الكوكب الأحمر
جمرة تتوهج بسطوع .. اجتاز كوكب المريخ الآن نقطة تقابله، ولكن كما يوضح لنا بول غ آبل، سيظل الكوكب معنا في سماء المساء لأشهر أخرى من الرصد النافع
بول غ. آبل Paul G Abel: مدير قسم كوكبيْ عطارد والزهرة في الجمعية الفلكية البريطانية، وهو عالم فيزياء نظرية من جامعة ليستر
في شهر أكتوبر من هذا العام وصل كوكب المريخ إلى نقطة تقابله Opposition ليحقق أفضل مشهد له في سماء المنطقة العربية منذ سنوات عديدة. فقد بدا مثل قطعة فحم متوهجة بسطوع، ولم يكن ممكناً للعين أن تخطئه في سماء المساء المعتمة. ونظراً لأن كوكب الأرض يبتعد الآن عن المريخ، فهو سيواصل تراجعه حجماً وخفوتاً، فقد تظن أنه لم يبقَ منه سوى القليل لرصده واستكشافه؛ لكن لا شيء أبعد من هذا عن الحقيقة، لأنه سيظل عالياً ومشرقاً في سماء المساء لشهور قادمة. وللكثيرين، فإن ظهوره في وقت أكثر ملاءمة في سماء المساء المعتمة سيكون هو الوقت الذي يجذب إليه الانتباه فعلاً.
المريخ هو عالم ديناميكي، وفي الأشهر القليلة المقبلة سيكون هناك بعض التغييرات الرائعة على الكوكب الأحمر. فمع نهاية العام سيبلغ قطر المريخ الظاهري 11 ثانية قوسية أي كبيراً بما يكفي لمن يرصده بالعين المجردة أو المنظار المزدوج. وسيجد مستخدمو التلسكوبات الصغيرة والمتوسطة أن هذا القطر المعقول للكوكب الأحمر سيكون أكثر من كافٍ لمتابعة التغيرات الموسمية المقبلة، في حين أن أصحاب التلسكوبات الكبيرة سيستطيعون متابعته لفترة أطول بكثير، إذ يظل المريخ بقطر يزيد على ست ثوانٍ قوسية حتى نهاية شهر مارس 2021. وسنسلط الضوء هنا على بعض التغيرات الموسمية التي يمكن توقع رؤيتها بالتلسكوب، وأفضل طريقة لرصدها.
سنة مريخية
يميل المريخ ميلاً محورياً يعادل 25°، ولذا فهو يمر بفصول محددة جيداً من شتاء وربيع وصيف وخريف أثناء حركته في مداره حول الشمس. وتماماً مثلما هي الأرض، يمر نصفا كرته المتعاكسان بفصول متعاكسة: فصيف نصفه الشمالي يقابله الشتاء في نصفه الجنوبي. ونظراً لأن العديد من التغيرات على كوكب المريخ تحدث بسبب تغير الفصول، فمن المهم- في أي وقت محدد- أن نتتبع مكاننا بالضبط في تقويم المريخ. وابتكر علماء الفلك طريقة بسيطة لأداء ذلك تدعى بخط الطول Solar longitude، (اختصاراً: الخط Ls).
بوسعك أن ترى في الرسم البياني أعلاه مدار المريخ مقسماً على 12 فترة؛ يمكن اعتبار الخط Ls على أنه الزاوية التي يصنعها المريخ أثناء حركته حول الشمس. واعتبر علماء الفلك أن الاعتدال الخريفي في نصف الكرة الجنوبي هو القيمة Ls = 0°، وبذلك سيشهد شهرنا المريخي الأول قيمة الخط Ls تتراوح من 0° إلى 30°، في حين يرى الشهر الثاني أن مجال الخط Ls يتراوح من 30° إلى 60°، ويتوافق مع صيف متأخر في الجنوب. وفي غضون ذلك، ينتقل نصف الكرة الشمالي إلى فصل الربيع. ونستمر بهذه الطريقة حتى نقسم عام المريخ إلى 12 شهراً، كل منها يمتد بطول 30° من مدار الكوكب الأحمر.
وبالطبع، فإن شهور المريخ هي أطول من أشهر كوكب الأرض، وذلك لأن سنة المريخ هي ضعف مدة سنتنا الأرضية. وبالبحث عن قيمة Ls، يمكننا تحديد مكان كوكب المريخ بالضبط في مداره، وتحديد الفصول التي يجب أن تكون في نصفه الشمالي أو الجنوبي. يمكننا أيضاً تحديد أحداث مهمة أخرى: يحدث الحضيض الشمسي Perihelion (عندما يكون المريخ بأقرب مسافة له إلى الشمس) عند الخط Ls = 251°. ولهذا، فعندما يحدث التقابل بالقرب من قيمة Ls هذه، نعلم أنه سيكون تقابل “حضيضي” Perihelic oppositionـــ مثلما كانت حال تقابل شهر أكتوبر الماضي. يمكنك العثور على قيمة Ls باستخدام البرنامج المجاني WINJUPOS (الذي يمكن تنزيله من الموقع الإلكتروني:
http://jupos.org/gh/download.htm)؛ إنها القيمة المسماة “خط طول الشمس” في موقع “التقويم الفلكي” Ephemerides. يعرض دليل الجمعية الفلكية البريطانية The Handbook of the British Astronomical Association هذه القيم في “قسم المريخ” Mars Section.
التغيرات الموسمية
في بداية شهر نوفمبر بلغت قيمة الخط Ls نحو 310°، ومن ثمَّ فهي فترة أواخر الصيف في نصف الكرة الجنوبي. ويبدأ الآن حدوث عدد من التغيرات يتقلص الآن الغطاء القطبي الجنوبي (اختصاراً: الغطاء SPC)، ويؤدي هذا إلى عودة المواد المتطايرة، مثل الغبار وبخار الماء، إلى الغلاف الجوي للمريخ. انتبه للسحب البيضاء اللامعة التي تتجمع حول براكين ثارسيس Tharsis. ويمكن لجبل أولمبوس مونس Olympus Mons بخاصة أن يجذب السحب الساطعة التي ستدل على موقعه عند النظر بتلسكوبات صغيرة إلى متوسطة فأكبر بركان في النظام الشمسي لن يرى بمثل هذه التلسكوبات دون علامة السحب تلك.
كما يتجمع الضباب والسحب الساطعة في الأحواض العميقة؛ في شهر يناير 2021، راقب حوض هيلاس Hellas Basin جنوب منطقة سيرتيس ميجور Syrtis Major. ليس من غير المألوف أن يمتلئ حوض هيلاس بالغيوم البيضاء في وقت قريب من الصباح أو المساء، ونتيجة لذلك يمكن أن يبدو ساطعاً جداً. كما أن مناطق إيريدانيا Eridania وإلكتريس Electris وكرايس Chryse هي أيضاً مناطق تميل إلى جذب السحب.
اعرف فلاترك
تقدم الفلاتر (المرشحات) البصرية مساعدة كبيرة عند رصد المريخ تأتي معظم التلسكوبات مع مجموعة منها، وهي سهلة الاستخدام. ويمكنك ببساطة تثبيتها حلزونياً إلى قاعدة العينية. ولكل فلتر منها ميزته، ويمكنك تحديد كل واحد منها إذا نظرت إلى رقم W على جانبها؛ وهذا يعطي “رقم راتن”
Number Wratten للفلتر. وإذا كان لديك تلسكوب صغير إلى متوسط الحجم، فحاول استخدام فلتر أزرق فاتح (W80 أو W8OA) لزيادة وضوح السحب البيضاء.
إذا رأيت ضباباً وسُحباً بيضاء، فإن الأمر يستحق قضاء بعض الوقت في مراقبتها لأنها يمكن أن تكون ديناميكية تماماً، وهي غالباً ما تتشكل وتتبخر في مدة ساعة أو ساعتين. ومما قد يثير الشعور بالرضا مشاهدة تلك السحب الساطعة التي احتشدت في برد الصباح الباكر عند حوض هيلاس، وهي تتفرق ببطء أثناء جلستك الرصدية.
عندما تظهر السحب اللامعة على طرف الكوكب، فهي قد تكون ساطعة فعلاً. إذا كان لديك تلسكوب أكبر حجماً، سيساعدك فلتر W47 البنفسجي على إبراز التفاصيل الدقيقة بوضوح. وسيجعل الفلتر الأصفر W15 الغطاء القطبي الجنوبي أسهل للرؤية، لأنه الآن صغير جداً ويمثل تحدياً للتلسكوبات الصغيرة.
بحلول شهر يناير 2021 يحل فصل الربيع في نصف المريخ الشمالي ويمتد الغطاء القطبي الشمالي الشاسع جنوباً. يجب أن تكون قادراً على أن تلمحه كضباب أبيض مُزْرقٍّ على الطرف الشمالي، وسيصير أكثر وضوحاً مع نهاية العام. سيبدأ ميل المريخ أيضاً بالتغير بدءاً من شهر يناير 2021 فتالياً، سيأخذ نصف الكرة الشمالي تدريجياً وضعاً أفضل لمشاهدة معالم الوضائية albedo المعروفة مثل آسيداليوم Acidalium وإليزيوم Elysium. ومع مجيء شهر مارس، قد يتمكن الراصدون الذين يستخدمون تلسكوبات أكبر من رؤية الغطاء القطبي الشمالي.
عند الخط Ls = 0°، يجب أن تبدأ الظاهرة المعروفة بـ“شريط السحب الاستوائية” Equatorial cloud band‘
(اختصاراً: الشريط ECB) بالظهور. ويأخذ هذا الشريط شكل سحابة بيضاء رقيقة على طول خط الاستواء. وعندما يمر فوق مناطق أكثر إعتاماً مثل منطقة سيرتس ميجر؛ مما قد يجعل المعالم تبدو أكثر زرقة. انتبه لهذه الظاهرة بدءاً من أوائل فبراير 2021 فصاعداً.
يبدأ موسم العواصف الترابية المعروف من خط الطول Ls=240°، لذا احرص على مراقبتها (انظر الإطار في الصفحة المقابلة). فعادة ما تبدأ هذه العواصف نشاطها كسحب برتقالية صغيرة، ويسهل رؤيتها إذا كنت تستخدم فلتراً أحمر (W25) عند رصدك المريخ. ويمكن للعواصف الترابية أن تتطور بسرعة كبيرة، ومن المهم تتبعها وأي تغيرات سطحية تصاحبها.
تغييرات طويلة المدى
تحدث كل هذه التأثيرات الموسمية تغييرات طويلة المدى على سطح الكوكب. ويمكن للعواصف الترابية على وجه الخصوص أن تحدث تغييرات واضحة تماماً في سمات الوضائية Albedo features المعتمة، حيث تأخذ كميات هائلة من الغبار بالتحرك والترسب في مواقع جديدة. فلا يتعين على المرء سوى إلقاء نظرة على خريطة المريخ المرسومة في ستينات القرن العشرين ليرى كيف تغيّر عدد من المعالم مثل سيرتس ميجر Syrtis Major وسوليس لاكوس Solis Lacus مع مرور الوقت. ففي السنوات القليلة الماضية تغير معلم الوضائية في نصف الكرة الشمالي المعروف بــ آسيداليوم Acidalium بدرجة كبيرة، وسيكون من المهم تتبع أي تغييرات جديدة تنتج من عواصف ترابية مستقبلية.
من المستحسن أن تسجل ملاحظاتك في دفتر رصد خاص (انظر الإطار: الصفحة 65)؛ لأن هذا سيسمح لك بتتبع معظم التغيرات وأنماط الطقس الموسمية التي رصدتها. إنها أيضاً طريقة رائعة للتعرف على الجغرافية المريخية، خاصةً إذا كان لديك العديد من الرسومات للمعلم نفسه.
سيأخذ الأمر بعض الوقت قبل أن يظهر المريخ رائعاً مرة أخرى بروعة ظهوره الحالي. اغتنم الفرصة لمتابعة الكوكب الأحمر لأطول فترة ممكنة، وتتبع معظم التطورات المثيرة التي تحدث فيه.