كيف غيّرت الصين من علم الفلك
جيمي كارتر يكشف عن كيف يعود تعطش الصين لعلوم الفضاء إلى تقاليدها القديمة عن السماء
جيمي كارتر Jamie Carter:
صحافي علمي ومحرر في موقع WhenisTheNext Eclipse.com
أشكال الكوكبات Constellations كما نعرفها تأتي من الأساطير اليونانية والرومانية القديمة. وقد سمي علماء الفلك المسلمين العديدَ من النجوم اللامعة التي نراها مثل منكب الجوزاء Betelgeuse أو Alpha (α) Orionis، والردف (ذنب الدجاجة Deneb) أو Alpha (α) Cygni، والغول Algol أو Beta (β) Perseiأ -بأسماء عربية. غير أن ما نغفل عنه عندما ننظر إلى سماء الليل هو التأثير المذهل لعلماء الفلك الصينيين.
يعرف الجميع السنة الصينية أو القمرية الجديدة، والتي تبدأ في اليوم التالي للقمر الجديد الأول الذي يصادف بين 21 يناير و 20 فبراير (حسب التقويم الغريغوري Gregorian calendar)، وتنتهي مع اكتمال القمر في نهاية العام. قد تعرف أيضاً الاعتقاد الصيني بأن الشمس تُكسف عندما يأكل التنين الشمس. ربما ما لا تعرفه هو أن علماء الفلك الصينيين كانوا أول من سجل تسجيلا موثوقا كلاًّ من الكسوف الكلي للشمس (780 ق. م)، ومرور مذنب هالي (239 ق. م.).
درس علماء الفلك الصينيون السماء ليلا لفترة أطول من أي حضارة أخرى. واكتشف علماء الآثار في الصين أقدم خرائط النجوم وأقدم سجلات البقع الشمسية، إذ طوّروا طريقة فريدة للنظر إلى سماء الليل في عام 1200 ق. م.. كما يُنسب الفضل إلى عالمي الفلك غان دي Gan De وشي شن Shi Shen كأول من أنشأ فهارس للنجوم في القرن الرابع ق. م.، وأجرى الراهب البوذي يي شينغ Yi Xing (أدناه) مسحاً فلكياً في القرن الثامن الميلادي، للمساعدة على التنبؤ بحوادث كسوف الشمس.
تقسم تقاليد الصين الخاصة بالنجوم السماء إلى أربع مجموعات مكونة من 283 كويكبة (أو علامة) نجمية Asterisms (شينغ غوان Xing guan). وثلاث من هذه المجموعات هي “محوطات” Enclosures من النجوم القريبة من نجم الجدي Polaris. ويحيط بهذا النجم “المحوطة الأرجوانية المحظورة” Purple Forbidden enclosure (والتي تشمل الدب الأصغر)، و“محوطة القصر العليا” Supreme Palace enclosure (بما في ذلك كوكبة العذراء Virgo والهلبة Coma Berenices والأسد Leo) و“محوطة السوق السماوية” Heavenly Market enclosure (مع الحية Serpens، والحوّاء Ophiuchus، والعقاب Aquila، والإكليل الشمالي Corona Borealis).
المجموعة الرابعة تضم “المنازل الثمانية والعشرين” Twenty-Eight Mansions (مجموعات نجوم) التي هي نفسها مقسمة إلى أربع مجموعات من سبعة رموز. وتشمل هذه الرموز العديد من العلامات النجمية والعناقيد النجمية التي يمكن تحديدها بسهولة. فعلى سبيل المثال، ضمن رمز “نمر الغرب الأبيض” White Tiger of the West (الذي يعادل كوكبة الثور) توجد منزلة “شن” Shen (“ثلاث نجوم”) و“ماو” Mao (“رأس مشعر”) يُعرف في الغرب بحزام الجبّار Orion’s Belt وعنقود الثريّا Pleiades المفتوح، على التوالي. وفي عام 1054 م.، في منطقة “نمر الغرب الأبيض” من سماء الليل رأى علماء الفلك الصينيون نجماً جديداً ولامعاً جداً. فقد كان سوبرنوفا؛ وقد رصده أيضاً فلكيون يابانيون وكوريون وعرب، وهو ما نعرف منه حاليا بقاياه سديم السرطان Crab Nebula، M1.
خطط مستقبلية كبرى
وبمكانة محورية لها في الماضي من تاريخ علم الفلك، تستعد الصين حالياً أيضاً للتأثير في مستقبله. فقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً في علوم الفلك والفيزياء الفلكية في الصين؛ وهي الآن الدولة الثانية في العالم إنتاجاً في علوم الفلك وأبحاث الفضاء، بعد الولايات المتحدة.
وتدعم هذا التعطش للمعرفة الفلكية بالبعثات الفضائية وإنشاء المعدات الفلكية. ففي عام 2016 افتتح التلسكوب الراديوي الكروي بفتحة قطرها 500 متر Five-Hundred-Meter Aperture Spherical RadioTelescope (اختصاراً:التلسكوب FAST) بتكلفة بلغت 127 مليون جنيه إسترليني في منطقة غوانزو Guizhou، في جنوب غرب الصين، ويسمى أيضاً “تيانيان” Tianyan (عين السماء)، للكشف عن الانبعاثات الراديوية السريعة (FRBs) والبلسارات (النجوم النبّاضة) Pulsars (نجوم نيوترونية نشأت من انفجار سوبرنوفا ذات مجالات مغناطيسية قوية). ولكونه أكبر مرصد لاسلكي يتألف من طبق واحد في العالم، فقد تعززت أهمية التلسكوب FAST بعد تحطم التلسكوب الراديوي آرسيبو Arecibo. ويبدو أنه عازم على أن يغدو منشأة عالمية؛ فقد حدد علماء الفلك الذين يستخدمون التلسكوب FAST حتى الآن نحو 300 نجم نابض ويرغبون في استخدامه للعثور على أول نجم بلسار Pulsar خارج مجرة درب التبانة. كما سيُستخدم التلسكوب FAST أيضاً في عمليات مسح السماء، والبحث عن الكواكب النجمية Exoplanet ذات المجالات المغناطيسية، ولرسم خرائط السحب الغازية بين النجوم. كما سيستمع أيضاً إلى إشارات من أي حضارات فضائية قد تكون موجودة هناك.
بل إن سمعة الصين في الأوساط العلمية قد بلغت عنان السماء في الأشهر القليلة الماضية فقط. فقد أعادت بعثة تشانغه Chang’e 5 التابعة لإدارة الفضاء الوطنية الصينية التي سميت على اسم إلهة القمر الصينية 1.7 كغم من عينات تربة القمر في شهر ديسمبر 2020. وففي الشهر التالي، أطلقت الصين سياسة “السماء المفتوحة” Open sky لاستخدامات المرصد FAST، إذ أتاحت هذا المرصد لأرصاد وأبحاث علماء الفلك من معظم أنحاء العالم. بعد ذلك في فبراير 2021، وصلت مركبة الفضاء تيانوين -1 Tianwen-1 التي أطلقتها إدارة الفضاء الوطنية الصينية CNSA إلى كوكب المريخ.
وبينما تستعد الصين لتكون ثاني دولة تسيّر مركبة جوالة لها على الكوكب الأحمر، نرى إدارة الفضاء الوطنية الصينية CNSA وهي توشك أيضاً على إطلاق محطة فضائية معيارية مأهولة، هي “تيانغونغ” Tiangong (قصر السماء). وإذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة، فهذا الدليل يثبت أن الصين قد ثبتت بصرها بقوة على موقع بعيد بين النجوم.