مذكراتي العزيزة… رأيت ناراً في السماء
ينفض جوناثان باول الغبارَ عن قصص شهود عيان للأحداث الفلكية القديمة
كما يعلم أولئك الذين يحرصون على الكتابة في مذكراتهم بانتظام، يمكن أن تكون محتوياتها ذاتَ طبيعة شخصية جداً غالباً، تتدفق فيها المشاعر والآراء التي تتحدث من القلب ولتُرى بعيون مؤلفها فقط. لكن بعض المفكرات قد كُتبت لغرض مختلف، ووضعت جمهور قراء أوسع في الاعتبار. وسواء كانت للاطلاع الخاص أو العام، فقد كشفت مذكرات من الماضي عن رؤى رائعة لأحداث في السماء، بما في ذلك عديد من ”الأحداث الأولى“ الفلكية.
ليست كل المذكرات مكتوبة بخط اليد. لم تلتزم السجلات الفلكية الرائعة لبلاد الرافدين بالورق، بل بالحجر، في كتابتها المسمارية، التي هي شكل رمزي للكتابة. في الواقع ربما اكتشف أقدم حساب موثوق به للشفق القطبي الشمالي على لوح طيني معين في بلاد ما بين النهرين. يصف النص الشبيه بالمذكرات، والذي كتبه علماء فلك رسميون ”وهجاً أحمر“ غير عادي في سماء الليل في العام السابع والثلاثين للملك نبوخذ نصر الثاني، والذي يتعلق تاريخه بالضبط بليلة 12/13 مارس، من العام 567 قبل الميلاد.
وعلى مسافة أقرب إلى الوطن، كانت الأديرة في العصور الوسطى مصدراً غنياً لمواد المذكرات الفلكية. اكتشف أقدم سجل معروف للبقع الشمسية في يوميات جون أوف وورسيستر John of Worcester، بتاريخ 8 ديسمبر 1128م. شهد الراهب الإنجليزي غيرفيس كانتربري Gervase of Canterbury حادثة اقتران كوكب المريخ مع المشتري في ليلة 12 سبتمبر من العام 1170م، ”… إلى درجة أنهما ظهرا معها كأنهما نجم واحد بذاته“. نحن نعلم الآن أنه قد شاهد الجزء الأخير من عبور نادر، وأن الحدث كان ينتهي مع شروق الكوكبين وارتفاعهما في السماء.
جرى اعتبار ذلك كواحد من أولى سجلات الرصد الغربية لحادثة عبور كوكبي. ومن الممكن أيضاً أن يكون غيرفيس قد شهد (مع آخرين) اصطدام القمر بجسم مجهول في مساء يوم 18 يونيو 1178م، وذلك بسبب وصفه لـ ”نار، وجمر ساخن وشرر… تنقذف على مسافة كبيرة“ من سطح القمر.
وقد عاد لورانس العرب Lawrence of Arabia إلى الأرصاد الفلكية في مذكراته الخاصة عندما طمأن قواته بأنه في أثناء هجوم ليلي مخطط له سيكون هناك خسوف للقمر لإرباك العدو. ثم هناك وصف حيوي ورائع لفيرجينيا وولف Virginia Woolf، يشبه أسلوب اليوميات، عن الكسوف الكلي للشمس في العام 1927م، والذي قدمته في كتابها وسمي بعنوان غير مفاجئ الكسوف The Eclipse.
يبدو أن بعض أسلافنا قد التقطوا في تأملاتهم ومضات شخصية ثمينة من أحداث فلكية بطريقة ربما كانت مفقودة للأسف في تحليلنا الأكثر موضوعية وتجريداً لسماء اليوم.