من أضواء المدينة إلى أعماق الفضاء
في الجزء الأخير من سلسلتنا التي تتناول رصد النجوم من المناطق الحضرية في الفصول الأربعة كلها، يكشف لنا رود موليس Rod Mollise عن أجرام أعماق السماء الجميلة التي يمكنك اكتشافها في أشهر الشتاء.
ها قد حل الشتاء، وجاءت معه الليالي الطويلة المرحَّب بها. ولأنك فلكي تمارس نشاطك في المناطق الحضرية يمكنك قضاء وقت أطول في البحث عن عديد من أجرام أعماق السماء، تلك المجرّات والسُّدُم وعناقيد النجوم التي يمكن رؤيتها حتى في مناطق الإضاءة الساطعة. ومفتاح رؤيتها هو المثابرة وعدة الرصد المناسبة.
كاتب وهاوٍ فلكي أمريكي، يعيش بالقرب من
موبايل، بولاية ألاباما. ألَّف كتاباً بعنوان:
Choosing and Using a New CAT
مع هذه الطرق، والمعدات المناسبة، وبعض المثابرة، ستدهش من الروائع التي يمكنك اكتشافها في سماء ليل الشتاء.
مشاهد الشتاء
هناك كثير لرؤيته في الليالي الطويلة التي تمضيها باكتشاف هذه الكوكبات المذهلة…
ممسك الأعنة Auriga
تنهض هذه الكوكبة الهائلة في جهة الشرق
يمثل الشكل الخماسي المترامي الأطراف لكوكبة ممسك الأعنة Auriga موطناً لكل من عناقيد النجوم المفتوحة Open star clusters والسدم الانتشارية Diffuse nebulae. تبدو جميع سدمها باهتة وغير مرئية في الغالب لراصدي المناطق الحضرية، لكنها تمتاز بثلاثة عناقيد ميسييه جميلة.
العنقود المفتوح الكبير M37 (سطوع +mag. 5.6، وقطر ‘15) هو أحد أجرام السماء العميقة القليلة التي تبدو رائعة بأي تلسكوب وفي أي ظرف تقريباً. إنه ليس كبيراً جداً بالنسبة إلى تلسكوبات الفتحة المتوسطة، وذات البعد البؤري المتوسط E (كلما كان البعد البؤري للتلسكوب أكبر، كان مجال رؤيته أصغر)، ولكنه أيضاً ليس صغيراً بحيث يختفي في الخلفية إذا رُصد بأدوات أصغر وذات طول بؤري أقصر. يقع العنقود M37 خارج الشكل المخمَّس لكوكبة ممسك الأعنة إلى الشرق من الخط المرسوم بين نجم المعصم Mahasim الساطع ونجم النطح Elnath؛ وهذا النجم ”الخامس“ في خماسي ممسك الأعنة يتبع في الواقع إلى كوكبة الثور Taurus.
العنقود M36 (سطوع +mag. 6 وقطر ‘10) هو أيضاً عنقود مفتوح رائع، يبعد مسافة ‘3º41 في شمال غرب العنقود M37. يبدو بشكل صغير وساطع، ويضم كثيراً من النجوم اللامعة ضمن حيز صغير. وبرصده عبر تلسكوب عاكس E قطره 10 بوصات سيبدو بيضاوي الشكل قليلاً ومرصعاً بشموس براقة.
وبالابتعاد مسافة ‘2º18 باتجاه الشمال الغربي نجد العنقود الثالث من ثلاثي العناقيد المفتوحة في كوكبة ممسك الأعنة، وهو M38 (سطوع +mag. 6.4، وقطر ‘15). العنقود M38 غني بنجوم لامعة تنتظم في خطوط وشرائط ممتدة من مركزه، ومن هنا أخذ اسمه، عنقود نجم البحر Starfish Cluster. ومن خلال عينية E منخفضة قدرة تكبيرها، سيبدو M38 مثل نجم بحر كوني في بحر ليل معتم.
العنقود NGC 1907 (سطوع +mag. 8.2، وقطر ‘5) هو عنقود مفتوح خافت، يُرى على مسافة ‘32 في جنوب غرب العنقود M38. ومع تلسكوب بفتحة 8 بوصات ستراه حتى في ظروف تلوث ضوئي قوي إلى حد ما على الرغم من أنه سيبدو مثل لطخة ضباب، لا كعنقود نجمي.
كوكبة الجبّار Orion
كوكبة كبيرة وساطعة وسهلة الرؤية، ويجب رصدها
لا يقتصر ظهور كوكبة الجبّار Orion على الهيئة التي يفترض أنها تصورها ذلك الشكل البشري الضخم بالحزام والسيف ولكن نجومها، التي تشمل منكب الجوزاء Betelgeuse ورجل الجبّار Rigel الساطعين، تظهر جيداً أيضاً، حتى بوجود تلوث ضوئي شديد.
الجرم الأول في نصف الكرة الشمالي هو سديم الجبّار، M42 (سطوع +mag. 4، وحجم 1º x 1º30’). هذا الجرم الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة في سيف الجبّار هو واضح حتى في أسوأ ظروف تلوث سماء المدينة بالضوء. وفي حين أن راصدي المدينة لن يروا شيئاً يشبه رؤية السديم من مناطق ذات سماء معتمة، فإنهم يجب عليهم إبقاء مجال التلسكوب واسعاً بما يكفي لاستيعاب أكبر قدر ممكن من مشهده. يمكن لمرشح (فلتر) معتدل نسبياً من نوع UHC مثلاً أن يساعد بإبرازه، كما سيكشف مرشح OIII بعض تفاصيله غير المرئية من دونه.
سديم M43 (سطوع +9، وحجم 15’ x 20’) هو جزء منفصل من السديم M42، وهو ساطع بدرجة كافية للحصول على رقم M خاص به في فهرس ميسييه. من السهل العثور على M43، حيث يوجَد على الجانب الشمالي من سديم الجبّار. أكثر ما يلفت الانتباه في منطقته هو نجم نو الجبّار Nu (ν) Orionis الساطع الذي يحيط به السديم، ويبدو بسطوع +mag. 6.7. ومع زيادة قوة التكبير إلى 100-150X، يجب ظهور بعض ضبابية السديم للرؤية. وفي أفضل الأمسيات، ربما تظهر خطوط ضبابية داكنة تعبر السديم M43، وخاصة عند طرفه الشرقي.
وهناك سحابة أخرى ساطعة بنحو معقول في كوكبة الجبّار، هي M78 (سطوع +mag. 8، وحجم 8’x3’)، وهي سديم انعكاسي في شمال شرق الكوكبة على بُعد ⁰2 في شمال شرق نجم النطاق Alnitak، وهو النجم الأبعد شرقاً في حزام الجبّار. في الأمسيات الجيدة، يبدأ السديم M78 بالظهور بشكل مستطيل بدلاً من شكله البيضاوي، ويمتد بعيداً عن النجوم.
كوكبة الجبّار هي أيضاً مكان للعناقيد النجمية المفتوحة؛ وتزدحم بكثير من العناقيد بحيث يصعب أحياناً تحديد أين ينتهي أحدها وأين يبدأ آخر. هذه هي حال العنقود NGC 2175 (سطوع +mag. 6.8، وحجم 40’ x 30’) في الجزء الشمالي الشرقي من الكوكبة، على مسافة ليست بعيدة عن نهاية عصا الصيّاد المرتفعة. يُرى العنقود NGC 2175 على الجانب الرقيق، لكن سديم رأس القرد Monkey Head Nebula، الذي يغلف العنقود يمتد جنوباً.
وأخيراً هناك عنقود المعين Trapezium Cluster في سديم الجبّار، وهو مجموعة من أربعة نجوم رائعة أربع شموس ترسم فيما بينها شكل شبه منحرف. تقع المجموعة داخل السديم M42، على بعد 13’ في جنوب شرق نجم نو الجبّار.
كوكبة وحيد القرن Monoceros
ليس هناك كثير لرؤيته في هذه الكوكبة، ومع ذلك فهي ما زالت تحتفظ ببعض الروائع.
تقع كوكبة وحيد القرن Monoceros في شرق كوكبة الجبّار. وفي وجود تلوث ضوئي قوي ربما يصعب رؤية نجومها أسطع شمس فيها هي نجم ضئيل يشع بسطوع +mag. 3.9. غير أنه توجد هناك كنوز من أجرام أعماق السماء تنتظر كشفها.
سديم الوردة Rosette Nebula الجميل، NGC 2237 (بسطوع +mag. 5.5، وحجم 1º20’ x º1) هو حلقة رائعة متوهجة من سديم ضبابي انبعاثي مع مركز معتم يشبه إكليلاً كبيراً لعيد الميلاد ولكن ربما تصعب رؤيته. ستجد أن فلتر (مرشح) التلوث الضوئي من نوع OIII هو المفتاح لرؤية الوردة.
يوجد في مركز الوردة عنقود النجوم المفتوح الجميل NGC 2244 (بسطوع +mag. 4.8، وقطر 24’). وعلى عكس السديم، ليس صعباً رؤية العنقود تناثر ساطع لنجوم ترسم شكل كويكبة بهيئة طائر الغطّاس تقريباً.
ولكوكبة وحيد القرن شجرة عيد ميلاد ترافق إكليل الميلاد. يتكون عنقود شجرة عيد الميلاد Christmas Tree Cluster، NGC 2264 (بسطوع +mag. 3.9، وحجم 10’ x 7’)، من 30 إلى 40 نجماً ساطعاً ترسم (مع شيء من الخيال) شكل شجرة يمكن تمييزه. ومنطقة عنقود شجرة عيد الميلاد هي أيضاً منطقة سديم ضبابي.
أما العنقود M50 (بسطوع +mag. 5.9، وقطر 15’)، الذي يعرف أيضاً باسم العنقود القلبي الشكل Heart-Shaped Cluster، فيقع على مقربة من حدود كوكبة الكلب الأكبر Canis Major المجاورة. ويتباين نجم أحمر بالقرب من مركز العنقود تبايناً رائعاً مع الشموس العديدة ذات اللون الأزرق والأبيض في العنقود M50. يُعرف هذا الحشد النجمي باسم العنقود قلبي الشكل لأن أقواسه النجمية ترسم شكلاً يمكن التعرف عليه بشبهه لشكل قلب الفالنتاين.
كوكبة التوأمين
يسود مشهد هذه الكوكبة الساطعة في منطقة الأفق الشرقي في فصل الشتاء
ما يميز كوكبة التوأمين Gemini هو وجود نجمين ساطعين وجميلين لا يفصل بينهما سوى مسافة ⁰4.5، هما: نجم رأس التوأم المقدم Castor، سطوع +mag. 1.9، ونجم رأس التوأم المؤخر Pollux، سطوع +mag. 1.1. يرسم هذان النجمان شكل رأسَي التوأمين الأسطوريين، ويمتد تيار من النجوم الساطعة في جنوب كل منهما. أفضل طريقة لتصوُّر شكل التوأمين هي بهيئة حرف ‘U’ ضخم مستلقٍ على جانبه.
العنقود M35 (سطوع +mag. 5.2، وقطر 25’)، في الطرف الجنوبي للكوكبة عند ”قدم“ رأس التوأم المقدم، التوأم الغربي، هو أحد أجمل العناقيد النجمية في السماء. ويسهل العثور عليه باستخدام تلسكوب صغير حتى في ظروف تلوُّث ضوئي قوي، ويبدو بهيئة حشد دائري كثيف من النجوم المتلألئة بحجم قمر مكتمل تقريباً وتضيء أسطع نجومه بقدر +mag. 8.0.
العنقود NGC 2158 (سطوع +mag. 8.6، وقطر 5’) هو عنقود نجمي مفتوح يبعد مسافة 27’ في جنوب غرب مركز العنقود M35. وعلى الرغم من قربه من العنقود الكبير، إلّا أنهما غير مرتبطَين في الواقع: إذ يبعد العنقود NGC 2158 مسافة 13,000 سنة ضوئية في الفضاء، مقارنة بمسافة 2,800 سنة ضوئية ”فقط“ للعنقود M35. وإن شكْل تجاورهما هو مجرد أثر لوقوعهما على امتداد خط الرؤية. العنقود NGC 2158 في حاجة كبيرة إلى أداة رصد واسعة الفتحة.
يقع السديم الكوكبي NGC 2392 (بسطوع +mag. 3.5، وقطر 48’) على بعد أقل بقليل من منتصف الطريق أسفل الكوكبة، على مسافة 2º21’ شرق وجنوب شرق نجم دلتا التوأمين Delta (δ) Geminorum الساطع. يمكن لصغر حجمه أن يسبب الخلط بينه وبين نجم. في ليلة جيدة يمكن لقدرة تكبير بمقدار 250X أن تميز النجم المركزي بسطوع +mag. 10.5، في حين يمكن لزيادة التكبير إلى 300X أن تكشف لمحات من حلقة داخلية، تشبَّه بـ“قبعة فراء” لمعطف باركا Parka coat، وهذه التفاصيل هي أكثر وضوحاً في الصور الفوتوغرافية.
تقع المجرّة الحلزونية NGC 2339 (بسطوع +mag. 12.3، وقطر ‘2.4) على الجانب الشرقي من الكوكبة، على مسافة ‘4º13 في جنوب غرب النجم دلتا التوأمين بسطوع +mag. 3.5. يتطلب رصد هذه المجرّة الصبر، وليلة جيدة في الضواحي، وأداة رصد بفتحة 10 بوصات على الأقل.
كوكبة الكلب الأكبر
تمتاز هذه الكوكبة بكثير من المشاهد التي تستحق البحث عنها
يُعرف العنقود M41 باسمٍ آخر له، هو عنقود خلية النحل الصغير Little Beehive Cluster، وهو يبدو بسطوع +mag. 4.5، وحجم 39’ x 39’. وعلى رغم أنه لا يرتفع مطلقاً في السماء بما يكفي لمنافسة العناقيد المفتوحة الأخرى، فإنه ما زال يمثل أعجوبة مجموعة كبيرة من 60 نجماً تنتشر عبر منطقة أكبر حجماً من قمر مكتمل. معظم شموس العنقود M41 هي ساطعة، مما يجعله جرماً يُرى بالعين المجردة من مواقع معتمة بدرجة كافية. ولحسن الحظ يقع M41 في المنطقة الشمالية من الكوكبة، على مسافة ⁰4 في جنوب نجم الشعرى اليمانية Sirius، وهو بعيد إلى حد ما عن ضباب الأفق. لتحسين رؤية هذه المجموعة النجمية في المدينة حاول استخدام فلتر (مرشح) تلوث ضوئي معتدل، من نوع ’Skyglow‘ أو ’Deep Sky‘. سيكون لذلك تأثير إعتام للخلفية قليلاً، لكنه لا يعتم نجوم العنقود الساطعة بدرجة كبيرة. أحد أبرز المعالم الأخاذة في العنقود M41 هو تلك الشمس ذات اللون البرتقالي الأحمر القوي بالقرب من مركز العنقود.
السديم المميز NGC 2359 (بسطوع +mag. 11.5، وحجم 10’x10’)، والذي يُعرف أيضاً باسم خوذة ثور Thor’s Helmet، هو سحابة خافتة من الغاز المؤيَّن. قذف نجم من نوع وولف رايت Wolf–Rayet سحابة الغاز هذه، والتي يمكن رؤيتها من مواقع حضرية باستخدام تلسكوب عاكس دوبسونيان بحجم 12 بوصة مع فلتر (مرشح) UHC.
يتطلب العنقود NGC 2362 (سطوع +4.1، وحجم 8’ x 8’) رحلة إلى أقصى الجنوب، إلى موقع يبلغ ميله الاستوائي مقدار ــ24º57’. ومثل معظم العناقيد المفتوحة، لا يصعب إيجاد العنقود NGC 2362، ويمكن رؤية ما بين 20 و30 نجماً في العينية حتى عندما يكون على ارتفاع منخفض في السماء. وفي وسط العنقود NGC 2362 يوجد نجم بلون أصفر ساطع (بسطوع +mag. 4.3) اسمه العنكبوت القافز The Jumping Spider (تاو الكلب الأكبر). وبسبب تأثيرات التباين، عندما تهز التلسكوب، يبدو أن هالة الشموس الصغيرة ذات اللون البرتقالي والمحيطة بالنجم تاو تتحرك في اتجاه واحد، في حين يبدو النجم تاو يتحرك باتجاه معاكس العنكبوت يقفز!