كشف أقمار بعيدة
يمكن اكتشاف الأقمار غير المرئية من خلال مراقبة تأثير جاذبيتها على كواكبها النجمية
البروفيسور ليويس دارتنل: عالم أحياء فلكية في جامعة ويستمينستر
في أوائل تسعينات القرن العشرين دخل علم الفلك العصر الذهبي لاكتشاف الكواكب الغريبة. وفي العقود الثلاثة التالية وجدنا ما يقرب من 4,300 كوكب منها. والآن، مع تقدم التكنولوجيا، صار بوسعنا التعمق أكثر بدراسة هذه الأنظمة الكوكبية، بما في ذلك قدرة اكتشاف الأقمار غير المرئية التي تدور حول كواكبها. ففي شهر أكتوبر 2018 أعلن علماء فلك استخدموا أرصاد تلسكوب هابل الفضائي HST أن الكوكب الغازي العملاق Kepler-1625b ربما له رفيق صغير يدور حوله، على الرغم من أن هذا الاكتشاف لم يثبت بعد، وما زال مثيراً للجدل.
واكتشاف كواكب معتمة تدور حول نجوم ساطعة جداً عبر مسافة سنوات ضوئية في الفضاء هو بحد ذاته أمر مثير للتقدير؛ لكن اكتشاف وجود أقمار أصغر وغير مرئية حول تلك الكواكب البعيدة لهو أمر هائل حقاً. ونستطيع التوصل إلى ذلك بفحص وتدقيق البيانات التي جمعت عن الكواكب النجمية Exoplanets وهي في حالة عبور Transiting، أي تلك البيانات التي يصير بالإمكان رصدها بسبب انخفاض ضوء نجمها أثناء عبور القمر أمامه، وذلك من منظور رؤيتنا. وإذا كان للكوكب النجمي العابر قرينٌ يدور حوله، فإنه سيدور حول المركز الكتلة Centre of mass المشترك لنظام الكوكب -القمر. ومن ثم، إذا كان القمر غير المرئي سابقا كوكبه النجمي أثناء العبور، فإن جاذبيته سوف تسحب الكوكب إلى الأمام قليلاً، ليبدأ العبور في وقت أبكر قليلاً من المتوقع، أو على العكس من ذلك. لذا، فإن القياسات الدقيقة لتغيرات توقيت العبور
Transit Timing Variations (اختصاراً: التغيرات TTVs)، لكوكب نجمي قد تكشف عن وجود قمر غير مرئي له.
وعلى سبيل المثال، في نظام الأرض – القمر، فإن الكتلة الدوارة للقمر تولد التغيرات TTVs أثناء عبور كوكب الأرض أمام قرص الشمس في كل عام بقدر يصل إلى مدة 2.5 دقيقة (وذلك من منظور عالم فلك من الكائنات الفضائية يجلس بشكل مناسب في مكانه). وفي بحثه عن الكواكب النجمية Exoplanets، فإن تلسكوب كبلر الفضائي قاسَ سطوع النجوم كل دقيقة، وبذا استطاع، من حيث المبدأ، اكتشاف القمر بشكل غير مباشر بهذه الطريقة، على الرغم من أن بصمة العبور المباشر للقمر تعادل %7 فقط من بصمة الأرض، وأقل بكثير من عتبة حساسية Threshold تلسكوب كبلر لتلك الكواكب.
ستة أقمار محتملة
في بحثهما عن أقمار محتملة لكواكب نجمية، كان كريس فوكس Chris Fox وبول ويغرت Paul Wiegert، وكلاهما في جامعة ويسترن أونتاريو University of Western Ontario في كندا، ينقبان في قاعدة بيانات ضخمة من الكواكب النجمية العابرة التي اكتشفها تلسكوب كبلر الفضائي. واختارا الأنظمة الثمانية الأكثر احتمالاً التي كان معروفا أنها تُظهر التغيرات TTVs، ودرسا بيانات كل منها لاختبار ما إذا كان وجود قمر مرافق هو أفضل تفسير الاختلافات المدارية Orbital variations، أو بسبب احتمالات بديلة الأخرى، مثل وجود كوكب مجهول، غير عابر، في النظام. ومن المثير للاهتمام، أن هذه هي الطريقة التي تمكن بها عالم الفلك الفرنسي أوربان لو فيرييه Urbain Le Verrier من الاستدلال رياضياتياً على وجود كوكب نبتون وموقعه في عام 1846: إذ كشفت الاختلافات المدارية التي قيست بدقة عن وجود كوكب جديد غير معروف سابقاً في المجموعة الشمسية.
وباستخدام عمليات تحليل إحصائية معقّدة، وجد فوكس و ويغرت أن الاختلافات المدارية لستة من هذه الكواكب العابرة يمكن بالفعل تفسيرها بفعل سحب جاذبية قمر يدور حول الكوكب، وأن مثل هذا القمر، وهو المهم، سيكون مستقراً وصغيراً بما يكفي لتفادي اكتشافه مباشرة بالفعل. كما يمكن أيضاً تفسير رصد التغيرات TTVs بوجود تأثير كوكب نجمي خارجي غير عابر؛ ولكن من المثير للاهتمام أن علماء الفلك لديهم الآن قائمة تضم ستة من أقمار كواكب نجمية مرشحة لمتابعتها بالمزيد من الأرصاد والتحليلات لتأكيد وجودها.