ألعابٌ نارية نجمية تربك التلسكوب ويب
ربما تُخفي المجرّات المبكرة كتلتها الحقيقية وراء انفجارات النجوم الجديدة
بعد مرور عام على بدء عمل ما نأمل أن تكون بعثة مدتها 20 عاماً، أعطانا تلسكوب جيمس ويب الفضائي صوراً مذهلة لكل شيء، بدءاً من كوكب المشتري وصولاً إلى سديم الجبّار. ومع ذلك، فإن النتائج التي جذبت قدراً كبيراً من الاهتمام صورٌ لما يبدو أنها أبعد المجرّات التي رصدت على الإطلاق لم تكن مذهلة. ومع أنه من المثير للإعجاب أن ندرك أن الضوء المنبعث من كل من هذه المجرّات كان يرتحل نحونا منذ أكثر من 13 بليون سنة، ويجعلنا لذلك نراها كما كانت في بداية الكون، إلّا إن الحقيقة هي أننا نراها بصورة نقاط ضوء خافتة، ليس أكثر.
إذاً ما الذي يمكننا معرفته فعلاً عن مجرّة ما عندما يكون كل ما لدينا منها هو صورة ضبابية غير واضحة؟ يمكن للحصول على طيف ضوء المجرّات حيث نقيس شدة الضوء عند أطوال موجية مختلفة أن يساعد هنا، وذلك لأسباب ليس أقلها إتاحة فرصة استخدام بعض المعالم ضمن الطيف المسجل لقياس انزياحه نحو الأحمر، ومن ثم تحديد مدى بعد تلك المجرّات. لكن ما نريد أن نعرفه هو كيف يبدو شكل هذه المجرّات الوليدة فعلاً؛ وهل تمكنت من بناء نجومها؟ ومتى؟ وهل أنها تحتضن فعلاً ثقوباً سوداء عملاقة؟
تشير النتائج الأولى إلى أن المجرّات ربما تكون أكثر تطوراً بكثير مما نتوقع، لكن بحث هذا الشهر يلقي بعض الشكوك على هذه النتائج الرئيسية. استخدم فريق علمي بقيادة ديسيكا نارايانان Desika Narayanan من جامعة فلوريدا، إضافة إلى علماء فلك في إدنبرة وبورتسموث، محاكاة حاسوبية قوية لاختبار حدود قدرات تلسكوباتنا، موجهاً تلسكوب ويب افتراضي إلى مجرّات اصطناعية لمعرفة ما يمكن اكتشافه. ومع أن النتائج ما زالت في قيد المراجعة من قبل إحدى المجلات المتخصصة، إلّا أن الأخبار مقلقة بعض الشيء.
أحد أهم الأشياء التي نريد معرفتها هي كتلة جميع النجوم التي تشكلت في مدة مئات ملايين السنين الممتدة بين لحظة الانفجار الكبير Big bang والضوء الذي نراه حالياً مغادراً المجرّة. لقد تنبأ علم الكون Cosmology بهذه، وهو يعطينا فكرة عن كيفية سير المشروع الكبير لجمع النظم الضخمة، بما في ذلك مجرّات مثل مجرّتنا درب التبانة. تكمن المشكلة في أن هذا البحث يُظهر أنه من السهل تشتيت انتباهنا إذا تصادف رصدنا للمجرّة وهي في طور عملية جديدة من بناء النجوم.
”نعتقد أننا نرصد القرص الرئيسي للمجرّة، لكننا نرى فقط ألعاباً نارية من عملية نشطة جداً لنشوء النجوم الجديدة“
بعض النجوم التي تشكلت كانت ضخمة الكتلة. وهي تعيش حياتها بوتيرة سريعة وتموت صغيرة السن، ولذلك فهي لا تدوم طويلاً بعد توقف عملية تشكل النجوم. ومع ذلك، يمكن لضوئها الساطع أثناء عملية بناء النجوم أن يطمس ضوء الخلفية القادم من أعضاء قدماء في المجرّة. بعبارة أخرى، قد نظن أننا نرصد القرص الرئيسي للمجرّة، لكننا نرى بدلاً من ذلك فقط ألعاباً نارية من عملية بناء نشطة جداً لنجوم جديدة.
هذا يعني أن تقديرنا لكتلتها ربما يكون خاطئاً بعامل قدره 10 تقريباً؛ وأن تكون المشكلة أسوأ في مثال النظم التي تتشكل فيها النجوم بأعداد كبيرة وهو أمر يتوقع بعض العلماء حدوثه في بدايات الكون. وسيكون هذا خطأ فادحاً يهدد بعرقلة قدرتنا على تنفيذ اختبارات كونية باستخدام أرصاد التلسكوب ويب لأعماق الفضاء.
لكن يبقى هناك بعض الأمل. يقترح المؤلفون أن النماذج الأكثر تطوراً لكيفية ارتباط تاريخ بناء نجوم مجرّة بطيوفها وهي نماذج ربما طُورت بمساعدة التعلم الآلة Machine learning قد تكون هي الحل. ومع ذلك، فهذا سبب آخر لنحتاط في تفسير ما يراه التلسكوب ويب في زمن بدايات الكون. ولكن لا بأس، فلدى التلسكوب ويب وقت كثير ليعمل على كشف هذه الأمور.
البروفيسور كريس لينتوت:
عالم فيزياء فلكية يشارك بتقديم برنامج سماء الليل Sky at Night
Outshining by Recent Star Formation Prevents the Accurate Measurement of High-z Galaxy Stellar Masses by Desika Narayanan et al..
اقرأها على الرابط: arxiv.org/abs/2306.10118.