أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
شروحات

رأس الغول: النجم الشيطاني

يتحرى آيان ريدباث Ian Ridpath أسطورة النجم ”الغامز“ الشهير في كوكبة حامل رأس الغول

النجم الشيطاني
في كتاب النجوم الثابتة Book of Fixed Stars، في العام 1010 تقريباً، والمحفوظ في مكتبة بودليان في أكسفورد، يضع الصوفي نجم رأس الغول على صدغ رأس مقطوع، وله لحية

اسألْ أي عالم فلك أن يسمي لك أشهر نجم متغير Variablestar يعرفه في السماء، وسيقول لك كثير منهم إنه نجم رأس الغول Algol، ذلك النجم المزدوج الكسوفي Eclipsing binary في كوكبة حامل رأس الغول Perseus، الذي أشار عالم الفلك الإيطالي جيمينيانو مونتاناري Geminiano Montanari إلى تغير سطوعه أول مرة في العام 1670. يُرى نجم رأس الغول بوضوح مساءً في هذا الوقت من العام، وينخفض سطوعه إلى مقدار ثلث سطوعه المعتاد كل 2.87 يوم مدة 10 ساعات بسبب تعرُّضه لحادثة كسوف جزئي Partially eclipsed بفعل قرينه الأكثر خفوتاً منه قبل عودته إلى سطوعه الطبيعي.

عُدْ لتسأل ذلك الفلكي ذاته عن الشيء الذي يمثله رأس الغول، وستكون إجابته على الأرجح إنه ”العين الغامزة لميدوسا“، ذلك الوحش الغورغوني البشع الذي ذبحه البطل اليوناني فرساوس (بيرسيوس) Perseus في واحدة من أشهر قصص الأساطير القديمة. ولكن هل هذا صحيح؟

لمعرفة ذلك، فلنعُدْ إلى فهرس النجوم الذي جمعه الفلكي اليوناني بطليموس Ptolemy في كتابه المجسطي Almagest، الذي كتبه في العام 150 للميلاد تقريباً. احتوى فهرس بطليموس على أكثر من 1,000 نجم ترى بالعين المجردة، ورتبها ضمن 48 كوكبة سميت بأسماء شخصيات أسطورية ووحوش خرافية. هذا الفهرس هو الأساس لشكل وترتيب السماء كما نعرفها الآن. ذكر بطليموس 26 نجماً في كوكبة حامل رأس الغول، ووصف كيف يمكن استخدامها لتصوُّر شكل جسم البطل الطائر: قدميه المجنحتين، ويده اليسرى القابضة على رأس ميدوسا Medusa بشعرها من الأفاعي، ويده اليمنى تُلوِّح بالسيف الذي يقطر دماً بعد أن قطع رأسها به.

العين الخطأ
وفقاً لبطليموس فإن أربعة من هذه النجوم، توجد في رأس الميدوسا. وقد أطلق على النجم الذي نعرفه الآن باسم رأس الغول Algol (وهو اسم عربي جاء بعد وقت طويل من عصر بطليموس) اسم ”النجم الساطع في رأس الغورغون“ Gorgon’s head. لاحظ أنه قال الرأس. ولا إشارة منه لعين.

لم يحتوِ كتاب المجسطي على خرائط نجوم. كانت أول نسخة مصورة منه من عمل عالم الفلك العربي الصوفي (الذي يُعرف بنحو أفضل بنسخة لاتينية من اسمه Azophi) بعد أكثر من 800 سنة من كتابة المجسطي. وقد اعتمد كتاب النجوم الثابتة Book of the Fixed Stars للصوفي، الذي نُشر في العام 964 تقريباً، الكوكبات الـ 48 ذاتها التي وضعها بطليموس، ولكنه عرض صوراً رُسمت باليد. وقد تباينت هذه الصور من نسخة إلى أخرى، خاصة أنها كانت في زمن أقدم بكثير من أيام عصر الطباعة. 

أما ما يقال عنها إنها أول نسخة باقية من كتاب الصوفي -ويعود إلى العام 1010 تقريباً- فتُصوّرُ فرساوس في أثواب عربية (انظر الشكل 1). في هذا الرسم، صار رأس الميدوسا رأس رجل له لحية، ربما بسبب أن الرسام رأى الأفاعي المتدلية كشعر من رأس الميدوسا شبيهة بشعر طويل في الوجه.

رأس الغول هو النجم الأكبر بين أربعة نجوم في الرأس، والشيء المهم، هو أنه يوجد قرب عين الميدوسا، وليس عليها.

لم يطلق بطليموس اسماً على هذا النجم، لكن العرب فعلوا. لقد دعوه باسم رأس الغول Ra’s al-ghul (بالإنجليزية: ”The demon’s head“)، وهو الذي جاءت منه كلمتنا Algol، وتعني شيطان Demon، أو غول Ghoul. يقترح بعضهم أحياناً أن صفة الغول الملصقة بالنجم كانت بسبب أن الفلكيين العرب عرفوا عن تغير سطوعه، ولكن الصوفي لم يذكر شيئاً عن تغير كهذا، وذلك مع أنه اهتم بنحو خاص بسطوع النجم وصحح كثيراً من درجات السطوع التي حددها بطليموس. وبتسمية رأس الغول فإن الصوفي ومن جاء بعده من الفلكيين كانوا ببساطة يترجمون وصف بطليموس للنجم في كتابه المجسطي. فلم يروه كعين الميدوسا مطلقاً.

وبملاحظة كل هذه الأدلة معاً، من الواضح أنه لم يوجد دليل يشير إلى أن تغير سطوع رأس الغول كان معروفاً قبل أن يرصده مونتاناري في القرن السابع عشر. وبدلاً من ذلك، يبدو أن اسم رأس الغول له جذوره في الأساطير اليونانية، وأن تغير سطوع هذا النجم هو أمر تصادفي فقط. كما أن فكرة أن نجم رأس الغول هو ”عين غامزة“ هي أسطورة حديثة. 

آيان ريدباث Ian Ridpath:
اعرفْ مزيداً عن أساطير جميع الكوكبات على الموقع الإلكتروني لـ آيان ريدباث، على الرابط: bit.ly/startales.


النجم الشيطاني
الشكل 2: في العام 1603، وصف باير نجم رأس الغول، كما فعل الصوفي، بأنه يوجد قريباً من عين الغورغون، ولكن ليس عليها

غولٌ يغمز

تمكن أخيراً علماء الفلك من تحديد تغيُّر سطوع رأس الغول في القرن التاسع عشر في الواقع اكتشفت هذه الحقيقة مرتين.

تطلب الأمر من علماء الفلك الغربيين 6 قرون ليلاحظوا تغير سطوع رأس الغول من بعد أرصاد العالم الصوفي، كما أنه لم يظهر في السجلات القديمة كعين للميدوسا. في العام 1603، نشر الفلكي الألماني يوهان باير Johann Bayer أطلسه للنجوم، بعنوان أورانومتريا Uranometria، وأطلق على رأس الغول اسم بيتا حامل رأس الغول Beta Persei، وقد التزم باير بتصوير رسمات الصوفي، الذي وضع رأس الغول على صدغ الميدوسا قُرب عينها اليمنى، وليس فوقها (انظر الشكل 2).

الشكل 3: في العام 1729، وضع العالم الفلكي الملكي فلامستيد نجم رأس الغول على جبهة الميدوسا، من دون أن يذكر شيئاً عن تذبذب سطوعه
النجم الشيطاني
الشكل 4: أشيرَ إلى تغير سطوع النجم في أطلس العالم الفلكي بود، أورانوغرافيا Uranographia، في العام 1801، ولكنه ابتعد مسافة أكبر على خصلات شعر الميدوسا المكونة من الأفاعي

في العام 1670، كان العالم الفلكي مونتاناري Montanari هو أول فلكي يلاحظ تغير سطوع رأس الغول، ليكون ثاني نجم يُعرَف بتغير سطوعه، بعد 30 سنة من اكتشاف تذبذب سطوع النجم أعجوبة قيطس (ميرا) Mira في كوكبة قيطس Cetus. ولكن يبدو أن هذه الحقيقة كانت في بادئ الأمر إما أنها غير معروفة، وإما غير مقبولة، كما حصل مع جون فلامستيد John Flamsteed، وهو أول عالم فلكي ملكي بريطاني، عندما وضع أطلسه للنجوم، أطلس السماء Atlas Coelestis، في العام 1729، من دون إشارة صريحة إلى تغيُّره. وقد ذكر ببساطة أن رأس الغول هو نجم بسطوع من القدر الثاني (انظر الشكل 3). كما أنه وضعه في مكان على جبهة الميدوسا، أعلى مما أظهرت الرسوم السابقة.

ويبدو أن الإشارة إلى تغير سطوع رأس الغول قد فُقدت سنوات كثيرة، إلى أن اكتُشف تغيُّره مرة أخرى على يد العبقري الشاب جون غودريك John Goodricke بعد ذلك بأكثر من نصف قرن. أما أطلس النجوم العظيم التالي الذي سينشر بعد هذا الإعلان الثاني فكان هو أطلس أورانوغرافيا Uranographia لـ يوهان بود Johann Bode، في العام 1801. أطلق بود على النجم صفة ”المتغير“ Variabilis، مع أنه كان لا يزال يصوره في أعلى رأس الميدوسا، وليس على عينها (انظر الشكل 4).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى