قطاع الفضاء يشعر بآثار الجائحة
الأبحاث والبعثات الفضائية وضعت في حالة انتظار بينما يحارب العالم الفيروس
بقلم: كريس لينتوت Chris Lintott
على مدى الأشهر القليلة الماضية، أثر فيروس كوفيد- 19 (COVID-19) في كل جانب من جوانب الحياة البشرية، بما في ذلك جوانب صناعة واستكشاف الفضاء. ومع عدم قدرة الباحثين على الانتقال إلى مواقع عملهم ومراصدهم، فقد تأجلت العشرات من المشروعات العلمية، بينما وجد باحثون آخرون طرقاً مبتكرة لمواصلة استكشافهم للكون على الرغم من الصعوبات.
وكما فعل الكثير من المنظمات، فقد طلبت الوكالة ناسا NASA إلى جميع موظفيها غير الأساسيين العمل من منازلهم في محاولة منها للمساعدة على مكافحة انتشار الفيروس، لكنها أيضاً أطلقت هجومها أكثر مباشرة على الجائحة بالمساعدة على بناء وتحسين أجهزة التنفس Ventilators التي تحتاج إليها المستشفيات بشدة، وأتاحت أيضاً قدرات حواسيبها الفائقة للباحثين العاملين على كوفيد- 19.
يقول مدير ناسا، جيم بريدنشتاين Jim Bridenstine: “عندما يتطلب الأمر الإشراف المباشر على معدات وأجهزة الرحلات الفضائية، يصعب علينا الامتثال لإرشادات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention (اختصارا: المراكز CDC)، وعندما لا نستطيع القيام بهذه المهام بأمان، فسيتعين علينا تعليق العمل، وأن نركز على الأنشطة الحيوية للبعثات”.
وبالفعل، فقد خضع العديد من البعثات الفضائية المهمة لتعقيدات القيود المفروضة في أعقاب تفشي الجائحة. فوضعت مشروعات تلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope، وعربة أورايون Orion لطاقم رواد الفضاء، والصاروخ الحامل الثقيل heavy-lift rocket، نظام الإطلاق الفضائي Space Launch System، كلها في قيد الانتظار. المشروعات الثلاثة عانت في السابق تأجيلا في تواريخ إطلاقها، والآن يبدو تأجيلها مجددا أمر حتميا تقريبا.
تحديد الأولويات
في غضون ذلك، وضعت وكالة الفضاء الأوروبية (اختصاراً: الوكالة إيسا ESA)كثيراً من بعثاتها الفضائية في حالة سبات، بما فيها بعثة سولار أوربتر Solar Orbiter التي أطلقت في فبراير الماضي، وذلك لتخفض عدد أفراد فريق العمل اللازم في المراكز التشغيلية في أوروبا. كما أنها أجلت بعثة المركبة الجوالة المريخية روزاليند فرانكلين Rosalind Franklin إلى عام 2022. وقد حاول فريق من الخبراء من جميع أنحاء أوروبا إصلاح بعض المشكلات في منظومة هبوط المركبة قبل حلول موعد إطلاقها في يوليو، لكنهم الآن غير قادرين على العمل في مشروع المركبة الجوالة. ويقول يان فورنر Jan Wörner، وهو المدير العام للوكالة إيسا: “لم يعد بوسع الكثير من العلماء والخبراء في أماكن مختلفة في روسيا، وإيطاليا، وفرنسا، أن يتحركوا بسهولة، كما في الماضي. وهذا تأثير من التأثيرات. أنا لا أقول فيروس الكورونا هو السب الوحيد لذلك لكنه قد أثّر في البعثة. نعم لقد فعل هذا”.
إلا أن هناك مركبتان جوالتان مريخيتان أخريان يبدو أنهما في طريقهما للإطلاق في الموعد المحدد على الرغم من الفيروس، وهما بعثة بيرسيفيرانس (عزيمة) Perseverance التابعة لناسا (اسمها السابق مارس 2020)، وقد منحت أولوية على بعثات أخرى بسبب قصر نافذة الإطلاق المؤاتية إلى الكوكب الأحمر. وهناك أيضاً المركبة الجوالة المريخية الأخرى التي استمرت إدارة الفضاء الوطنية الصينية (اختصاراً: الوكالة CNSA) بالعمل عليها على الرغم من كونها الأمة الأطول تأثرا وذلك باستخدام معدات الوقاية اللازمة وإجراء عمليات التطهير واسعة النطاق.
وهناك بعثة أخرى من المرجح أنها ستمضي قدماً، هي البعثة الأحدث إلى محطة الفضاء الدولية. وسيخضع فريق الرواد إلى فترة عزل اعتيادية مدتها أسبوعان قبل الإطلاق، وستكون هذه المرة أكثر صرامة من المعتاد. يقول كريس كاسيدي Chris Cassidy، وهو أحد رواد الفريق: “لن يكون لدي ضيوف لحضور عملية الإطلاق في مطار بايكونور، وستكون عملية هادئة تماماً . فقط سنرحل”.
وبالعودة إلى الأرض، نرى المراصد الفلكية حول العالم قد قلصت أعداد طواقم، أو أنها أغلقت تماماً. وقد نفّذ مرصد مصفوفة أتاكاما الميلليمتري/دون الميلليمتري Atacama Large Millimeter/ Submillimeter Array (اختصاراً: المرصد ألما ALMA) آخر عملية رصد علمية له في 19 مارس، فيما أنهى مرصد موجات الجاذبية (الثقالية) بالتداخل الليزري Laser Interferometer Gravitational Wave (اختصاراً: لايغو LIGO) لموجات الجاذبية جولته الرصدية الثالثة في وقت مبكر، وعلق جميع الأعمال المخطط لها لتطوير الكاشف Detector.
أما اجتماع الجمعية الفلكية الأمريكية American Astronomical Society (اختصاراً: الجمعية AAS) الذي كان مخططاً لعقده في يونيو المقبل، والذي يجتمع فيه عادة آلاف علماء الفلك من جميع أنحاء العالم، فقد تحول الآن إلى مؤتمر افتراضي عن بعد بالكامل -وهي خطوة كانت الجمعية تدرسها مسبقاً كطريقة لتخفيض بصمتها الكربونية Carbon footprint.
ولم يكن علماء الفلك هم وحدهم من تأثر عملهم، فقد ألغى الكثير من جمعيات هواة الفلك في المملكة المتحدة اجتماعاتها الدورية من أجل حماية أعضائها، وذلك قبل أن تمنع الحكومة التجمعات الكبيرة بعدة أسابيع. وقد عنت الفاشية Outbreak أيضاً تأجيل معارض فلكية للهواة. وكان من بين هذه الأنشطة أكبر نشاط فلكي من نوعه في العالم، وهو منتدى نورث إيست الفلكي Northeast Astronomical Forum، مع أن زوار العرض لم يفتهم ذلك تماماً بعد أن رتب المنظمون معرضاً افتراضياً في يوم 4 إبريل، قدموا فيه بثاً مباشراً لحوارات وعروض معدات، مع إعادة جدولة العرض الحقيقي إلى 12-13 سبتمبر.
وعلى الرغم من أن الفيروس قد عطّل مؤقتاً الكثير من المشروعات، إلا أنه لم يوقفها نهائياً. فالمجتمعات العلمية والتجارية تعيد تحديد أولوياتها لتكون السلامة الصحية لأعضائها هي الأهم، بحيث إنه عندما تنحسر الجائحة، سيكونون لائقين صحياً بدرجة كافية لمتابعة عملهم في استكشاف الكون.
جميع المعلومات المقدمة هنا كانت دقيقة في تاريخ ذهاب العدد إلى الطباعة، لكن من المحتمل حدوث بعض التغير فيها بسبب الطبيعة المتغيرة للجائحة.