو 1,600، عندما كان يجب عليك أن تلتقط تعريضات طويلة لتسجيل الضوء الخافت لأجرام أعماق السماء. تتيح قيم ISO الأعلى حالياً إمكانية تقليل وقت التعريض الضوئي لجرم ما زال يعطيك بيانات صور أولية Raw image جديرة بالاهتمام ومناسبة للتكديس، ولكنها لا تنتج أي ذيول نجمية.

تكديس البيانات
مع وجود أرقام حساسية ISO على الكاميرات الرقمية DSLR والكاميرات عديمة المرآة التي غالباً ما يستخدمها المبتدئون في التصوير الفلكي، تستخدم أدوات التصوير الفلكي أيضاً كاميرات متخصصة، حيث يُشار إلى الحساسية باسم ”كسب“ Gain. شهدت هذه الكاميرات الفلكية المتخصصة مثل Atik وZWO وAltair Astro، من بين أنواع أخرى زيادة كبيرة في حساسية مستشعراتها. تتمثل نتيجة زيادة الحساسية ISO والكسب في أنه يمكنك التقاط صور غنية بالبيانات تتراوح مدتها بين ثانية واحدة و5 ثوانٍ، و30 ثانية من التعريض من دون قلق من تأثير دوران المجال.

بالطبع، في عالم تصوير أجرام أعماق السماء، يمكن حتى لتعريض ضوئي بمدة 30 ثانية ألّا يسجل كثير من البيانات الخافتة للهدف. ستحتاج إلى التقاط صور أكثر بكثير مما لو كنت تصور باستخدام مجموعة موجهة على متتبع استوائي يمكنه التعريض فترة أطول. هناك بعض الاعتبارات عندما يتعلق الأمر بمعالجة هذه الصور. أولاً، قد يصل حجم جميع اللقطات التي التقطتها معاً إلى عدة ميغابايتات. من المستحسن أن يكون لديك حاسوب محمول أو نظام حاسوب سريع قادر على التقاطها وتنزيلها كلها، ثم تكديسها معاً لتحسين الهدف. لاحظ أنه عند التقاط بياناتك، ما زال يتعين عليك التقاط إطارات مسطحة وداكنة، مما يزيد من كمية المعالجة التي يجب أن ينجزها حاسوبك.

الاعتبار الثاني هو أن كل هذه المعالجات تحتاج إلى حاسوب بمواصفات متقدمة نسبياً. قد لا يأخذ جهازك وقتاً طويلاً لمعالجة عدد صغير من الصور، ولكن عندما تلتقط عدة مئات من الصور، كل منها بحجم 10 ميغابايت أو 20 ميغابايت أو حتى 60 ميغابايت، فهنا يجري فعلاً اختبار قدرة معالج النظام والذاكرة والرسومات لديك! إذا كان لديك حاسوب بمواصفات عادية، فيجب أن تستعد للتحلي بالصبر ولكن الخبر السار هو أن النتائج غالباً ما تستحق الانتظار.

سلالة جديدة من التلسكوبات
هناك قول مأثور قديم في شؤون الأنشطة الفلكية: الحجم الأكبر هو الأفضل. وعندما يتعلق الأمر بأفضل فتحة تلسكوب لنظام متتبع Go-To سمتي ارتفاعي، نجد هذا القول ما زال صحيحاً. ومع ذلك فهذا ليس مشكلة كبيرة في هذه الأيام، وذلك مرة أخرى بفضل الزيادة في درجة الحساسية ISO والكسب في الكاميرات الحديثة. يسمح هذا العامل لأنظمة تلسكوبات الفتحة الصغيرة والمتوسطة نسبياً بالحصول على نتائج جيدة. تشمل الأمثلة الناجحة الحديثة التلسكوب Sky-Watcher Star Discovery P150i Wi-Fi، والتلسكوب Celestron Astro Fi 6 Schmidt-Cassegrain، والتلسكوب Meade LX65 Series 8-inch ACF.

فقد بدا لنا أداء هذه جيداً في أثناء مراجعاتنا (التي يمكنك مطالعتها على موقعنا الإلكتروني) مع تعريضات قصيرة تتراوح بين 1 و10 ثوانٍ على أهداف مثل سديم الحلقة Ring Nebula, M57، والعنقود المزدوج Double Cluster، وNGC 869 وNGC 884، والعنقود الكروي M3، وعنقود الثريّا المفتوح M45. في السنوات الأخيرة رأينا أيضاً متتبعات تتبع سمتي ارتفاعي عالية الجودة، مثل TTS-160 Panther تطرح في الأسواق، والتي يمكنها أن تعطي نتائج مذهلة أيضاً إذا أضيفت إلها أداة تدوير مجال Field rotator.

وبالانتقال للعمل على تلسكوبات أكبر حجماً، فقد حققنا نتائج جيدة مع أنظمة مثل Sky-Watcher’s StarGate 500 Go-To Dobsonian، بتصوير أهداف مثل سديم السرطان Crab Nebula، M1، والسديم الكوكبي NGC 2392، M64، ذي الغلاف المزدوج، ومجرّة العين السوداء Black Eye Galaxy، وحتى أعمدة الخلق Pillars of Creation الشهيرة بسديم النسر Eagle Nebula, M16. ولكن لا بد من التحذير هنا: إذ يمكن أن تعني فتحة التلسكوب الكبيرة، مع إعدادات حساسية ISO أو كسب عالية جداً، أنك تتجاوز مستويات سطوع السماء لكمية التلوث الضوئي في موقعك، وستطمس التفاصيل. لذلك، وعلى الرغم من أنه يمكن ضبط بعض الكاميرات الرقمية DSLR والكاميرات عديمة المرآة على قيم حساسية ISO أكثر من 100,000، فسيتعين عليك دائماً تجربة إعداداتك وفقاً لذلك، ما لم تكن بالطبع تُصوِّر تحت سماء معتمة جداً جداً. 

ومن التطورات المناسبة الأخرى ظهور أنظمة سمتية ارتفاعية ذكية مؤتمتة بالكامل وقادرة على التقاط الصور ومعالجتها وعرضها مباشرة وبسرعة، من خلال هاتفك الذكي أو جهازك اللوحي. وتشمل هذه أنظمة Stellina، وVespera، وHyperia، من شركة Vaonis، والتلسكوبات الذكية eVscope 2، وeQuinox، من شركة UniStellar. وهذا توجه من المقرر أن يستمر، وربما يعطينا لمحة عن تلسكوبات المستقبل.

وعلى الرغم من أن أنظمة المتتبعات السمتية الارتفاعية قد لا تبدو مثل معدات تصوير مشهورة لأجرام أعماق السماء، فإنه، ومع التطورات الحديثة في التحكم الحاسوبي بهذه المتتبعات، إلى جانب الكاميرات عالية الحساسية، وأحدث برامج المعالجة الحالية، يمكنك إنتاج صور للمجرّات والسدم والعناقيد التي تبعث على السرور وتستحق التصوير. وتماماً كما يستخدم عديد من المراصد المحترفة في العالم متتبعات سمتية ارتفاعية محوسبة، فربما تكون معدات Go-To السمتية الارتفاعية مناسبة لتصوير هواة الفلك. والوقت فقط كفيل بإثبات ذلك. 

بول موني Paul Money:

كاتب في علوم الفلك، ومذيع ومحرر المراجعات في مجلة BBC Sky at Night Magazine

---

تكديس الصور وإزالة أثر الدوران منها باستخدام البرنامج Astro Pixel Processor
اتبع دليلَنا لاستخدام برنامج APP لإزالة العيوب من صور متتبعاتGo-To السمتية الارتفاعية

الخطوة 1
افتح البرنامج Astro Pixel Processor. حدد علامة التبويب 1) Load. انتقل إلى مجلد العمل الذي يحتوي على جميع ملفات صورك. حدد الإطارات الضوئية لهدفك وانقر على ‘Open’ لتحميلها. إذا كانت لديك إطارات سوداء ومسطحة، فحددها وأضفها إلى اختيارك أيضاً.

---

الخطوة 2
امنح صورتك اسماً مناسباً لها عند انتهاء عمل المعالجة (يمكنك تغيير الاسم في النهاية بحسب رغبتك). ثم حدد علامة التبويب 2) Calibrate، وعلامة التبويب 3) Analyse stars. يمكن عادة ترك هذه بقيمها الافتراضية إلّا إذا كنتَ تشعر بالفضول وتريد اختبار بعض التعديلات.

---

الخطوة 3
حدد علامة التبويب 4) Register لإظهار نافذتها. الإعداد ‘Quadrilaterals’ هو إعداد افتراضي لرموز التعرف على الأنماط، ولكن إذا كان لديك 250 نجماً أو أقل، فاختر ‘Triangles’. يحتوي البرنامج على نافذة منبثقة مفيدة فيها كثير من المعلومات التي تظهر وتساعد بإرشادك طوال عملك.

---

الخطوة 4
افتح علامة التبويب 5) Normalise، وتأكد من عدم تحديد الخيار ‘Neutralise background’. انقر فوق علامة التبويب 6) Integrate. تعمل الإعدادات الافتراضية بنحو جيد، وهناك كثير من الخيارات التي يمكن للمصورين ذوي الخبرة التعامل بها. مرر إلى أسفل وانقر على ‘Integrate’. سيعمل هذا بعد ذلك عبر جميع علامات التبويب السابقة ويعالج صورتك.

---

الخطوة 5
تعلن إشارة صوتية قصيرة اكتمالَ عملية الدمج، وستظهر الشاشة المبينة في الأعلى، مع عرض صورة مكدسة ومحاذاة ومعالجة. في اليمين، حدد الخيار ‘Neutralise background’، وستكون هناك مجموعة خيارات لضبط الصورة؛ غالباً ما تعطي الإعدادات الافتراضية نتائج جيدة.

---

الخطوة 6
زود البرنامج بمجموعة أخيرة من الأدوات لمعالجة الصورة بدرجة أكبر؛ تُعَد تلك الأدوات التي تزيل التلوث الضوئي، وتضبط معايرة الخلفية E، ومعايرة ألوان النجوم، مفيدة بنحو خاص. وهناك للمصورين ذوي الخبرة كثير من الخيارات لتجربتها. فور الانتهاء، احفظ صورتك لتكون جاهزة لاستيرادها إلى برنامجك المفضل لتحرير الصور.