البروفيسور كريس لينتوت: عالم فيزياء فلكية يشارك بتقديم برنامج سماء الليل Sky at Night
نحن نعتقد أننا ندرك آلية تشكل النجوم والكواكب: كتل غاز وغبار تنهار تحت تأثير جاذبيتها لتكوّن نجماً مركزياً، يحيط به قرص من بقايا مواد تنشأ منها الكواكب في نهاية الأمر. بسيطة؟!
حسناً، بدأت أرصاد جديدة تظهر مدى المبالغة في تبسيط صورة هذه العملية. لنأخذ النجم الفتي رو السبع RU Lup، الذي هو موضوع أبحاث جين هوانغ
Jane Huang وزملاؤها في جامعة هارفارد. نعلم من أرصاد سابقة أن قرصاً كبيراً يحيط به، لكن هذه الصور لا يمكن أن تنبئنا بكامل القصة. ويتكون جزء كبير من القرص من غاز بارد، معظمه من الهيدروجين الجزيئي Molecular hydrogen، والذي لا يمكن رؤيته بسهولة.
بدلاً من ذلك، فقد استخدم الفريق تلسكوب مصفوفة أتاكاما الميلليمترية/تحت الميلليمترية الكبيرة Atacama Large Millimeter/submillimeter Array (اختصاراً: التلسكوب ALMA) للبحث عن انبعاثات أول أكسيد الكربون، وهو جزيء شائع آخر، وفاجأهم مدى وتعقيد ما شاهدوه. فقد بدا قرص أول أكسيد الكربون كبير الحجم، يمتد إلى مسافة 120 وحدة فلكية Astronomical units من النجم (للمقارنة، تزيد هذه المسافة على أربع أضعاف بعد نبتون عن الشمس). وفي هذه المنطقة يتحرك قرص الغاز بمثل ما يطلق عليه علماء الفلك اسم مبدأ كبلر Keplerian، أي يتحرك الغاز في مداره هنا وفقًا لقوانين حركة كبلر تماماً كما تفعل الكواكب. وعلى مسافة أبعد تبلغ 260 وحدة فلكية، يوجد المزيد من المادة، لكنها لا تدور مع بقية عناصر القرص.
أذرع ضخمة بتكتلات
خارج هذا ‹الغلاف› Envelope، تبدو الأمور غريبة فعلاً. فهناك المزيد من الغاز، وهو ينتظم ضمن سلسلة أذرع حلزونية بتكتلات، دون أن تأخذ شكلاً محدداً تماماً يشير البحث إلى إمكان رسم عدة أشكال مختلفة لها بسهولة لكنها موجودة، ويبدو أنها تصل إلى مسافة 1,000 وحدة فلكية تقريباً، وهذا يعني نحو 150 بليون كيلومتر! وهناك أيضا تقبع كتل غازية ظاهريا تبدو غير متصلة بالأذرع.
كل هذه البنية تجعل من النجم RU Lup مثالاً بسيطاً على تعقيد البنى الفلكية. وإذا نظرنا إليه في صوره السابقة، بدا لنا بسيطاً: قرص جميل في طريقه إلى صنع نظام شمسي. اضبط الصورة على غاز أول أكسيد الكربون، ستقفز أمامك كل هذه التعقيدات غير المتوقعة. إذاً، ما الذي يحدث؟
ربما بقيت بعض المواد الخارجية من زمن تشكل النجم RU Lup، ولكن لماذا لديه هذه البنية المعقدة التي نراها؟
أحد الخيارات المفترضة هو أن النجم RU Lup حظي ذات حين بقرص يتصرف بصورة طبيعية، لكنه تعرض لشيء أحدث اضطراباً فيه، إما بفعل قرين غير مرئي حتى الآن، أو بفعل مرور حديث وقريب المسافة لنجم مجاور. ومع الأسف، فعلى الرغم من الاعتقاد أن مثل هذه الظواهر تؤدي إلى حدوث بنى حلزونية، إلا أنها لا تؤدي إلى شيء معقد مثل ما رصد هنا.
ربما يكون القرص ذاته غير مستقر، وهي حالة على المقاييس الضخمة جدا لأقراص بحجم المجرات قد تنتج أذرعاً لولبية، لكن المواد الخارجية لا تدور مع القرص. ربما تؤدي الرياح المقبلة من نجم فتي غير المستقر دوراً، أو ربما يكون الأمر خليطاً من معظم هذه الأشياء، أو لا شيء منها.
لا نعرف الحقيقة حتى الآن، لكننا تعلمنا قيمة إلقاء نظرة فاحصة على الأشياء التي تبدو بسيطة حتى في ظاهرها. فالتعقيد والألغاز المركبة غالباً ما تكمن في الداخل.