8 حقائق لم تكن تعرفُها قبلاً للبحث عن حياة فضائية غريبة
كلما تعلَّمنا أكثر عن كواكب أخرى، بدأنا في فَهم كيف يمكن للحياة أن تظهر هناك. يأخذنا عالم الحياة الفلكية آدم فرانك في رحلة مع أكثر الحقائق التي عرفناها إلى الآن إدهاشاً
1. الكواكب النجمية موجودة في كل مكان
عندما كنتُ طالب دراساتٍ عليا في علم الفلك في أوائل تسعينات القرن العشرين، لم يكن أحد يعلم ما إذا كانت توجد أي كواكب أخرى في الكون غير الثمانية التي تدور حول شمسنا. وبما أن العلماء يعتقدون أن نشوء الحياة يتطلب وجود سطح كوكبي، أو محيط مائي، فقد ازدادت أهمية السؤال عن كواكب تدور حول نجوم أخرى. ثم، في العام 1995، اكتشفنا أول كوكب خارج المجموعة الشمسية كوكب نجمي Exoplanet وكان ذلك ثورةً علمية حقيقية. وبالانتقال سريعاً إلى العام 2024، نرى أننا قد اكتشفنا كثيراً من الكواكب النجمية، إلى درجة تسمح لعلماء الفلك بأن يقولوا بثقة إن كل النجوم تقريباً التي نراها ليلاً تستضيف أُسرةً من الكواكب.
وبعد دراسة العدد المتزايد لديهم من تلك العوالم، توصل علماء الفلك إلى اكتشاف مثير: إذا عدَدْتَ خمسة من النجوم التي تراها في سماء الليل، فسيكون لأحدها كوكبٌ نجمي يدور حوله في المنطقة التي تسمى ”المنطقة الصالحة للحياة“ Habitable zone. هذه المنطقة هي المسافة التي يبعدها مدار هذا الكوكب عن نجمه، بحيث يمكن للماء السائل أن يوجد على سطحه. ونظراً إلى أن الماء مفيد جداً في الكيمياء الحيوية، فهو يُعتبَر شرطاً أساسياً للحياة. وحالياً، يعرف علماء الفلك أن الكواكب توجد في كل مكان. بل أكثر من ذلك، أن كواكب المنطقة الصالحة للحياة هي كثيرة. يعني هذا أن علماء الفلك يعرفون بالضبط أين يبحثون عن الحياة باستخدام تلسكوباتنا الجديدة بقدراتها المتقدمة.
2. لن يبدأ البحث عن الحياة بالقرب من نجوم شبيهة بالشمس
الشمس ليست من النجوم الشائعة. فالنوع الأكثر شيوعاً من النجوم في المجرّة النجوم القَزمة M-dwarfs من الصنف M هو أصغر قليلاً وأقل كتلة وأكثر إعتاماً من الشمس. ولأنها أكثر شيوعاً بكثير من أبناء عمومتها من النجوم الأكبر حجماً، الشبيهة بالشمس، فسيكون هناك كثير منها بالقرب من الأرض؛ وهذا يعني أنها قد تكون أهدافاً أفضل لعلماء الفلك الباحثين عن الحياة على كواكب نجمية تدور حولها.
هناك مشكلة مهمة عندما يتعلق الأمر باستهداف كواكب النجوم القَزمة من الصنف M: فلأن هذه النجوم هي أقل كتلة، فهي تستهلك طاقة أقل، وتكون بذلك خافتة. وهذا يعني أن المناطق الصالحة للحياة حولها هي أقرب مسافة بكثير إليها. ومن ثم سيخضع أي كوكب يدور على تلك المسافة القريبة من نجمه، لحالة تقييد مدِّي Tidally locked، وهو ما يعني تزامن دورته المحورية حول نفسه مع دورته المدارية حول نجمه بحيث يواجه أحد وجهيه نجمه دوماً، ويكون وجهه الآخر بعيداً عنه دوماً. نعلم أن قمرنا هو في حالة تقييد مدِّي مع الأرض، ولهذا السبب نرى دائماً جانباً واحداً منه فقط. فهل يمكن للحياة أن تنشأ على كوكب يكون أحد طرفيه في ضوء نهارٍ دائم، في حين يغيب طرفُه الآخر في ليل متجمد أبدي؟
لا طريقة لمعرفة ذلك إلا إذا نظرنا إليها ورصدناها. ولهذا السبب يدرس الآن كثير من علماء الفلك هذه العوالم المقيدة مدِّياً.
3. لا تحتوي مجموعتنا الشمسية على النوع الأكثر وفرة من الكواكب
إحدى المفارقات الكبيرة في العصر الذهبي لعلم الحياة الفلكية الذي نعيشه الآن هي أننا نعرف الآن أن نوع الكواكب الأكثر شيوعاً في المجرّة هو بالضبط ذلك النوع الذي يغيب عن مجموعتنا الشمسية. لا توجد كواكب تدور حول شمسنا لها كتلة تتراوح بين كتلة الأرض وكتلة العملاقين الجليديين أورانوس ونبتون (14.5 و17 كتلة أرضية، على التوالي). إلا أن الأمر ليس كذلك في معظم أنظمة الكواكب عبْرَ أنحاء المجرّة. فأكثر أنواع العوالم شيوعاً في مجرّة درب التبانة، وربما في الكون، هو نوع شبيه بكوكب أرضي كبير Super-Earth، ونوع آخر شبيه بكوكب نبتون صغير Sub-Neptune. ولهذه الكواكب كتل تقع في فجوة المجال الكتلي 1 إلى 15 (كتلة أرضية) Earth’s mass. يرى علماء الفلك أن الكواكب الأرضية الفائقة Super-Earths هي مثيرة لاهتمامهم بنحو خاص، وذلك لأنها ستكون نسخاً كبيرة من عالمنا الأرضي، وهذا يعني أنها ستحظى بأسطح يابسة. يمكن لكوكب أرضي فائق يوجد في المنطقة الصالحة للحياة أن يحتوي على مياه سائلة على شكل بحيرات، أو حتى محيطات عميقة. وبما أن الكواكب الأرضية الفائقة هي أكثر شيوعاً بكثير من العوالم المماثلة لحجم الأرض، لذا فهي هدف رئيس في البحث عن الحياة في الكون.
4. قد يكون محتوى الأرض من خليط الماء واليابسة نادرَ المثال في الكون
كما رأينا، يبدأ البحث عن الحياة في الكون بالبحث عن الماء. إحدى الحقائق الغريبة عن الأرض هي أن الأرض لديها انقسام متساوٍ تقريباً بين المحيطات واليابسة (في الواقع النسبة هي 71% ماء إلى 21% يابسة، لكن بالنسبة إلينا نحن علماء الفلك فهذه نسبة متقاربة بما فيه الكفاية). تتكون الكواكب من اصطدامات عنيفة متكررة بين أجرام صغيرة. وهذا يعني أنها تنشأ حارة، مع أسطح هي أساساً محيطات من صخور منصهرة. وبحلول الوقت الذي تبرد فيه هذه الأسطح وتتصلب، سيتعرض أي ماء موجود عليها للغليان والتبخر. إذا كان مقدراً لكوكبٍ ما أن يحتوي على بحيرات ومحيطات، فسيتعين إيصال الماء إليه لاحقاً، بعد تصلُّب سطحه. يعرف علماء الفلك الآن أن هذا يمكن حدوثه من خلال ارتطام الكويكبات والمذنّبات الحاملة للماء.
على الأرض حدث هذا بعدَ نصف بليون سنة تقريباً من تشكلها. فخلال فترة وجيزة، تلقت الأرض ما يكفي من المياه لملء الأحواض بين قاراتها وتكوين محيطاتها. غير أن الكمية الدقيقة من المياه التي يحصل عليها كوكب ما هي مصادفة. فلو كانت الأرض قد تعرضت لعدد أقل من تصادمات الكويكبات، لربما انتهى بها الأمر بصورة عالم صحراوي مثل آراكيس Arrakis في رواية الخيال العلمي ديون (كثيب) Dune. أما لو تعرضت لتصادمات أكثر، لكانت قد فاضت بالمياه إلى أن تغمر أعلى الجبال؛ وكنا سنكون عالم محيطات. قد يكون هناك عديد من عوالم المحيطات بين النجوم، وهذا ما يثير سؤالاً مهماً: هل كان تساوي كمية اليابسة مع الماء على الأرض أمراً مهماً لظهور الحياة؟ أو أن الحياة يمكن أن تنشأ في عوالم لا يابسة فيها على الإطلاق؟
5. تستطيع الحياة أن تختبئ تحت جليد أقمار مجموعتنا الشمسية
المنطقة الصالحة للحياة هي فكرة كلاسيكية في علم الأحياء الفلكي Astrobiology، وهي تعود إلى العام 1958. الذي صاغ المصطلحَ هو عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي سو شو هوانغ Su-Shu Huang. غير أن الدراسات التي أُجريت على مجموعتنا الشمسية أظهرت أن فكرة ”صالح للحياة“ تعني ما هو أكثر من مجرد وجود في المنطقة الصالحة للحياة. يعرف العلماء الآن وجود محيطات ماء تحت سطح يوروبا Europa، وهو قمر يدور حول المشتري، وتحت سطح إنسيلادس Encealadus، وهو أحد أقمار زُحل. يحتوي القمر يوروبا على محيط ماء بعمق 150كم أسفل طبقة جليد سماكتها 15كم، وبكمية تبلغ ضعف كمية الماء الموجودة على الأرض. أما القمر إنسيلادس، فهو يطلق نفاثات من بخار ماء مالح بارتفاع مئات الأميال في الفضاء. فهل يمكن للحياة أن تكون قد نشأت على هذين القمرين الحاضنين للمحيطات؟ هل يمكن أن تكون هناك أنظمة إيكولوجية كاملة من الميكروبات، أو حتى حيوانات، تحيا في الأعماق المائية المعتمة لهذين القمرين؟ ومع وجود خطط لإرسال بعثات تحلق فوق أقمار المشتري الجليدية في السنوات القليلة المقبلة، سيكون علينا انتظار الحصول على إجابات عن هذه الأسئلة إلى أن نستطيع إرسال مسابير إلى ما تحت السطح، لتغوص في محيطات هذه الأقمار. لكن هذين القمرين يقدمان احتمالات مثيرة للبحث عن حياة فضائية غريبة في مجموعتنا الشمسية.
6. يمكن لنوع جديد من الكواكب حديثة الاكتشاف أن يوسع مجال المنطقة الصالحة للحياة
بينما تُشكل الكواكب الصخرية الفائقة فئة جديدة من الكواكب التي يمكن لعلماء الحياة الفلكية استكشافها، تبدو الأرصاد الأخيرة التي أجراها التلسكوب جيمس ويب الفضائي (اختصاراً: التلسكوب JWST) أنها قد وجدت أدلة على وجود فئة جديدة تماماً من الكواكب التي قد تستضيف الحياة أيضاً. نعلم أن الكواكب الشبيهة بكوكب نبتون Sub-Neptunes هي كواكب ذات كتلة تتراوح بين 7 و15 كتلة أرضية. وقد اعتقد معظم علماء الفلك في السابق أنها مجرد كرات هائلة من الجليد والغاز، لكن العلماء اكتشفوا أخيراً كوكباً بكتلة تبلغ 8 كتل أرضية، وأسموه K2-18b. قبل أقل من عام أظهرت عمليات رصد نفَّذها التلسكوب JWST أن توازُنَ المواد الكيميائية في الغلاف الجوي لهذا الكوكب قد وفّر دعماً لهذا الكوكب ليكون كوكباً عبارة عن ”محيط هيدروجين“ (Hycean). يغطي عوالم المحيطات الهيدروجينية غلافٌ جوي كثيف من الهيدروجين يمنحها مفعولَ دفيئة شديداً، ولذا فهي ستحتضن محيطات عميقة ودافئة. وكما رأينا فالماء السائل هو الكأس المقدسة لعلماء الحياة الفلكية الباحثين عن الحياة. إذا كان الكوكب K2-18b هو عالَم محيط هيدروجيني، فإن الكون قد ينطوي على مجموعة من الاحتمالات للحياة أوسع مجالاً من الكواكب الشبيهة بالأرض. ونظراً إلى أن الغلاف الجوي الهيدروجيني فعال جداً في حبس الطاقة الآتية من النجم المضيِّف بفعل تأثير الدفيئة، فإن المنطقة الصالحة للحياة في عوالم المحيطات الهيدروجينية ستكون أكبر بكثير من تلك الخاصة بالعوالم الأرضية Terrestrial worlds.
7. يمكن العثورُ على البصمات الحيوية بصمات الحياة في الغلاف الجوي للكواكب
بالنسبة إليّ، الشيءُ الأكثر روعة في البحث عن حياة فضائية غريبة هو أننا نعرف على الأرجح كيف نستطيع العثور عليها. فبفضل التطور في تكنولوجيا التلسكوبات، يمكن لعلماء الفلك الآن التحديق في الغلاف الجوي للكواكب الغريبة بهدف العثور على ”بصمات حيوية“ Biosignatures فيها.
يمكن رصد الكواكب النجمية عندما تمر بيننا وبين نجومها المضيِّفة. وعندما يحدث ذلك، يحجب الكوكب بعضاً من ضوء النجم. وإذا كان لهذا الكوكب غلاف جوي، فسيمر بعضٌ من ضوء النجم عبرَه، ويتفاعل مع ذراته وجزيئاته، ليصنع نمطاً من بصمة طيفية Spectral fingerprint يمكن أن تلتقطها التلسكوبات على الأرض. بفحص هذه البصمات، يمكن لعلماء الفلك أن يعرفوا بدقةٍ مِمَّ يتكون ”هواء“ ذلك الكوكب الفضائي الغريب. تُسمى هذه العملية ”توصيف الغلاف الجوي“ Atmospheric characterisation، ولها آثار عميقة بالنسبة إلى عمليات البحث عن حياة. هنا على الأرض يوجَد كثير من الغازات التي لا توجد إلا في غلافها الجوي، وذلك لأن الحياة هي التي صنعتْها وأطلقتها فيه. والمثال الأهم فيها هو الأكسجين، الذي تطلقه باستمرار الكائنات الحية التي تقوم بعملية البناء (التمثيل) الضوئي. إذا رأينا البصمة الطيفية للأكسجين في الغلاف الجوي لكوكب نجمي فسيكون ذلك بصمةً حيوية دليلاً على أن الكوكب كان لديه محيط حيوي غني يغيِّر من هوائه. يعمل علماء الفلك الآن بجدٍّ على إنشاء مكتبة من البصمات الحيوية المحتملة. بعضها هو عناصر نعرف أنها نتجت بفعل الحياة على الأرض، مثل الأكسجين. ومع ذلك سيكون بعضها الآخر بصورة بصمات حيوية ”غير مُحدَّدة“ لا علاقة لها بحياة الأرض. تأتي هذه من التفكير بصورة عامة في كيفية تأثر الغلاف الجوي للكوكب المضيِّف بأي شكل من أشكال النشاط البيولوجي عليه.
8. قد يكون من الأفضل البحثُ عن بصمات تكنولوجية بدلاً من الحيوية
ومع توفير البصمات الحيوية طريقة لاكتشاف وجود أغلفة حيوية، يعمل علماء الحياة الفلكية أيضاً بجِد على استكشاف احتمالات العثور على بصمات تكنولوجية تفيد كدليل على وجود حضارات ذكية، أو حضارات تكنولوجية، أو غلاف تكنولوجي على الكوكب.
لقد أنتج البشر غلافاً تكنولوجياً على الأرض: إنه نتيجة كل شيء صنعناه، بدءاً من مدننا إلى شبكات الاتصالات التي تربطها. أنا الآن الباحث الرئيس في أول منحة من الوكالة ناسا لدراسة البصمات التقنية من الكواكب النجمية. تتمثل مهمتنا في إنشاء مكتبة من البصمات التقنية المحتملة التي قد يُنتجها كوكب فضائي غريب ذو حضارة. لقد درسنا بالفعل مجموعة من البصمات التي يمكن اكتشافها عبر المسافات بين النجوم، بما في ذلك أضواء المدن وتلوث الغلاف الجوي.
ومع ذلك هناك نقطة مهمة، وهي أن البصمات التقنية قد تكون أكثر انتشاراً وأطول عمراً من البصمات الحيوية. فالغلاف الحيوي والبصمات الحيوية يوجدان معاً يمكنك العثور على شيء مثل الأكسجين فقط حيث ما زالت الحياة تنتجه. إذا انتهت تلك الحياة، فستنتهي معها البصمات الحيوية. في هذه اللحظة هناك على سطح المريخ مجموعة من الروبوتات صُنعت على الأرض، وهناك حفنة مسابير فضائية أخرى غادرت المجموعة الشمسية. إذا انتهت الحضارة البشرية غداً، فستظل هذه المسابير الفضائية موجودة. تخيل الآن حضارة أكثر تقدماً من حضارتنا بـ10,000 مرة، وكانت ترسل باستمرارٍ مركباتها الفضائية. ستطلق تلك الحضارة كثيراً وكثيراً من البصمات التكنولوجية التي قد نكتشفها من الأرض حتى بعد مدة طويلة من فناء تلك الحضارة. ولكن الخبر السار هو أننا مستعدون للبَدء في البحث عنها، وقد نتمكن قريباً من الإجابة عن أحد أقدم الأسئلة التي طرحتها البشرية: هل نحن وحيدون في هذا الكون؟