في آخر حلقة من برنامج سماء الليل The Sky at Night، نظرت عالمة الفلك المحترفة لوسي غرين Lucie Green في مشروع ستارلينك Starlink التابع لشركة سبيس إكس SpaceX، وما يمكن أن يعنيه لها ولزملائها من العلماء وجود 12,000 قمر اصطناعي (في السماء).
يبدو أن كل مشروع يحمل اسم الشركة سبيس SpaceX هو محاولة جريئة لريادة الطريق وترك الشركات الأخرى تحاول اللحاق بها. وإيلون ماسك Elon Musk نفسه شخصية بارزة جداً فيما يتعلق باستكشاف الفضاء، لدرجة أنني أتساءل أحياناً متى سيأتي اليوم الذي أنجز فيه أبحاثي وأنا أستخدم بيانات جمعتها مركباته الفضائية. ولكن، إذا كان يتمنى تحقيق حلمه بإنشاء مستوطنة بشرية على المريخ، فسيحتاج إلى المال.
وهنا يأتي دور مشاريع مثل مشروع ستارلينك Starlink؛ ‘كوكبة هائلة’ تتكون من 12,000 قمر اصطناعي تعمل معاً لتقديم منظومة شبكة إنترنت متاحة للجميع. ويمكن لهذه المنظومة أن توفر خدمة الإنترنت للناس في المناطق التي يصعب الوصول إليها، فتمنحهم فرصة المعرفة، والعمل، وإقامة منشآت ومرافق ينظر إليها الكثير منا على أنها أمر مسلّم به ــ وذلك بينما يحقق ربحاً جيداً أيضاً للشركة SpaceX. ولكن سماءنا هي موقع ذو أهمية عملية وثقافية خاصة، وستمثل هذه الكوكبات الهائلة من الأقمار الاصطناعية شكلاً جديداً من التلوث الضوئي فيها، ويمكنها أن تغيرها بصورة لا عودة عنها. مع ورود كل هذه الأفكار في خاطري، فقد نظرت إلى مشروع ستارلينك في حلقة من حلقات برنامج The Sky at Night لأعرف ما هو الجانب الواقعي منه، وما هو الخيالي.
انطلق مشروع ستارلينك في مايو 2019 عندما أطلقت الشركة 60 قمراً اصطناعياً تجريبياً لكي تبرهن على إمكانية نشر عدد كبير مثل هذا في عملية إطلاق واحدة. اليوم هناك 400 منها في المدار.
تابعت مشاهدة الفيلم مع قدر كبير من شكوكي حول هذه المهمة، ولكنني أردت لعقلي أن يكون منفتحاً. وفي الحقيقة، فقد كانت هذه الأفكار مثار قلق كبير ينتشر في أوساط علماء الفلك حول هذا المشروع. وقد بدت ‘قطارات’ الأقمار الاصطناعية التي راقبْتُها، أنا، وهي تعبر فوق الرؤوس منذ عمليات الإطلاق الأولى مشهداً مدهشاً، وقد أحدث تصوراً مفاده أنه في النهاية سيكون مشهد آلاف الأقمار الاصطناعية لمشروع ستارلينك مشهداً شديد الحضور، وسيلحق الضرر البالغ بأرصادنا، وقدرتنا على إجراء التصوير الفلكي ودراسة أجزاء واسعة من السماء.
غير أن ما عرفته هو أن مشروع ستارلينك هو شديد التعقيد. وفي حين يعمل مهندسو المشروع تحت الضغط على الأرجح للحاق بمواعيد الإطلاق، فمن الملاحظ أن موضوع التلوث الضوئي لم يؤخذ بعين الاعتبار. ويتخذ قرار السماح بإطلاق الأقمار الاصطناعية على مستوى وطني، وليست هناك من متطلبات قانونية لإدخال عامل التلوث الضوئي ضمن تصميم المهمة. ولهذا كان مهماً جداً لنا نحن علماء الفلك أن نرفع صوتنا بشأن التأثير المحتمل. ويبدو أن صوتنا قد وصل.
لقد جرت محاولات لتجربة طلاء الأقمار الاصطناعية بمواد مختلفة، وإدخال تعديل على تصميمها واتجاه حركتها، مع بعض النجاح في الحد من عاكسية سطوح أجسامها إلى ما دون رؤية العين المجردة فور وصولها إلى مدارها. وفيما أن هذا قد هدأ من مخاوفي الأولى، إلا أنه لم يحل مشكلة الصدمة الكبيرة التي ستواجهها التلسكوبات التي تنفذ عمليات مسح للسماء، كما يفعل مرصد فيرا روبن Vera Rubin Observatory في تشيلي الذي سيمسح السماء مراراً لأن يطور فهمنا للمادة المعتمة والطاقة المعتمة.
ومشروع ستارلينك ينفذ الآن، ولا يمكننا فعل شيء حياله، ولكن ما يبعث على الأمل هو أن الشركة SpaceX تتجاوب. والدرس الذي تعلمته هو أنه لدينا صوت ويمكننا أن نجعله مسموعاً. لذا، دعونا نستخدمه ولا نترك أمر سمائنا الليلية إلى الشركات الخاصة، بل نبقيها متاحة للجميع.