هل يتوسع الكونُ بسرعة أكبر من سرعة الضوء؟
يواصل غوفرت شيلينغ شرحَ المفاهيم المربكة للكوزمولوجيا في الجزء الثاني من سلسلتنا
دورة مكثفة في الكوزمولوجيا
كوننا هائل الحجم؛ ففي كل اتجاه في السماء، ترصد تلسكوباتنا القوية مجرّات استغرق ضوؤها أكثر من 10 بلايين سنة ليصل إلى الأرض. ولكن مهلاً، فلو أننا تلقينا مثل هذا الضوء القديم من اتجاهين متعاكسين، وإذا كان الانفجار الكبير قد وقع قبل 13.8 بليون سنة ”فقط“، فهل يعني ذلك أن الكون يتوسع بسرعة أكبر من سرعة الضوء؟ ألا ينتهك ذلك نظرية النسبية لألبرت أينشتاين، التي تقول أن سرعة الضوء هي حد مطلق؟
قد تفاجئك الإجابة؛ ولكن أولاً، سنحتاج إلى إلقاء نظرة فاحصة على توسُّع الكون. كما هو موضح في الجزء السابق من هذه السلسلة، نعلم أن الكون يتوسع لأن المجرّات تبدو كأنها تبتعد بعضُها عن بعض فالمسافات بينها تزداد باستمرار. لكننا رأينا أيضاً أنه لا يجوز تصوير التوسع الكوني على أنه تسابق للمجرّات عبر فضاء فارغ بسرعات عالية لا تُصدَّق. وبدلاً من ذلك فإن الفضاء الفارغ نفسه هو الذي يتمدد، ليدفع المجرّات بعيداً بعضَها عن بعض.
وهناك مقارنة مفيدة هنا لمساعدتك على تخيّل هذا السيناريو، وهي التفكير في كيفية انتفاخ رغيف خبز بالزبيب في الفرن. فعلى الرغم من أن حبات الزبيب المفردة لا تتحرك في عجينة الخبز، فإن الأمر ينتهي بها لأن تبتعد بعضها عن بعض بسبب تضخم العجين في أثناء عملية الخبز. وها قد حصلت على الصورة: العجين هو الفضاء الفارغ؛ وحبات الزبيب هي المجرّات: حتى لو لم تتحرك المجرّات على الإطلاق، فإن مسافاتها البينية ستزداد بسبب توسع الفضاء. (لتمثيل الكون اللامتناهي الحجم، يجب أن يكون رغيف خبز الزبيب لانهائياً، ولكن حتى في هذه الحالة، فإن العجينة المتضخمة ستدفع حبات الزبيب للتباعد).
سرعة التوسع
إذن ماذا عن سرعة توسع الكون؟ حسناً، إذا بدأت حبتان من الزبيب في التباعد كلتاهما عن الأخرى من مسافة فاصلة بينهما بمقدار 1 سم، وازداد حجم الخبز بمقدار اثنين في ساعة واحدة، فسينتهي الأمر بابتعادهما كلتيهما عن الأخرى بمقدار 2 سم. ونتيجة لذلك، كما يتضح من حبة زبيب معينة منهما، ستبدو الحبة الأخرى وكأنها تتحرك بعيداً بمعدل 1 سم في الساعة. لكن حبة زبيب أخرى، كانت في الأصل بعيدة بمسافة 3 سم، على سبيل المثال، سينتهي بها المطاف على مسافة 6 سم، وهو ما يوافق سرعة ابتعاد ظاهرية تبلغ 3 سم في الساعة.
الأمر نفسه ينطبق على المجرّات في الكون المتوسع؛ فتبدو المجرّات القريبة وهي تبتعد بوتيرة أبطأ من المجرّات البعيدة. بعبارة أخرى، ليست للتوسع الكوني قيمة سرعة واحدة. وإذا كنت تريد فعلاً التعبير عنها بالكيلومترات في الثانية، فأنت في حاجة إلى معرفة المسافة التي تريد الحديث عنها. من المفيد تحديد سرعة تمدد الكون كمعدل نمو نسبي. لقد تبين أن الفضاء يتوسع ببطء كبير: في الوقت الحالي، تزداد المسافات الكونية بنسبة 0.007% فقط في مدة مليون سنة.
هل يتوسع الكون بسرعة أكبر من سرعة الضوء؟ حسناً، هذا يعتمد على مقياس المسافة الذي تنظر إليه. افترض أن مجرّتين في اتجاهين متعاكسين في السماء تفصل بينهما مسافة 20 بليون سنة ضوئية. وفقاً لمعدل التوسع الحالي للكون، فإن هذه المسافة بينهما ستزداد بنسبة 0.007% (تعادل 1.4 مليون سنة ضوئية) في مدة مليون سنة، وهذا أسرع من الضوء بوضوح. وقد تغير هذا المعدل قليلاً على مدار عمر الكون، لكننا سنناقش ذلك في حلقة مستقبلية.
لذلك، نعم، يمكن القول في مثال المسافات الكبيرة: فعلاً، إن الكون يتوسع بسرعة أكبر من سرعة الضوء. ولن يعترض أينشتاين هنا، لأن حدود سرعته الكونية تشير فقط إلى حركة الأجسام المادية عبر الفضاء، من نقطة معينة في الكون إلى نقطة ما أخرى. وإذن، بصورة عامة، لا علاقة لسرعة توسع الفضاء بأجرامه المتحركة فيه؛ كما أنها لا تتقيد مطلقاً بسرعة الضوء.
التوسُّع والجاذبيّة
على الرغم من أن الكون يتوسع فإن الجاذبية تساعد على إبقائه متماسكاً
إذا كان الفضاء يتوسع، فهل تتوسع مجرّتنا درب التبانة أيضاً؟ هل تبتعد كواكب المجموعة الشمسية ببطء عن الشمس؟ هل قطر الأرض آخذ في الازدياد؟ وماذا عن أنفسنا؟
لا تقلق: فالبنى الصغيرة نسبياً في الكون يرتبط بعضها ببعض بسبب جاذبيتها إنها لا تتوسع. هذا صحيح حتى بالنسبة إلى المجموعات المجرية وعناقيد المجرات الكثيفة. وفقاً لنظرية النسبية لألبرت أينشتاين، تؤثر الأجرام الضخمة في خصائص الفضاء الفارغ، بما في ذلك انحناؤه ومعدل توسعه.
إذا قارنا الكون المتوسع برغيف من خبز الزبيب حيث تبقى حبات الزبيب في مواقع ثابتة بالنسبة إلى العجينة الآخذة في الانتفاخ (انظر النص الرئيس)، يمكن تخيل الجاذبية بنحو تقريبي كأشرطة مطاط تربط حبات الزبيب المتجاورة. وبسبب وجود هذه الأربطة المطاطية، فإن حبات الزبيب تقاوم عملية دفعها بعيداً بعضها عن بعض، مما يعني أن العجينة لا تتضخم بسهولة في مناطق الكثافة العالية.
وبالمثل فإن توسع الكون يؤدي دوراً فقط خارج مجموعات وعناقيد صغيرة من المجرّات. لن تتأثر مجرتنا، درب التبانة، ومجموعتنا الشمسية، وكوكبنا الأرضي. أما فيما يتعلق بك: فإذا كنتَ قد تضخمت حجماً على مر السنين، فمن المحتمل ألا يكون ذلك بسبب توسع الكون!