أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونيات

TESS يواصل بحثه عن الكواكب

على الرغم من أن مهمته الرئيسية ستنتهي في يوليو، إلا أن عمل مسبار مكتشف الكواكب النجمية لم ينته بعد. إيزي بارسن تعرض الموضوع

د. إيزي بارسن Ezzy Pearson: هي محررة الأخبار في مجلة BBC Sky at Night، وقد حصلت على دكتوراه في علم الفلك خارج المجريّ من جامعة كارديف

على مدار العامين الماضيين كان القمر الاصطناعي لمسح الكواكب النجمية Exoplanet العابرة أمام نجومها Transiting Exoplanet Survey Satellite (اختصاراً: القمر الاصطناعي TESS) يراقب النجوم بحثاً عن كواكب جديدة. وفي هذا انتهت مهمته الأساسية، بعد أن مسح %70 من السماء ــ وهي مساحة أكبر بـ 400 ضعف مما مسحه سلفه، تلسكوب كبلر الفضائي Kepler space telescope؛ لكن عمله ما زال بعيداً عن الانتهاء. وبينما تتجه مهمة TESS إلى التمديد لمدة عامين آخرين، سنلقي نظرة على ما حققته المهمة بالفعل، وما يمكن أن تحققه.
مثل كبلر، كان التلسكوب الفضائي TESS يتتبع 200 ألف نجم تقريباً، يراقب انخفاض سطوع أحدها بينما يمر ــ أو يعبر ــ كوكب أمامه. وتقول سارة سيغر Sara Seager، نائب المدير العلمي لمهمة التلسكوب TESS: “إن ما يميز التلسكوب TESS هو حساسيته للنجوم القزمة الحمراء Red dwarf stars، إذ يمكننا رصد كواكب صغيرة تعبر أمام نجوم صغيرة بسهولة أكبر من عبور كواكب صغيرة أمام نجوم كبيرة. وحلمنا هو العثور على كواكب صخرية صغيرة في المناطق الصالحة للحياة حول نجومها”.
الهدف الكبير والأقصى هو العثور على 50 كوكبا صغيرا جديدا، مع قياس أحجامها وكتلها بدقة، وسينشر فريق عمل التلسكوب TESS تلك النتائج عالميا. وتقول سيغر: “من أرصاد التلسكوب TESS نفسها، يمكنك الحصول فقط على قياسات أحجام الكواكب ومدتها المدارية Orbital period، ولكن يمكنك بعد ذلك متابعة الحصول على القياسات للكواكب بالجملة، وهي عملية ستستغرق وقتاً طويلاً جداً، ولا نستطيع تحقيق ذلك للكثير منها. فنحن مشغولون بالعثور على الكواكب”.
وفي وقت كتابة هذا البحث، كان التلسكوب TESS قد حدّد عدداً من الكواكب المرشحة يبلغ 1,835 كوكباً. ومن أجل إجراء مزيد من الدراسة والبحث عليها، يضم فريق المشروع نحو 500 عالم مشارك من 100 مؤسسة علمية يتابعون ويكملون أرصاد التلسكوب TESS.

تخطي العوائق
الخطوة الأولى في هذه المتابعات هي التأّكد من أن الكوكب المرصود هو فعلاً كوكب. ويلتقط فريق التلسكوب TESS صوراً دقيقة جداً للنجم المضيف للتأكد من أنه ليس زوجاً من النجوم المزدوجة القريبة من بعضها، والتي يمكن أن تنتج أنماطاً مماثلة من زيادة السطوع وانخفاضه.
عادة ما تستكمل هذه الأرصاد في غضون بضعة أسابيع من اكتشاف التلسكوب TESS لكوكب مرشح، لكن جائحة COVID-19 العالمية أجبرت العديد من التلسكوبات التي تنجز هذه الأرصاد على إغلاق قبابها. وتقول سيغر: “لقد توقفت المتابعة فعلاً. تأخذ الأجرام مكاناً مناسباً للرصد في السماء لوقت قصير فقط. وهذا قد يؤخر التأكّد من الكواكب المرشحة لمدة خمسة أشهر”.
فور التأكد من الكوكب، يعمل الفلكيون على قياس حجمه من خلال قياس مقدار انخفاض سطوع النجم أثناء حادثة العبور؛ كلما كان الانخفاض أكبر، كان الكوكب أكبر. ويبدو أن هذه الكواكب تتراوح حجماً من نصف قطر الأرض إلى عدة أضعاف قطر كوكب المشتري، والنوع الأكثر انتشاراً هو كواكب نبتونية صغيرة ـــ أي كواكب بضعفي إلى ثلاث أضعاف حجم الأرض. وتقول سيغر: “ليس لهذه الكواكب نظير في المجموعة الشمسية. نحن لا نعرف ما هي. هل هي مختلفة عن بعضها البعض؟ هل هي مجرد نوع واحد من الكواكب؟ لقد كان التلسكوب TESS ناجحا جدا في العثور على كواكب تدور حول نجوم شبيهة بالشمس ونجوم قزمة”.
مدى تنوع الحجم يدعم بدوره أمرا اكتشفه تلسكوب كبلر الفضائي، فهناك نقص غريب في الكواكب التي يتراوح قطرها بين 1.5 و 2 ضعف نصف قطر الأرض، وهو مجال يعرف بفجوة فولتون Fulton gap. وتقول سيغر: “لقد وجد التلسكوب TESS أنظمة كوكبية على طرفي هذه الفجوة”. ويعتقد أن مفتاح هذه الفجوة يكمن في الأغلفة الغازية للكواكب ـــ فالإشعاع والرياح النجمية تزيل الغازات من الكواكب الأصغر حجماً، في حين يشير الحد الأعلى للفجوة إلى الدرجة التي تكون عندها الكواكب كبيرة بما يكفي للاحتفاظ بغلافها الغازي. وتقول سيغر: “نأمل بأن ننظر في المستقبل إلى أغلفتها الغازية باستخدام تلسكوبات أخرى ونكتشف سبب وجود هذه الفجوة، ونحاول فهمها”.

مقاربة دقيقة
المرحلة الأخيرة من المتابعات الرصدية التالية لأرصاد التلسكوب TESS تتمثل بتحديد كتل الكواكب. ويتطلب هذا إجراء قياس طيفي دقيق للتأرجح النجمي Stellar wobble الناتج من جذب الكوكب لنجمه. ويقول جورج ريكر George Ricker، الباحث الرئيس في مشروع التلسكوب TESS: “هذه أدوات خاصة جداً، ولا يوجد سوى حفنة منها حول العالم. وفي هذه المرحلة نحن نشارف على الحصول على قياس الخمسين كتلة الكوكبية”.
وبمجرد أن يحصل الفريق على قياسي الحجم والكتلة، نتمكن من معرفة كثافة الكوكب، ونستطيع أن نستدل على ما إذا كان كوكباً صخرياً أم غازياً. وعند هذه النقطة، يكون عمل فريق التلسكوب TESS قد أنجز؛ ويحين الآن وقت بعثات ومشروعات أخرى لاختيار كواكبها المفضلة وإلقاء نظرة أقرب عليها.
ففي الوقت الحالي يأتي التحليل الدقيق والمفصل لأغلفتها الغازية في مقدمة مجالات أبحاث الكواكب النجمية Exoplanet. فمن خلال البحث عن المواد الكيميائية الرئيسية في الغلاف الغازي للكوكب، مثل الأكسجين أو ثاني أكسيد الكربون أو الماء، يمكن لعلماء الفلك أن يبدؤوا بفهم ومعرفة ماذا تشبه هذه الكواكب، وهو أمر مهم على الخصوص في مثال الكواكب النبتونية الصغيرة التي لا نظير لها في المجموعة الشمسية. وسيساعد هذا بدوره علماء الكواكب على صياغة نظريات أكثر اكتمالاً لكيفية نمو الكواكب وتغيرها وصولا إلى الأنظمة الكوكبية التي نراها حاليا.
وهناك مجال محدد يجذب الانتباه دائماً، وهو البحث عن الكواكب التي قد تُظهر علامات الحياة، تلك العلامات التي تعرف بالبصمات الحيوية Biosignatures. وتكون هذه، على الأغلب، اختلالات كيميائية ناتجة من وجود البكتيريا أو النباتات، لكن فريق التلسكوب TESS قد دخل أيضاً في شراكة مع المشروع بريك ثرو ليسن (الانصات الخارق) Breakthrough Listen للبحث عن كواكب واعدة بـ ‘بصمات تكنولوجية’ Technosignatures، إشارات راديوية من حضارة متقدمة.
غير أن قدرات التلسكوب TESS تتجاوز البحث عن الكواكب النجمية. فبينما كان يرصد النجوم، كانت كاميراته الأربعة تصور السماء أيضاً صوراً واسعة المجال Wide-field images. وبخلاف معظم المشروعات التي تحمي بياناتها بدافع الغيرة لبضعة أشهر، فإن جميع بيانات التلسكوب TESS متاحة للجمهور فور جهوزيتها. ويقول ريكر: “هذا أحد جوانب نجاح مشروع التلسكوب TESS. لقد تمكنا من تعزيز هذا الشعور بالتعاون بدلاً من التنافس”.
يراقب مسبار التلسكوب TESS السماء ضمن مجال رؤية 24 X 90°، نحو أربعة أضعاف مساحة كوكبة الجبّار Orion، ويلتقط الصور كل 30 دقيقة تقريباً. وهذا النوع من الرصد مثالي لاكتشاف أحداث عابرة، مثل انفجارات السوبرنوفا التي يكتشف التلسكوب TESS نحو 100 منها في كل عام.

التطلع إلى الأمام
وعلى الرغم من هذا المسح السماوي الواسع، فإن مهمة التلسكوب TESS الأساسية لم ترصد سوى %70 تقريباً من السماء. وبينما يسعى الفريق الآن إلى تمديد المدة، فإن المركبة الفضائية ستهدف إلى سد هذه الثغرات. والجدير بذكره أن المسبار سيغطي مستوى دائرة البروج Ecliptic plane، إلا أن هذه الأرصاد ستبحث عن كواكب أقرب قليلاً إلى موطننا الأرض. ويقول ريكر: “سيكون هناك الكثير مما ينبغي إنجازه مستخدمين معارفنا من المجموعة الشمسية. إن التلسكوب TESS قادر على اكتشاف نحو 100 ألف كويكب، وأجرام حزام كايبر Kuiper Belt، وأجرام وراء مدار كوكب نبتون”.
سيسمح تمديد المهمة أيضاً للتلسكوب TESS بالعودة إلى المناطق التي رُصِدت لفترة وجيزة فقط، مما يتيح لعلماء الفلك فرصة دراسة الكواكب بعيداً عن نجومها مع انتظار وقت أطول بين حوادث العبور المتتالية. ويقول ريكر: “يجب أن نكون قادرين على العثور على عدد أكبر من الكواكب في المنطقة الصالحة للحياة، والتي قد توجد عليها مياه سائلة. ولاكتشاف كوكب مثل الأرض، سنحتاج إلى رصد الشمس لمدة عام لرؤية عملية العبور، ولهذا السبب سيكون تمديد عمل المهمة مهماً فعلاً”.
سيستمر التمديد الأخير للمهمة حتى عام 2022، لكن فريق التلسكوب TESS لديه خطط لمدة أطول. يقول ريكر: “نأمل بأن نواصل العمليات حتى عام 2028، لما كان التلسكوب لا يزال يعمل جيدا. نعتقد أننا سنكون قادرين على المراقبة لمدة عقد على الأقل، ونأمل بأكثر من ذلك بكثير”.
ربما يكون العمل الأساسي للتلسكوب TESS قد اكتمل الآن، لكن مهمته ما زالت بعيدة عن النهاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى