من بين بعثات الاستكشاف الثلاث الجديدة المتجهة إلى كواكب المجموعة الشمسية في هذا العام، ستكون المهمة الرائعة بلا شك هي مهمة مستكشف الأقمار الجليدية لكوكب المشتري Jupiter Icy Moons Explorer (اختصاراً: المهمة JUICE). ستكون هذه هي المرة الأولى التي ترسل فيها وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) مركبة فضائية خارج حزام الكويكبات، وستكون مخصصة للأقمار الثلاثة الكبرى للمشتري: يوروبا وكاليستو وغانيميد.
يمكن لهذه الأقمار الثلاثة أن تحتضن محيطات محتملة تحت سطحها، كما شوهدت نفاثات مائية تنبعث عالياً فوق القمر يوروبا، وهي التي ستبحث عنها مركبة JUICE في أثناء عمليتي تحليق بالقرب منه. ستنفذ البعثة أيضاً 12 عملية عبور قُرب كاليستو القمر ذي السطح الأكثر كثافة بالفوهات الصدمية في المجموعة الشمسية، مما يشير إلى أن هذا العالم الميت منذ زمن طويل هو بقية قديمة من حقبة تشكل المجموعة الشمسية. ومع ذلك فإن الهدف الأساسي لمهمة JUICE هو أكبر قمر في المجموعة الشمسية، غانيميد. ستبحث المهمة JUICE في جميع جوانب جيولوجية هذا القمر، بدءاً من مجاله المغناطيسي الغامض إلى غلافه الجوي الرقيق. تمتد نافذة إطلاق البعثة من 5 إلى 25 أبريل، وستصل إلى كوكب المشتري في شهر يوليو، 2031، وتدخل مدار غانيميد في العام 2034.
وفي وقت لاحق من العام، يبدو أنه سيكون موسم الخريف للكويكبات، حيث تعود بعثة أوزايرس ركس OSIRIS-Rex بحمولتها من غبار الكويكب بينو Bennu في 24 سبتمبر 2023، تليها مركبة الفضاء سايكي Psyche التابعة للوكالة ناسا، والتي تنطلق إلى كويكب قطره 226 كم يحمل الاسم ذاته في شهر أكتوبر. يُعتقد أن تلك الصخرة الفضائية الغنية بالمعادن كانت ذات يوم جزءاً من النواة المعدنية لكوكب دُمر في طفولته، مما أعطى نافذة تطل على جزء من الكواكب عادة ما يكون خفياً عن الرصد. وعلى طول الطريق، سيكون هناك مسباران من طراز يانوس Janus، بوزن 36 كغم، يطيران إلى كويكبين منفصلين.
وأخيراً سيواصل العام 2023 نزعة الاهتمام المتجدد بسطح القمر، حيث يستعد كثير من مركبات الهبوط الممولة من برنامج خدمات الحمولة القمرية التجارية (CLPS) التابع للوكالة ناسا لرحلاته الأولى. تهدف مركبة الهبوط بيريغرين Peregrine من شركة آستروبوتيك Astrobotic إلى التحليق في الربع الأول من العام 2023، وهي تحمل 6 مركبات صغيرة صنعتها كلها دول مختلفة. وستليها بسرعة مركبة Nova-C من شركة Intuitive Machines، لتتجه نحو القطب الجنوبي للقمر غير المكتشف نسبياً.
أُعد البرنامج CLPS كفرع من البرنامج آرتميس، بتمويل شركات خاصة لبناء مركبات هبوط على سطح القمر لدعم عمليات الإنزال البشرية المستقبلية، وكلاهما سيُجري كثيراً من تجارب الوكالة ناسا لاستكشاف سطح القمر. كما أنها ستنقل حمولات من عملاء تجاريين، بما في ذلك مركبة آساغومو Asagumo ”الجوّالة“ ذات الأرجل من الشركة البريطانية الأوكرانية سبيسبيت Spacebit.
كما تتجه أيضاً إلى القطب الجنوبي للقمر بعثة لونا 25 Luna 25 التابعة لوكالة الفضاء الروسية روسكوزموس Roscosmos، والتي تهدف إلى تحليل تكوين التربة القمرية هناك. ومن المقرر إطلاقها في شهر يوليو، بعد 47 عاماً من إطلاق الوكالة الروسية آخر مركبة هبوط لها على سطح القمر.
النظر في الظلام
سيُحدِّق تلسكوبان مداريان جديدان في أعماق الكون
ينطلق تلسكوبان فضائيان رئيسان جديدان إلى الفضاء في هذا العام، بدءاً من التلسكوب إقليدس Euclid التابع للوكالة إيسا، والذي سيلقي نظرة عميقة على الجانب المظلم للكون أي، المادة المعتمة والطاقة المعتمة. المادة المعتمة هي تلك المادة الغريبة التي تربط المجرّات بعضها مع بعض؛ أما الطاقة المعتمة فهي القوة التي يبدو أنها تباعد بينها، وهو ما يسرِّع من توسع الكون. وعلى رغم أن هاتين المادتين المعتمتين كانتا طَوال عقود جزءاً من فهمنا للكون، فإننا لا نعرف طبيعتهما فعلاً.
سيساعد التلسكوب إقليدس علماءَ الفلك على فهم هذه القوى الغامضة من خلال مسح بلايين المجرّات، التي استغرق ضوؤها أكثر من 10 بلايين سنة ليصل إلينا. ومع تغطية مساحة ثلث السماء خارج مجرّة درب التبانة، سيتمكن علماء الفلك من استخدام بيانات التلسكوب إقليدس لإنشاء خريطة للمجرّات عبر الزمن الكوني، ليوضح هذا لنا كيف توسع الكون وتطور. ومع وجود هذه الأداة في متناول اليد، يمكن بعد ذلك الرجوع إلى الوراء في الزمن للحصول على نظرة ثاقبة في كيفية بناء المادة المعتمة والطاقة المعتمة للكون من حولنا.
وبعد ذلك، في الربع الأخير من العام، ستطلق وكالة الفضاء الصينية التلسكوب شونتيان Xuntian (الاسم يعني ”مسح السماء“).هذا التلسكوب يشبه التلسكوب هابل الفضائي القديم في وجوه كثيرة يبلغ قطر مرآته مترين، ويصوِّر بأشعة الضوء المرئي والأشعة القريبة من فوق البنفسجية، وصُمم ليكون تلسكوباً متعدد الأغراض لكن دقة كاميراته تزيد على دقة سابقه بمقدار 300 مرة. سيحلق التلسكوب شونتيان في نفس مدار محطة الفضاء الصينية تيانغونغ Tiangong التي انتهى بناؤها منذ وقت قريب، لكنه سيكون منفصلاً عنها، وسيكون قادراً على الالتحام لإجراء الإصلاحات وأعمال التطوير، وهذا يعني أنه يمكن أن يعمل فترة طويلة بعد انتهاء عمره التصميمي الأولي المحدد بمدة 10 سنوات.
انطلاق وحدات الرواد
تنطلق مركبتان فضائيتان جديدتان صالحتان للبشر إلى السماء في هذا العام
تدخل رحلات الفضاء البشرية حقبة جديدة. في شهر نوفمبر 2022، اختبرت ناسا بنجاحٍ وحدة الطاقم أورايون Orion الجديدة التي ستعيد البشر إلى القمر وربما أبعد من ذلك في النهاية. لكن هذا لا يعني إهمال المدار الأرضي المنخفض. ستواصل المركبات سويوز Soyuz من الوكالة روسكوزموس الروسية، وشنجو Shenzhou الصينية، ووحدة الطاقم دراغون Dragon من شركة Space X نقل رواد الفضاء إلى محطاتهم الفضائية، ولكن ربما تكون على وشك الانضمام إليها مركبتان أخريان.
محررة المقالات في مجلة سماء الليل BBC Sky at Night Magazine. كتابها روبوتات في الفضاء Robots in Space صدر عن دار نشر History Press.
وفي مكان آخر تعمل منظمة أبحاث الفضاء الهندية على وحدة الطاقم الخاصة بها، غاغانيان Gaganyaan، وتأمل إتمامَ اختبار واحد على الأقل من دون طاقم في النصف الثاني من العام 2023. وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فسيُسمح للمركبة الفضائية بتنفيذ رحلة تجريبية وعلى متنها عدد من الرواد ربما يبلغ ثلاثة في العام 2024. وإذا كنت ترغب في دخول مدار منخفض حول الأرض في العام التالي، فمن المؤكد أنك ستكون مدللاً لكي تختار من بين عدد من المركبات!