استكشاف الفضاء مع مجلة Sky at Night
طَوال 200 عدد، كانت مجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine في طليعة أخبار استكشاف الفضاء وعلومه. يستعيد كريس لينتوت هنا بعضاً من أهم الأحداث
اعتمد مشهد كامل السماء الذي رسمته مركبة غايا الفضائية لمجرة درب التبانة على قياسات لما يقرب من 1.7 بليون نجم
لديَّ ذكرى حية عن جلوس حول طاولة الطعام في منزل باتريك موور Patrick Moore، ومناقشة الفكرة التي صارت لاحقاً مجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine. تساءل أحد الحاضرين– من دون ذكر اسماء- عما إذا كان هناك ما يكفي من المحتوى لملء صفحاتها شهراً بعد شهر. وإذا نظرنا إلى الوراء لتذكر مدى انشغال الفريق في أول 200 عدد، فمن الإنصاف أن نقول إن العثور على محتوى كافٍ لم يكن مشكلة. قدمت الذكرى السنوية مبرراً رائعاً للنظر إلى الوراء، سواء كان ذلك لتغطية البعثات إلى بلوتو، أو عودة لزيارة مذنب خاص نوعاً ما، أو العودة إلى اكتشافات الكواكب النجمية التي غيرت البحث عن الحياة في الكون، وغير ذلك كثير. تابع ا https://skyatnight.aspdkw.com لقراءة لتعرف أبرز الأحداث الخاصة في رأيي!
غايا ترسم خريطة لمجرة درب التبانة
تعود جذور علم الفلك إلى رسم خرائط لسماء الليل، وقد جرى رسم أحدث وأكبر خريطة من قِبل مركبة الفضاء غايا Gaia التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية. أُطلقت غايا في العام 2013، ومنذ ذلك الحين سجلت بدقة مواقع وحركات أقرب بليون نجم تقريباً، مما سمح للباحثين بتتبع تاريخ مجرة درب التبانة بنحو لم يسبق له مثيل.
زيادة هائلة في عدد الكواكب النجمية
بعد إطلاقه في العام 2009، أحدث تلسكوب كبلر ثورة في رؤيتنا للكواكب
تلسكوب كبلر (الصورة الداخلية) والكوكب النجمي الذي يحمل اسمه: الكوكب 186f
عبر تاريخ مجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine دارت رحى ثورة علمية بطيئة، مما أدى إلى تغيير طريقة رؤيتنا للكون. فبفضل الدقة المذهلة التي حققتها المعدات الموجودة على الأرض وفي الفضاء على حد سواء، نعلم الآن أن الكواكب شائعة حول نجوم مجرة درب التبانة، وفرضياً عبر أنحاء الكون. إن تلسكوب كبلر الفضائي على وجه الخصوص، الذي بني على أمل اكتشاف مجرد حفنة من الكواكب، قدَّم إلينا جائزة كونية فاقت بكثيرٍ أحلام صانعيه. ويمكننا الآن أن ننظر إلى سماء الليل على أنها حافلة بملايين العوالم الممكنة.
ويا لها من عوالم. فمن كواكب حارة شبيهة بالمشتري، وقريبة جداً من نجومها الأم إلى درجة تبخُّرها، إلى ما يبدو كعوالم تملؤها المحيطات، ومن كواكب شبيهة بكوكب التاتوين Tatooine [في أفلام الخيال العلمي] مع شمسين في سمائها، إلى عوالم تائهة تجول بين النجوم، عثرنا على كل نوع تقريباً من الكواكب التي يمكنك تخيلها. ومن المثير للدهشة أن النوع الأكثر شيوعاً من الكواكب، وهو الأرض الفائقة Supper Earth- التي من حيث الحجم تقع في منزلة بين كوكبنا وشيء مثل أورانوس أو نبتون- لا يوجد في مجموعتنا الشمسية، وأن التفسيرات القديمة لاحتشاد عوالمنا الصخرية قرب الشمس، وعمالقة الغاز بعيداً عنها ربما لم تعد مقبولة.
بالطبع كان العثور على كوكب أرضي آخر حلمَ العلماء ومؤلفي الخيال العلمي على حدٍ سواء. واعتماداً على مدى انتقائيتك، ربما يكون اكتشاف الكوكب Kepler-186f في العام 2014، وهو عالَم بحجم الأرض في المنطقة الصالحة للحياة حول نجم آخر، هو اللحظة التي تحقق فيها الحلم. فإذا تمتع الكوكب Kepler-186f بغلاف جوي وتكوين مشابه لما هو على أرضنا، فمن المحتمل أن يوفر وطناً مضيافاً لنوعٍ حي مثلنا.
هناك عديد من الكواكب الأخرى التي يمكن العثور عليها، ومعداتنا وعمليات مسحنا هي في طريقها إلى تنفيذ هذه المهمة. لكن العقدَين الأخيرين سيكونان دائماً هما الحقبة التي أدركنا فيها حقاً كم يبلغ عدد جيران مجموعتنا الشمسية.
كواكب الجوار
لقد ساعدتنا العشرات من البعثات على مدار الـ 16 عاماً الماضية على كشف ألغاز مجموعتنا الشمسية، وعثرت بدورها على عدد قليل من الألغاز
كاسيني ترصد نفاثات مائية فوق القمر إنسيلادس
تحليقات المركبة الفضائية كاسيني Cassini قُرب قمر زحل، إنسيلادس Enceladus، والتي بدأت في العام 2005، غيَّرت نظرتنا إلى هذا العالم الصغير. ففي أثناء مرورها فوق قطبه الجنوبي، حلقت كاسيني عبر نوافير مائية، كاشفة عن وجود محيط تحت سطحه الجليدي. وقد تبين أن هذه النوافير هي مصدر الحلقة E الرقيقة حول زحل، والأهم من ذلك أنها تجعل هذا العالم، الذي كان غامضاً في السابق، أفضل مكان في المجموعة الشمسية للبحث عن حياة. ومع تزايد الأدلة على وجود محيطات جوفية على قمري المشتري، يوروبا وغانيميد، وربما حتى على بلوتو، فقد تكون هذه البيئات أهم بكثير من العوالم الصخرية مثل كوكبنا الأرضي.
فوسفين على الزهرة
قد يكون هذا اختياراً مثيراً للجدل، لكن كان عليَّ تضمين إعلان العام 2020 باكتشاف جزيئات الفوسفين phosphine في أعالي الغلاف الجوي للزهرة من قِبل الأستاذة جين غريفز Jane Greaves من جامعة كارديف Cardiff University، وفريق من علماء الفلك الدوليين.
هنا على الأرض يَنتُج الفوسفين فقط من خلال عمليات حياتية، وكما ذكرنا في حلقة خاصة وحصرية من برنامج سماء الليل The Sky at Night، فقد يشير وجوده- أؤكد: قد- إلى وجود حياة في مكان كانت أقل توقعاً فيه. انتقدت نتائج فريق علماء كارديف بشدة، لكن الجدل لن يحسمه إلَّا بيانات جديدة، يُتوقع وصولُها قريباً. (يُظهر انطباع فنان، في الصورة الداخلية في الأعلى، تمثيلاً لجزيئات الفوسفين).
ميثان على المريخ
كان المريخ هدفاً لمزيد من البعثات خلال مسيرة مجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine أكثر من أي جرم آخر، وقد أخبرتنا هذه البعثات معاً قصةً متماسكة تقريباً عن ماضي الكوكب الأحمر. يمكننا الآن التأكد من أنه كان في يوم ما عالماً رطباً، تملؤه محيطات وبحيرات، وجميع المواد الخام اللازمة لحياة في مكانها. ومع ذلك، ظهرت أسئلة جديدة، أهمها سبب اكتشاف المركبةُ جوالة كيوريوسيتي Curiosity الميثانَ من حين إلى آخر، بدءاً من العام 2013، ولكن الغريب هو عدم إمكانية رصده من المدار. فهل هذه علامة حياة متشبثة على شكل بكتيريا منتجة للميثان تحت سطح المريخ، أو نتيجة عملية جيولوجية، أو شيء من صنع الإنسان، أو نتاج مادة ملوِّثة؟ لا نعرف بعد.
روزيتا تستكشف مذنباً
من بين جميع البعثات التي حالفني الحظ بتغطيتها، والكتابة عنها، تظل مهمة روزيتا Rosetta هي شيئاً مميزاً حقاً. أشعلت مغامراتُ المركبة الفضائية التي زارت المذنب 67P/Churyumov-Gerasimenko شرارة الإثارة منذ لحظة استيقاظها من سُباتها في العام 2014 واقترابها من المذنب الذي بدا بشكل بطة، وصولاً إلى اصطدامها النهائي بسطح المذنب في العام 2016- وكانت تلك لحظةً تابعتُها بنفسي من مركز تحكم البعثة. فيما بين ذلك كانت لدينا مركبة الهبوط فيلة Philae الشجاعة التي تقافزت عبر سطح المذنب، ومركبة فضائية أوروبية تماثل أياً من بعثات ناسا الاستكشافية الملحمية. وما زال العلماء في حيرة من أمرهم بشأن ما أخبرتنا به روزيتا عن الجرم الجليدي الغامض الذي زارته، لكن من الواضح أن مهمة روزيتا كانت انتصاراً.
مشهد مذهل لبلوتو التُقط عندما كان مسبار نيوهورايزنز على بُعد 450,000 كم من الكوكب القزم
مركبة نيوهورايزنز تعبُر قُرب بلوتو
بالنسبة إلى د. آلان ستيرن Alan Stern، قائد الفريق الذي صمم وبنى وأرسل مهمة نيوهورايزنز New Horizons، فإن استكشاف المركبة لبلوتو قد أكمل الاستكشاف الأمريكي لأجرام المجموعة الشمسية الرئيسة. وقد ذهل العالم من صور سطح بلوتو المذهل والمعقد بنحو مدهش- والتي التُقطت في أثناء تحليق المركبة قربه في 14 يوليو 2015.
مهمة الصيانة الأخيرة لتلسكوب هابل
بعد الخسارة المأساوية لمكوك الفضاء كولومبيا، أُلغيت مبدئياً بعثة الصيانة الرقم 4. غيرَ أن العزم والشجاعة أديا في آخر الأمر إلى إعادة التفكير، وانطلقت البعثة في مايو 2009. وقد أصلحت المشكلات الرئيسة في اثنتين من معدات التلسكوب الفضائي، على الرغم من أن النظم التي أصلحت لم تكن مُصمَّمة ليعبث بها في المدار، بل تمكنت البعثة من تركيب أجهزة جديدة.
رائد الفضاء جون غرونسفيلد John Grunnsfeld يعمل على تلسكوب هابل في أثناء مهمة الصيانة الأخيرة على متن مكوك الفضاء آتلانتس Atalntis
الكون البعيد
مع توافر مراصد أكبر وأفضل، أجرى علماء الفلك عمليات مسح أعمق لأسرار الكون
الانبعاثات الراديوية السريعة
عندما ذهب دنكان لوريمر Duncan Lorimer وديفيد ناركيفيتش David Narkevic للبحث عن البُلسارات (النجوم النباضة) Pulsars في البيانات القديمة من أرشيف تلسكوب باركس الراديوي في أستراليا في العام 2007، لم يعرفا أنهما على وشك تحقيق أحد أكثر الاكتشافات إثارة منذ عقود.
إذ عثرا على ”انبعاث لوريمر“ Lorimer burst المسجَّل في بيانات باركس في العام 2001، والذي صار أول انبعاث راديوي سريع (FRB) أمكن وصفُه. من المعروف الآن أن هذه الأحداث التي ما زالت غامضة تأتي من مجرات بعيدة، وأنها قد تكون نتيجة تصادم نجوم نيوترونية Neutron stars، أو في بعض الحالات نتيجة تفاعل مثل هذا الجرم مع نجم ضخم من نجوم تسلسل رئيس Main sequence star. ومع فهرسة الآلاف من هذه الانبعاثات الراديوية السريعة، فإن الوقت هو ما سيحدد طبيعتها.
موجات الجاذبية
انتصار رائع للفيزياء التجريبية قام على أكثر من أربعة عقود من العمل الشاق، إذ قدَّم اكتشاف أول موجات الجاذبية Gravitational waves من قِبل تجربة مرصد مقياس التداخل الليزري (اختصاراً: المرصد لايغو LIGO) في العام 2015 اختباراً جديداً لنظريات ألبرت أينشتاين، وفتح نافذة جديدة على الكون، ومهد الطريق لما سيكون جزءاً رئيسً من قصة فيزياء القرن 21.
التموجات في الزمكان Ripples in space-time التي اكتشفها المرصد لايغو هي ضئيلة، لكنها جلبت لنا أخباراً عن بعض العمليات الأكثر عنفاً وحيوية في الكون: اصطدام ثقبين أسودين في مجرة بعيدة، على بعد 1.3 بليون سنة ضوئية.
المادة المعتمة في تجمع الطلقة Bullet Cluster
عندما بدأت المجلة، كنت أتمنى أنه ستكون لدينا بحلول وقتنا هذا فكرة عما يتكون منه الكون. ومع ذلك، مع عدم وجود دليل تجريبي مقنع يدعم نوع الجسيم المسؤول عن المادة المعتمة Dark matter، فإن البدائل (مثل تعديل نظرية الجاذبية) تبدو أكثر إغراء. ومع ذلك، في مدة الـ 16 عاماً الأخيرة، شوهد تأثير المادة المعتمة في حركة النجوم والمجرات بنحو أوضح. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رسم علماء الفلك خريطة لعنقود الطلقة Bullet Cluster، ووجدوا أن التوزيع كان مختلفاً عما هو متوقع بوجود مادة عادية فقط، حتى عندما تستخدم نظرية جاذبية بديلة، مما يوفر دليلاً على أن المادة المعتمة هي شيء حقيقي.
توتر هابل The Hubble tension
لم تكن الأخبار الكونية الكبيرة خلال مسيرة مجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine في الحقيقة اكتشافاً واحداً، أو إثباتاً درامياً لنظرية جديدة، بل ذلك الشعور المتنامي بأن فهمنا للكون المحيط بنا ينقصه شيء ما.
يعكس ما يسمى بـ’توتر‘ هابل Hubble ‘tension’ خلافاً قوياً بين سرعة توسع الكون، كما قيست محلياً، والسرعة التي استُنتجت من أرصاد الكون المبكر. هل هذا دليل جوهري يقودنا إلى بعض التفاصيل الفنية لكيفية إجراء الأرصاد؟ أنا لا أعرف، ولكن لا أحد يعرف أيضاً.
بدء رحلات الفضاء الخاصة
من رفع أقمار اصطناعية بحجم صندوق الأحذية إلى حمل أطقم بشرية كاملة، قطعت رحلات الفضاء الخاصة شوطاً بعيداً في العَقد الماضي
أذكر بوضوحٍ اللحظةَ التي أدركت فيها أن شركة سبيس إكس SpaceX ستكون شركة تحول مفهومنا للسفر في الفضاء. جلست أمام حاسوبي المحمول في نهاية العام 2012، وشاهدت صاروخ الاختبار غراسهوبر [الجرادة] Grasshopper (نموذج أولي لما سيصير الصاروخ فالكون ناين Falcon 9) وهو يرتفع بسلاسة عن الأرض، ويصعد في الهواء ثم يعود ليهبط برفق على منصة الإطلاق، كما لم يفعل صاروخ قبله. حتى ذلك الحين بدت الإنجازات الكبيرة لشركة سبيس إكس، بما في ذلك إطلاق كبسولة دراغون [التنين] Dragon إلى محطة الفضاء الدولية ISS، كأنها طريقة مفيدة لإعادة إنتاج ما كانت تفعله الحكومات منذ عقود. والآن يعدُنا احتمال وجود مركبة قابلة لإعادة الاستخدام فعلاً وقادرة على الوصول إلى المدار بشيء جديد.
في العام 2017 تلتحم كبسولة دراغون -من الشركة التي أسسها إيلون ماسك Elon Musk: سبيس أكس SpaceX- بمحطة الفضاء الدولية ISS…
الضجيج حول شركات ”الفضاء الجديد“ نشأ في عام سابق على الأقل لإطلاق مجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine ـ- بعد حصول مشروع سبيس شيب وان SpaceShipOne على جائزة أنصاري إكس Ansari X البالغة 10 ملايين دولار للوصول إلى الفضاء مرتين في العام 2004. والآن، وبعد ما يقرب من 17 عاماً على بداية المجلة، يتحقق وعد تلك الأحلام المبكرة، حيث نقلت شركة سبيس إكس رواد فضاء وكالة ناسا إلى محطة الفضاء الدولية، وأخذت شركة بلو أوريجين Blue Origin البليونيرات (وأيضاً وليام شاتنر William Shatner) في رحلة هي متعة العمر، وتتنافس الشركات (الآن) على إطلاق الأقمار الاصطناعية مقابل أسعار لم يكن عملاؤها يحلمون بها قبل عَقد من الزمن.
… وجيف بيزوس Jeff Bezos يستمتع برحلة إلى الفضاء على متن طائرة نيو شيبرد [الراعي الجديد] New Shepherd من شركة بلو أوريجين Blue Origin، في يوليو 2021
ستكشف السنوات العشرون المقبلة عن تأثير هذا التحول. هل ستنخفض تكلفة إرسال شيء ما إلى المدار انخفاضاً كبيراً؟ هل سيحمل الزخْم المستكشفين إلى القمر، أو المريخ، أو ما بعده؟ هل ستحجُب عشرات الآلاف من الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض رؤيتنا لسماء الليل إلى الأبد؟ نوشك أن نعرف هذا.
الصورة الشهيرة لتلسكوب أفق الحدث للثقب الأسود الهائل في المجرة M87
التقاط أول صورة لثقب أسود
فور الكشف عنها في العام 2019، أصبحت صورة تلسكوب أفق الحدث Event Horizon Telescope لظل الثقب الأسود في قلب المجرة M87 رمزاً كلاسيكياً. أنتجت الصورةَ شبكةٌ عالمية من التلسكوبات الراديوية، وهي تكشف عن مدى تعقيد الأحداث التي تقع في المنطقة خلف أفق حدث الثقب الأسود.
عالم فيزياء فلكية، ويشارك في تقديم برنامج سماء الليل The Sky at Night