صدفة كونية… مستمرة
منذ العصور القديمة كان يُنظر إلى المذنبات على أنها نذير كارثة وشيكة. فهل يحافظ المذنب نيووايز على هذه التقاليد في ظل الجائحة العالمية الراهنة؟
بول ترولاف Paul Truelove: عضو في جمعية علم الفلك في برمنغهام، يرصد حوادث الكسوف والخسوف واحتجاب أقمار المشتري بتلسكوباته العاكسة المصنوعة يدوياً. وقد أثارت اهتمامه سلسلة البطاقات التي أصدرتها شركة بروك بوند تي Brooke Bond Tea في عام 1957 عن علم الفلك
منذ أن كان هناك أناس يفكرون فيما قد يحمله المستقبل، فقد نظرت البشرية إلى السماء بقلق بحثاً عن بشائر ونذر على ما قد ينتظرنا في المستقبل.
ونظراً للثقة والقناعة التي منحتنا إياها معارفنا العلمية، فمن الصعب علينا حاليا تفهم الخوف الحقيقي جدا، والاعتبارات الجادة الذي أُسبغت على أقصر الظواهر الطبيعية غير العادية. وحتى أحداث الأرصاد الجوية النادرة نسبياً، مثل ظهور هالة القمر مع فرصة وقوع كوكب ضمن هذه الهالة، فقد أدت إلى ظهور مثل هذه الأقوال، من قبيل “إذا كان القمر محاطاً بهالة، وكان هناك كوكب فيها: سيكثر نهب اللصوص”، وهو ما صدَّقه الجميع.
ولذلك؛ فقد كان الظهور المفاجئ غير المتوقع لجرم مثير وغامض، مثل مذنب لامع، أمراً مقلقاً. ولا عجب في أن المذنبات اعتبرت دوماً نذر أحداث كارثية أو حاسمة. ومع ذلك، فهناك حقيقة غريبة فعلاً، وهي أن المذنبات اللامعة عبر التاريخ المدوَّن كثيراً ما ظهرت في ذات الأوقات التي حدثت فيها ظروف درامية ومغيرة للعالم.
وربما كان المثال الأشهر هو مذنب هالي، الذي ظهر عبر السماء عام 1066 قبل هزيمة الملك هارولد في معركة هاستينغز. وتسجل لوحة التطريز بايو Bayeux Tapestry ظهور المذنب، كما يظهر عليها أيضاً عدداً من نبلاء بلاط الملك هارولد وهم ينظرون جميعاً إلى الأعلى ويشيرون بقلق إلى “النجم المكسو بالشعر” الذي ظهر بصمت.
ومن المعروف على نطاق واسع أن يوليوس قيصر قُتل في عام 44 ق.م.، لكن ما هو غير معروف جيداً هو أنه عندما نظَّم ابنه بالتبني، أوكتافيان، ألعاباً ومراسيم جنائزية لتعظيم والده والاحتفال به، بعد أربعة أشهر من وفاته وبتوقيت مناسب لا يصدق، أشرق المذنب اللامع (C/-43K1) عام 44 ق.م. في السماء في ذات الوقت. لدينا العديد من الأمثلة على عملات الديناريوس الفضية الرومانية من هذا العصر، وهناك مثال عنها يظهر انطباع “نجم”، يُزعم أنه تمثيل لمذنب قيصر Caesar’s Comet.
وفي يوم 2 أكتوبر 1264، توفي البابا أوربان الرابع، ومما أثار الدهشة تميز هذا الحدث المهم أيضاً بظهور مذنب لامع آخر؛ نعرفه حاليا بالمذنب العظيم لعام 1264 (C/1264 N1)، ويقال إن البابا مرض يوم ظهوره وتوفي يوم اختفائه.
وفي وقت أقرب إلى زمننا، ولد مارك توين
Mark Twain عام 1835، عندما كان مذنب هالي يدور حول الشمس؛ ومات من نوبة قلبية في عام 1910 عندما عاد. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى.
إذن، كم يبدو غريباً وبعيداً عن الاحتمال، وبعد هذا الغياب الطويل للمذنبات الساطعة من سمائنا، أن يبدو المذنب نيووايز Comet NEOWISE أنه يختار الآن على ما يبدو مواصلة هذا التقليد الذي يعود إلى قرون خلت، وأن يظهر في أفضل مشاهد له في الأشهر نفسها التي ظهر فيها وباء كوفيد19- COVID-19 واجتاح معظم أنحاء الكوكب. ما هي فرص المصادفة؟ ربما كان علينا مثل القدماء أن نعتبر وصوله نذيراً للأحداث المقبلة.