أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونيات

إرث مكوكات ناسا الفضائية

بعد مُضي عَقد على الرحلة الأخيرة، تستذكر ميليسا بروبي حقبة مكوك الفضاء

ميليسا بروبي Melissa Brobby:
متخصصة في نقل العلوم، ومديرة التواصل الاجتماعي في معهد الفيزياء Institute of Physics.

صادف شهر يوليو الماضي الذكرى العاشرة لآخر رحلة مكوك فضائي لوكالة ناسا: ففي يوم 21 يوليو 2011، اختتم هبوط المكوك آتلانتس Atlantis ثلاثة عقود من برنامج مكوك الفضاء بعد إنجاز 135 بعثة. ربما تكون مكوكات الفضاء قد هبطت آخرَ مرة، لكن كثيراً من الإنجازات التاريخية ما كانت لتُحقَّق لولاها.
عندما انطلق مكوك الفضاء كولومبيا في العام 1981، بقيادة رائد بعثة أبولو جون يونغ John Young والوافد الجديد بوب كريبن Bob Crippen، فقد مثل ذلك بدء برنامج مكوك الفضاء التابع لناسا، وصارت المركبة الفضائية جزءا منتظما من الفضاء، حيث أطلقت الأقمار الاصطناعية وأصلحتها في أثناء وجودها في المدار. حققت كثيراً من الإنجازات الشهيرة أولَ مرة بفضل برنامج المكوك الطموح، بما في ذلك إطلاق أول امرأة أمريكية في الفضاء، سالي رايد Sally Ride (في العام 1983)؛ وأول امرأةــطيّار وقائدة للمكوك، إيلين كولينز Eileen Collins (في العام 1995)، وأول رجل وامرأة أمريكيين أسودين يطيران إلى الفضاء، هما غيون بلوفورد Guion Bluford (في العام 1983) وماي جيميسون Mae Jemison (في العام 1992). وفي العام 1984، شهد البرنامج أيضاً أول سَير في الفضاء من دون كبل رابط، فاختبرت وحدة المناورة المأهولة Manned Maneuvering Unit (اختصاراً MMU)، وهي وحدة دفع نفاثة، تسمح لرواد الفضاء بالتحرك باستقلال والانتقال بعيداً عن المكوك.
وهناك بعثة مهمة من بعثات مكوك الفضاء، هي بعثة إطلاق تلسكوب هابل الفضائي في المدار، وقد نُقل على متن المكوك ديسكفري في العام 1990. وعندما اكتُشف وجود عيب في المرآة الرئيسة للتلسكوب، أُرسلت إليه خمس بعثات مكوكية أخرى بين العامين 1993 و2009 لتنفيذ عمليات صيانة ناجحة؛ وأضافت هذه البعثات معدات جديدة لتصحيح العيب وإصلاح جيروسكوب gyroc تثبيت التلسكوب، ليحفظ ذلك هابل ويبقيه يعمل.

في مهمة
صُمم مكوك الفضاء ليكون مركبة فضائية مدارية منخفضة التكلفة وقابلة لإعادة الاستخدام. يعود سبب متانته إلى تصميمه الفريد: الانطلاق باتجاه الأعلى مثل صاروخ والعودة إلى الأرض مثل طائرة شراعية. كان المكوك قادراً على حمل مزيد من رواد الفضاء والحمولات الكبيرة إلى المدار، مثل الأقمار الاصطناعية ومسابير إلى الكواكب، وعمل كموقع لإجراء البحوث العلمية المتقدمة. في الواقع كانت أهم مهام مكوك الفضاء هي بناءَ محطة الفضاء الدولية (ISS)، التي استغرقت 13 عاماً، وعدداً كبيراً من رحلات المكوك.
ومع ذلك فقد أدت الرغبة في عمليات الإطلاق المتكررة إلى إجهاد القوى العاملة، وحالات خطيرة انسلخت فيها البلاطات العازلة للحرارة في أثناء الإطلاق، وتعطل المحرك الرئيس على مشارف الفضاء، وأظهرت معززات الصواريخ الصلبة Solid-rocket علامات تسرب الغاز الساخن من الوصلات.
غير أن المآسي ستضرب برنامج مكوك الفضاء مرتين. في العام 1986، انفجر المكوك تشالنجر Challenger بعد 73 ثانية من إطلاقه، ما أسفر عن مقتل الطاقم بأكمله، بما في ذلك الرائدة كريستا ماك أوليف Christa McAuliffe التي كانت ستصير أول معلمة في الفضاء. أُلقي اللوم على فشل قطعة وصل Solid rocket boosters في معززات الصواريخ الصلبة وتساهل في ثقافة الأمان في وكالة ناسا. ثم، في فبراير 2003، تحطم مكوك كولومبيا عند عودته من الفضاء، ما أسفر عن مقتل جميع أفراد طاقمه السبعة. اكتشف لاحقاً أن السبب هو قطعة رغوة سقطت من الخزان الخارجي في أثناء الإطلاق، مما أدى إلى إصابة القطع العازلة للحرارة وإعطابها، وسبَّب هذا تفكك المكوك وتحطمه عند عودته، وقتل جميع أفراد الطاقم السبعة. هاتان الحادثتان أوضحتا أن مكوك الفضاء يعاني مشكلات كبيرة في مجال السلامة، وفي العام 2004 أعلن الرئيس جورج دبليو بوش تقاعدَ برنامج المكوك فور اكتمال بناء محطة الفضاء الدولية.

إرث مكوك الفضاء
على الرغم من ذلك، قاد مفهوم المكوك الفضائي الطريق لتطوير صواريخ إطلاق أخرى إلى مدار أرضي منخفض. أحد هذه الصواريخ هو صاروخ فاكون 9 (Falcon 9) من شركة سبيس إكس SpaceX، وهو صاروخ مكون من مرحلتين، يمكن إعادة استخدام المرحلة الأولى منهما، فهي تعود لتدخل الغلاف الجوي مرة أخرى وتهبط عمودياً على سفينة من دون طاقم. لكن شركة سبيس إكس ليست اللاعب الوحيد في لعبة رحلات الفضاء في المدار الأرضي المنخفض؛ فصاروخ نيو شيباردNew Shepard من شركة بلو أوريجين Blue Origin هو مركبة إطلاق قابلة لإعادة الاستخدام بإقلاع وهبوط عموديين، وستكون بمنزلة نظام تجاري لسياحة الفضاء شبه المدارية. وهناك أيضاً شركة فيرجين غالاغتيك Virgin Galactic، مع مركبتها الفضائية شبه المدارية القابلة لإعادة الاستخدام، وهي في قيد التطوير حالياً للسياحة الفضائية، مما يفتح المجال لأي شخص لتجربة رؤية الأرض من الفضاءـــ إذا كان لديك المال طبعاً.
أما خارج الولايات المتحدة، فيُعتقَد أن الصين قد أطلقت طائرتها الفضائية القابلة لإعادة الاستخدام في شهر سبتمبر 2020، ومن المحتمل أن لديها مشاريع مأهولة وغير مأهولة في قيد التطوير. كما تُطور الهند مركبة أفاتار Avatar، وهي طائرة فضائية مدارية قابلة لإعادة الاستخدام، لإطلاق أقمار اصطناعية عسكرية وتجارية، ومن المقرر اكتمال صنعها بحلول العام 2025. يمكن النظر إلى كل هذه المشاريع بوصفها أفكاراً مستوحاةً من الإنجازات الرائدة لبرنامج مكوك فضاء وكالة ناسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى