الشمس تعصف بكوكب عطارد
ربما انتزعت الطبقات الخارجية لكوكب عطارد من مكانها بفعل اصطدام هائل وتأثير الريح الشمسية
البروفيسور ليويس دارتنل
عالم أحياء فلكية في جامعة ويستمينستر
تحظى الكواكب الداخلية الصخرية في المجموعة الشمسية: الأرض، والزهرة، والمريخ، كلها بالمزيج نفسه تقريباً من الحديد والسيليكات في تركيبها، وأيضاً بالكثافة الإجمالية Bulk density نفسها تقريباً. ولكن عطارد ينفرد ببعض الاختلاف. فهذا الكوكب الداخلي الأقرب مسافة إلى الشمس هو أكثر كثافة بكثير من المتوقع، وذلك بسبب وجود نواة حديدية هائلة تكوّن أكثر من %80 من قطر الكوكب (للمقارنة، تبلغ نسبة نواة الأرض %10 تقريباً من قطرها).
ولعل التفسير الأبرز لذلك هو أن عطارد قد تشكل بطريقة مشابهة للكواكب الصخرية الأخرى، واتبع ذات الوصفة الأولية، وكان ذات مرة بحجم كوكب المريخ. ولكن ما حدث بعد وقت قصير من تشكله هو أنه تعرض لاصطدام هائل أطاح بعيداً بمعظم طبقة وشاحه Mantle الخارجية، لتبقى نواة حديدية تكوّن الجزء الأكبر من الكوكب بنسخته الأخيرة.
إحداث اصطدام
ظاهريا، فرضية الاصطدام الصخم هذه معقولة جدا. وبالفعل، يعتقد أن الاصطدامات الهائلة في زمن مبكر من تاريخ المجموعة الشمسية هي سبب تشكل قمر الأرض وميل محول كوكب أورانوس.
ولكن أحد المشكلات الكبيرة التي تعترض هذه الفرضية هي أن معظم المادة المتبخرة التي انطلقت من عطارد بفعل اصطدام كبير ستتكثف بصورة كريات صغيرة صلبة. وتبقى هذه الكريات التي هي بحجم حبيبات زجاجية صغيرة في مدارات قريبة حول الشمس بالقرب من عطارد، وستعود للتراكم على الكوكب خلال عشرات ملايين السنين. ولذا، فهي لن تغير على الإطلاق إجمالي نسبة الحديد-السيليكات لعطارد بدرجة كبيرة.
ولذا فإن اللغز هو: إذا كان اصطدام هائل قد تسبب بنزع طبعة السيليكات الخارجية لعطارد، فما الذي منع سقوطها وتراكمها عليه ثانية؟ يعتقد كريستوفر سبولدينغ Christopher Spalding و فريد آدامز Fred Adams، وهما مؤلفا بحث هذا الشهر، أن لديهما إجابة.
الحل كما يقولان هو بأخذ الريح الشمسية بعين الاعتبار؛ ذلك التدفق من الجسيمات المشحونة Charged particles الذي ينطلق خارجاً من الشمس بسرعة مئات الكيلومترات في الثانية. وفيما تبدو هذه الريح الشمسية مُخلخلة Diffuse، إلا أنها توقع قوة دفع Drag force على الأجسام في مداراتها. وكما يشير سبولدينغ وآدامز، فإن الشمس القديمة التي وجدت في زمن تلك الاصطدامات الهائلة قبل نحو 4.5 بليون سنة، لابد أنها كانت تحظى بمجال مغناطيسي أقوى بكثير، ودوران أسرع حول نفسها، وريح أقوى. في الواقع، من المرجح أن الريح الشمسية التي انطلقت من الشمس الفتية كانت أقوى بما يتراوح بين 10 إلى 100 ضعف الرياح الشمسية اليوم.
ومع “تدفق” رياح شمسية بهذه الشدة، فلا بد أن المادة التي انتزعت من كوكب عطارد قد تعرضت إلى قوة دفع كبيرة أزاحتها بعيداً عن مداره. وبحسب سبولدينغ وآدامز، فإن المادة التي اقتلعت من عطارد قد انجرفت بعيداً عنه في أقل من مليون سنة، وبوتيرة أسرع بكثير من أن تسمح لها لتعود فتسقط وتتراكم عليه. ولذا فإن عملية الكنس التي تحدثها الرياح الشمسية تقدم تفسيراً للآلية التي ربما أمكن بها لعطارد أن يخسر طبقة الوشاح الغنية بالسيليكات بفعل اصطدام هائل، ومن دونها كان يمكن له أن يلتقطها كلها من جديد.
هكذا، يتبين أنه يمكن لاصطدام بكوكب بدئي هائج لا اسم له أن يعطينا كوكب عطارد بصورته التي يبدو عليها الآن، وذلك بالتآمر مع رياح شمسية قديمة أشد قوة مما هي عليه اليوم.