أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونيات

هـــيـــــرا .. البعثة الأوروبية إلى حزام الكويكبات للدفاع عن الأرض

بمناسبة يوم الكويكبات الذي احتُفِل به في 30 يونيو، يُلقي شون بلير نظرة على دور وكالة الفضاء الأوروبية في مهمة تجعل من الخيال العلمي حقيقة: الاصطدام بجرم فضائي قريب من الأرض وتغيير مساره.

يعمل شون بلير Sean Blair في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) كمحرر أول في تغطية أخبار تكنولوجيا الفضاء والملاحة الفضائية

نعلم جميعاً أن الكوارث قد تقع، لكن عام 2020 سيُذكر على أنه عام كارثي. والخلاصة هي أننا يجب أن نولي اهتماماً أكبر بجميع أنواع الأخطار المفاجئة، بما في ذلك تلك التي تأتي من الفضاء على شكل كويكبات قادمة نحونا، وبتاريخ 30 يونيو نفعل ذلك تماماً عندما يحتفل العالم بيوم الكويكبات Asteroid Day. وبالمثل، يجب أن يكون عام 2022 أيضاً عاماً نتذكره، ولكن بطريقة مختلفة تماماً. ففي أكتوبر من ذلك العام، ستختبر البشرية عملية استجابة لخطر تهديد الكويكبات من خلال اصطدام مركبة الوكالة ناسا NASA الفضائية التي يُطلق عليها المركبة دارت DART [سهم]، اختصاراً لـ: اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج Double Asteroid Redirection Test، بقمر صغير تابع لكويكب قريب من الأرض بسرعة 6.6 كم/الثانية. وسيحدد هذا الحدث التاريخي القفزة العملاقة التالية لنوعنا البشري بعد هبوطه على القمر، لتكون أول مرة نُغير فيها مدار جرم في المجموعة الشمسية بطريقة قابلة للقياس.
اختير هدف المهمة DART بعناية: إنه الجرم الصغير في منظومة كويكب ديديموس Didymos، والذي يدور حول الشمس بين كوكبي المريخ والأرض. ويقدر قطر هذا الكويكب الذي يطلق عليه اسم ديدموس بي Didymos B، أو ‘ديديمون Didymoon’، بـ 160 متراً، أي بحجم الهرم الأكبر تقريباً، ويصنف في فئة الكويكبات القادرة على إحداث خسائر على نطاق إقليمي، إذا كان له أن يضرب الأرض. ويدور هذا الجرم حول الكويكب الرئيسي الذي يبلغ حجمه حجم جبل، بقطره البالغ 780 مترا. ربما يبدو هذا كبيراً، لكن للكويكب الرئيسي كتلة وجاذبية كافيتين لجعل الكويكب ديديمون يدور حوله ببطء، بسرعة تقل عن 20 سم/الثانية؛ مما يجعل تحقيق انحراف يمكن قياسه أمراً سهلا. ويمكن قياس درجة انحراف مسار ديديمون المداري من الأرض بفك تشفير إشارات الرادار ومنحنيات الضوء التي تجمعها تلسكوبات كوكبنا.
وبعد اصطدام المركبة DART بالكويكب، ستأخذ أوروبا زمام المبادرة في المشروع التاريخي: إذ تضع وكالة الفضاء الأوروبية (اختصارا: الوكالة إيسا ESA) الآن اللمسات الأخيرة على مركبة فضائية أخرى لتطلقها بهدف التحقق عن كثب من هذا الجرم الفريد الذي سيخضع لعملية تعديل مداري. ومن المقرر إطلاق المهمة هيرا Hera، التابعة لوكالة إيسا، والتي سميت باسم إلهة الزواج اليونانية في عام 2024. ويقول عالم الفلك باتريك ميشيل Patrick Michel، وهو العالم الرئيس في بعثة هيرا من مرصد كوت دو آزور Côte d’Azur Observatory: “هدف البعثة هو الحصول على بيانات التصادم المهمة التي لا نستطيع الحصول عليها بالرصد عن بعد، وهذا يشمل قياس كتلة ديديمون وخصائص بنيته وتركيبه، إضافة إلى إلقاء نظرة عن كثب على الحفرة التي خلفها اصطدام المركبة دارت”. وفي أواخر العام الماضي وافق المجلس الوزاري للوكالة إيسا على مشروع إرسال المهمة هيرا، في عودة مفاجأة إلى النظر في المشروع، وذلك لأن اقتراح المهمة ذاتها كان قد سحب من المحفل نفسه قبل نحو أربع سنوات.
ويستذكر أيان كارنيللي Ian Carnelli، الذي يدير مشروع هيرا لصالح الوكالة إيسا: “سُحِب المشروع بعد سنوات من العمل على مهمة الاصطدام بكويكب Asteroid Impact Mission ‎ (اختصاراً: المهمة AIM)، والتي كانت مخططة قبل مهمة هيرا، عندما لم تتمكن من الحصول على تمويل كاف من الدول الأعضاء في الوكالة. ومع ذلك، فقد أعربت بعض البلدان عن حماسها لفكرة المهمة، فاستؤنف تطوير أعمالها”.

أهداف مشتركة
ظلت أهداف مهمة هيرا العامة كما كانت أهداف المهمة AIM: أن تكون أولاً هي مساهمة أوروبا في هذه التجربة العالمية الكبرى للدفاع الكوكبي؛ المهمة آيدا AIDA ـــ تقييم تجربة الاصطدام بكويكب وتغيير مساره Asteroid Impact and Deflection Assessment، كما كانت المهمة المشتركة تعرف في السابق ـــ ستعزز المهمتان دارت وهيرا نتائج عمل كل منهما تعزيزا متبادلا. ثانياً، ستكتسب المهمة هيرا خبرة في عمليات الجاذبية المنخفضة جداً، والتي ستكون مفيدة في البحث عن الموارد على الكويكبات مستقبلاً. ثالثاً، ستجري المهمة هيرا أبحاثا علمية مهمة بالقدر نفسه في هذه العملية: إذ ستكون أول بعثة أرضية على الإطلاق إلى تلك الفئة الغامضة من الكويكبات الثنائية التي تشكل نحو %15 من جميع الكويكبات المعروفة، وستنفذ أول عملية دراسة سبر راداري Radar sounding لباطن كويكب.
غير أن مهمة هيرا قد فقدت بعض الأجهزة المقترحة بعد إعادة تصميمها، بما في ذلك مسبار هبوط صغير وجهاز رادار قوي لإعادة إرسال البيانات والمعلومات إلى مركز التحكم. ولكن المركبة، بحجمها القريب من حجم مكتب، احتفظت بعناصر أخرى طموحة، أبرزها زوج أقمار اصطناعية مكعبة (كيوب سات) CubeSats: مركبات فضائية صغيرة بحجم صندوق الأحذية مبنية من وحدات مكعبة بحجم 10 سم، قادرة على التحليق على مسافة أقرب كثيراً من سطح الكويكب من هيرا نفسها. ويوضح كارنيللي: “سيكون هذان أول قمري كيوب سات أوروبيين يعملان في أعماق الفضاء، وسيعملان مع مركبة المتابعة الأم هيرا كل على حده. وسيجري الكيوب سات جوفينتاس Juventas أول عملية مسح رادار لباطن كويكب، باستخدام هوائي Antenna أطول من جرم الكيوب سات نفسه، بينما سيجري الكيوب سات الثاني قياسات طيفية Spectral measurements لكلا كويكبي ديديموس، وتحديد طبيعة بنيتهما وصولاً إلى بنية صخورهما، إضافة إلى إنجاز بعض الدراسات حول الغبار”. سينهي الكيوب ساتان كلاهما مهمتهما بالهبوط على أحد الكويكبين: ديديموس أيه Didymos A (‘ديديمين’ Didymain) أو قمره الصغير؛ على الرغم من أن قوة جاذبية الكويكب الضعيفة ستجعل العملية أشبه بالالتحام منها بالهبوط.
أما أداة التصوير الرئيسية في هيرا؛ فهي في الواقع جهاز مستعمل: فقد صنعت كاميرا تصوير الكويكبات Asteroid Framing Camera التي طورتها ألمانيا في الأصل من أجل مهمة ناسا دون (فجر) Dawn والتي أرسلت إلى أكبر جرمين في حزام الكويكبات، سيريس Ceres وفيستا Vesta. ويقول كارنيللي: “كانت هذه قطعة احتياطية لعملية التحليق تلك، وسنستخدمها في عمليتي التحليق وجمع المعلومات العلمية. وعندما نقترب من الكويكب سنتتبع معالمه السطحية، مثل الفوهات Craters والحجارة الصخرية Boulder. وسيفيد هذا على حد سواء بمعرفة موقعنا في الفضاء فيما يتعلق بالكويكب، وتطبيق طريقة جديدة لتحديد كتلة ديديمون، من خلال البحث عن تذبذبات صغيرة في دوران الكويكب الرئيسي نسبة إلى مركز ثقلهما (جاذبيتهما) Centre of gravity المشترك”. ومجرد قياس قوة تأثير جذب الكويكب ديديمون في مسار Trajectory هيرا هو تحدٍ في حد ذاته، لأن مجال جاذبية الكويكب الرئيسي سيغمر قمره الصغير.
ستحمل هيرا أيضاً مقياس ارتفاع ليزر ‘ليدار’ Lidar laser altimeter مدمجا لرسم خرائط السطح، وكذلك أداة حرارية تعمل بالأشعة تحت الحمراء Thermal infrared instrument ستزودنا قياساتها الحرارية بفكرة عن طبيعة تكوين بنية سطح الكويكب. وإضافة إلى ذلك، سترى البعثة كيف يؤثر القرب من الكويكبات في ارتباطها اللاسلكي بالأرض، وفي فهم كتلة الكويكب وبنيته الداخلية فهما عميقا.

العودة إلى المسار
وبحجمها الذي يقل عن ثلث حجم مركبة روزيتا Rosetta التي أرسلتها وكالة الفضاء الأوروبية لدراسة أحد المذنبات، ستكون هيرا مركبة فضاء ذكية ولكن بسيطة نسبياً، وهي رؤية حازت على موافقة الدول الأعضاء في الوكالة للمرة الثانية. إذ يتذكر كارنيللي: “عند مناقشة المقترح الذي جاء بعد 15 عاماً من البحث عن أفكار مهمة تحويل الكويكبات، كنا قلقين. وشاع ارتياح كبير عندما وافق الأعضاء على هيرا كجزء من برنامج السلامة الفضائية التابع للوكالة إيسا، وتلسكوبات ‘العين الطائرة’ Flyeye لاكتشاف الكويكبات، وهو نظام جديد لرصد الحطام الفضائي Space debris وأول مهمة أوروبية لإزالة قطع المركبات الفضائية التالفة من المدار”.
والآن، فقد حان وقت العمل على موعد إطلاق مهمة هيرا في عام 2024، والذي يتوقع وصولها إلى منظومة ديديموس في عام 2027. ويقول كارنيللي: “إنه ليس بالوقت الطويل مطلقاً، ونحن نحاول بقدر الإمكان التغلب على مشكلات جائحة COVID-19، فنعقد اللقاءات عبر اجتماعات الفيديو مع الشركاء الصناعيين في كل ركن تقريباً من أوروبا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى