أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

قياس كتلة مجرة درب التبانة

سر حجم مجرتنا قد يكمن في شقيقاتها الأصغر حجماً

البروفيسور كريس لينتوت
عالم فيزياء فلكية يشارك بتقديم برنامج سماء الليل Sky at Night

أحياناً قد يكون مدى جهلنا بالكون من حولنا مذهلاً. وغالباً ما أدرك أن الحقيقة التي كنتُ أعتبرها أمراً مفروغاً منه هي موضع شك على سبيل المثال، تحديد هوية أقرب نجم إلى الشمس، وطول اليوم على كوكب زحل هما أمران مثيران للجدال. أما على النطاقات الأوسع، فمثلاً ليس لدينا فعلياً قياس مُرضٍ لكتلة مجرتنا.

عملية وزن مجرة درب التبانة هي أكثر من مجرد محاولة خرقاء. فدراسة مجرتنا هي إحدى طرق اختبار علماء الكونيات لأفكارهم حول الكيفية التي تُشكِّل بها المادةُ المعتمة الغامضة المجراتِ. إحدى المشكلات هي أنه يبدو أن مجرتنا الأم لها عدد قليل جداً من المجرات التابعة التي تدور في مدار حولها، غيرَ أنها لا تعود مشكلة إذا كانت لدينا مجرة درب تبانة بكتلة أقل من المتوقع؛ فالمجرات المركزية الأخف وزناً لها حاشية أقل كثافة بالأجرام.

تلك المجرات القزمة التي تدور حول مجرتنا هي في حد ذاتها ذات غير متوقعة نوعا ما: فهي تظهر في أماكن غريبة، فتفضل الوقوع فوق قطبي المجرة بدلاً من أن تحيط بقرصها، ويبدو أن عدداً منها قد توقف عن توليد كثير من النجوم مقارنة بالنظم المماثلة التي نراها في أماكن أخرى.

استخدام بيانات القمر الاصطناعي المجرِّيّة

معرفة ما إذا كان يمكن حل هذه الألغاز عن طريق معرفة كتلة درب التبانة ينبع من أحدث ما نشر من بيانات القمر الاصطناعي غايا Gaia التابع لوكالة إيسا، هذا القمر الاصطناعي المنهمك في رسم خرائط ما يقرب من بليوني نجم وتسجيل حركاتها. وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من البيانات يصف النجوم ضمن القرص الرئيس لمجرتنا، فقد جرى تحديد عدد كافٍ في المجرات التابعة، بحيث تمكن فريق الورقة البحثية المنشورة في سبتمبر من حساب كيفية تحرُّك هذه الأنظمة الصغيرة نسبة إلى مجرة درب التبانة.

ولأن حركتها تخضع لقوة جذب Pull مجرة درب التبانة، فإن مشاهدة المجرات التابعة وهي تتحرك، ومقارنة تلك الحركات بمجموعة المجرات التي يطلق عليها الاسم مبطن الدلالة فات إلفيس (إلفيس السمين) Phat ELVIS في نمذجات المحاكاة، تعطينا مقياساً للكتلة. وعلى العكس من الطرق التي تقوم على عد النجوم، ولأننا نقيس تأثير الجاذبية Gravity نفسها فإننا نحصل على قيمة للكتلة الكلية، بما في ذلك كل من المادة الباريونية العادية وتلك المادة المعتمة المزعجة.

من الناحية العملية، يقارن الفريق خصائص مجموعة المجرات، مثل السرعة التي تتحرك بها المجرات التابعة، نحو مجرة درب التبانة أو بعيداً عنها. في عالم مثالي سيكون في إمكانهم قياس الوقت منذ دخول كل مجرة تابعة أول مرة إلى هالة مجرة درب التبانة. مع الأسف يمكن تحديد ذلك بنحو أفضل بالسفر عبر الزمن، وكما يشير الفريق فإنهم لا يمتلكون سيارة مثل سيارة دولوريان DeLorean في فيلم العودة إلى المستقبل Back to the Future، لذا لا يستطيعون مقارنة هذه القيمة بنتائج عمليات المحاكاة.

ومع ذلك تبدو النتائج مقنعة، إذ تزن مجرة درب التبانة ما بين 1 و 1.2 تريليون كتلة شمسية. وهذه قيمة مرتفعة بما يكفي لأن مشكلة المجرات التابعة المفقودة

لا تزال قائمة؛ ويجب أن تتوقع عمليات المسح المستقبلية، بما في ذلك تلك التي أجراها مرصد فيرا روبين Vera Rubin Observatory (قيد التطوير الآن في صحراء آتاكاما)، اكتشاف مزيد من المرافقين الصغار لمجرة درب التبانة، كل منها سيهدئ من مخاوف علماء الكوزمولوجيا (الكونيات)، وسيدعم- إضافةً إلى ذلك- قدرتنا على قياس كتلة المجرة التي نسميها وطنَنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى