أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أحدث التطورات

درب التبانة كانت تُخفي عنقوداً مجرياً

منَع غبار مجرتنا رؤيةَ تلك المنطقة إلى الآن

منذ زمن ويليام هيرشل William Herschel، عانى علماء الفلك مشكلةَ دراسة مجرّة درب التبانة في أثناء الوجود داخلها. وعندما وضع هيرشل خريطته لمجرّتنا، أعاقه الغبار داخل قرصها، وحجب ضوء النجوم البعيدة. وقد جعل هذا الأمر الشمس تبدو كأنها في مركز قرص المجرّة المسطح، وليس على حافتها كما نعرف الآن.

وعندما رسم ابنه، جون هيرشل John Herschel، خريطة لمواقع السُّدُم في السماء، التي أعطت ما سيصبح الفهرس العام الجديد New General Catalogue (اختصاراً: الفهرس NGC)، الذي ما زلنا نستخدمه إلى اليوم، لم يمضِ وقت طويل قبل أن يلاحظ الفلكيون غياب ما يقرب من خُمس مساحة السماء عن هذه الخريطة، مع وجود مساحات كبيرة خالية من الأجرام. أطلق ريتشارد بروكتور Richard Proctor، مبسِّط العلوم الكبير في القرن التاسع عشر، اسم ”منطقة التجنب“ Zone of avoidance، وهو اسم رائع للمنطقة. إنها تتبع شريط مجرّة درب التبانة في السماء، حيث تحجب مجرّتنا أيَّ جرم بعيد. 

لقد تضاءلت منطقة التجنب ببطء على مدى القرن اللاحق. يمكن لعلماء الفلك الراديوي Radio astronomers المساعدة، ومعظم الخرائط التي أعيد إنشاؤها ورَأيتها لدرب التبانة هي مستمدة من خرائطهم. ولكن يمكن أيضاً النظر في الأشعة تحت الحمراء، وهي تلك الموجات التي تمر عبر الغبار بسهولة. وهذا هو تماماً ما يتحدث عنه بحث هذا الشهر.

نحن نعلم، من الأرصاد السابقة ومن تحليل كيفية تحرك مجرّتنا، أنه لا بد من وجود مجموعات مجرّية في منطقة التجنُّب. يبدو أن إحداها، التي أُطلق عليها اسم ”الجاذب العظيم“ The Great Attractor، تجذبنا نحوها، وهي عامل مؤثر كبير في كيفية تحرك مجرّة درب التبانة والمجرّات المجاورة لها.

”أعطت الصور تغطية عميقة لسماء الأشـعة تحـت الـحمراء. لقد كشفت 58 مجرّة محتملة في مساحة تبلغ خُمس الحجم الظاهري للقمر“

لإلقاء بعض الضوء على هذه المنطقة الغامضة استخدم الباحثون، بقيادة دانييلا غالديانو Daniela Galdeano، من جامعة سان خوان الوطنية National University of San Juan بالأرجنتين، بيانات من مسح الأشعة تحت الحمراء العميق Deep infrared survey conducted الذي نُفِّذ باستخدام تلسكوب المسح الصغير VISTA الذي يشترك في موقع مع التلسكوب VLT الأكبر بكثير في صحراء أتاكاما في تشيلي. كان التلسكوب VISTA يعود إلى الجزء نفسه من السماء مراراً وتكراراً للبحث عن نجوم متغيرة Variable stars، ولكن يمكن أيضاً تكديس الصور معاً لتوفير تغطية عميقة لسماء الأشعة تحت الحمراء. كشفت هذه البيانات عن 58 مجرّة محتملة في مساحة لا تزيد على خُمس حجم القمر المكتمل.

وقد استُخدم تلسكوب مرصد جيميناي الجنوبي Gemini South Observatory العملاق، الذي يبلغ قطر مرآته 8.1 م لمتابعة خمسة منها، ليظهر أن النقط في صور تلسكوب VISTA كانت مجرّات فعلاً، وتشكل عنقوداً مجرياً يبعُد مسافة 2.5 بليون سنة ضوئية تقريباً. تبدو هذه المجرّات طبيعية تماماً، وأضخم – عموماً – قليلاً من مجرّة درب التبانة، ومعظمها عند النقطة التي يبدأ عندها توقُّف عمليات بناء النجوم Star formation.

البروفيسور كريس لينتوت:
عالم فيزياء فلكية يشارك
بتقديم برنامج سماء الليل Sky at Night
قد يكون هذا الاكتشاف الأخير نتاجاً لكيفية إجراء الاختيار. المجرّات التي توقفت فيها عمليات بناء النجوم، وتخلو من بريق النجوم الزرقاء الفتية الضخمة، تبدو حمراء، ومن ثم من المرجح أن تُكتشف في عمليات المسح التي أجريت بالأشعة تحت الحمراء. يبدو أيضاً أن المجرّات الأضخم حجماً تبلغ هذه المرحلة أولاً، ولكن مع وجود عديد من المجرّات المرشحة الأخرى التي لم تُدرَس بعد، لذا يبدو أننا ربما ننظر إلى عنقود مجرِّي كبير.

أُطلق على العنقود اسم غير لطيف، هو VVVGCl-B J181435-81432، وهو جزء صغير آخر من الخريطة الكونية التي كانت مختبئة إلى الآن خلف انتفاخ مجرّة درب التبانة، والتي جرى الكشف عنها أخيراً.

* كريس لينتوت Prof Chris Lintott: كان يقرأ… Unveiling a New Structure Behind the Milky Way by Daniela Galdeano et al. اقرأها على الإنترنت على الرابط: arxiv.org/abs/2210.16332

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى