استعدوا لموكب الكواكب

على الرغم من أن العام 2022 كان هادئاً إلى درجة الإحباط لكل من راصدي المذنبات وصيادي أضواء الشفق، ومراقبي الشهب، لكن ليس هناك من شك في أنه كان رائعاً لمراقبي الكواكب. بالعودة إلى أوائل الصيف، كانت هناك ”سلسلة من العوالم“ أخاذة ومثيرة للإعجاب تنتشر عبر السماء، تعرض نصف دزينة من الكواكب معلقة على طول مسار الشمس مثل خرز على سوار. ولسوء الحظ لم تكن هذه المتعة السماوية مرئية إلّا قبل الفجر، لذا فقد غاب هذا المشهد عن كثير من الناس، أو إنهم لم يعرفوا بحدوثه على الإطلاق.

ولكنَّ هناك خبراً ساراً: إذ سيكون هناك عرض كوكبي آخر في هذا الشهر! بل هناك أخبار أفضل: فهذه المرة سيحدث العرض في سماء المساء، ولذا لن تحتاج إلى ضبط المُنبه مبكراً لرؤيته. في شهر أكتوبر سيكون هناك عرض لما لا يقل عن خمسة كواكبــ زحل والمشتري والمريخ وأورانوس ونبتون- معاً، إذا نظرت في الوقت الصحيح. 

وبقدر ما كانت مثيرة ونادرة، لم يكن من السهل رؤية مجموعة الكواكب في الصيف بالنسبة إلى عديد من راصدي السماء في نصف الكرة الشمالي- فقد طغى سطوع سماء الصيف على بعض الكواكب. لكن الاجتماع الكوكبي لهذا الشهر سيُعقد بعد حلول الظلام، ولذا ستكون من السهل جداً رؤيةُ معظم الكواكب المعنية بالعين المجردة، أو يسهل العثور عليها بالمناظير المزدوجة والتلسكوبات الصغيرة. وكجائزة إضافية، سيكون أحد أشهر الكويكبات الصغيرة في المجموعة الشمسية، فِستا Vesta، حاضراً في المنطقة ذاتها من السماء أيضاً.

ولكن متى سيكون ”الوقت المناسب“؟ على الرغم من أن بعض هذه العوالم ستكون ظاهرة بعد وقت قصير من غروب الشمس، فإنك لن تتمكن من رؤيتها كلها متناثرة معاً عبر السماء حتى الساعة 12:00 AST تقريباً مساءً، ولذا فإذا كنتَ ترغب في إظهارها لصغار مهووسين بالفضاء، فإنهم قد يحتاجون إلى أخذ قيلولة أولاً ثم الخروج لاحقاً. سنلقي نظرة على المشهد في ليلة معينة في منتصف الشهر (تقريباً)، هي ليلة 18 أكتوبر، ولكن لا تقلق إذا كان الجو غائماً في تلك الليلة لأن هذه الكواكب ستظهر طوال أكتوبر.

بحلول الساعة 10:30 مساءً، إذا نظرتَ باتجاه الجنوب الشرقي، فسترى امتداد موكب حقيقي من العوالم أمامك. سيكون أسطُعها- كوكبُ المشتري- أمامك مباشرة. وإلى يمينه، على مسافة º45، سيبدو زحل كجرم سهل للرؤية بالعين المجردة أيضاً، وسيبدو أيضاً كأنه نجم. وأخيراً بالنسبة إلى الكواكب بالعين المجردة، نزولاً إلى أسفل يسار المشتري، على مسافة ما (º70 في الواقع)، سترى كوكب المريخ.

”بالعين المجردة، سيكون عرض موكب الكواكب في شهر أكتوبر متعة سماوية“

بالعين المجردة، سيكون موكب الكواكب في شهر أكتوبر متعة سماوية للرؤية، ولكن لإلقاء نظرة فاحصة على تلك الكواكب الأكثر سطوعاً، سيصنع تلسكوب صغير أو حتى منظارٌ مزدوج متواضع كلَّ الفرق. دعونا نُلقِ نظرة فاحصة على الثلاثي المرئي بالعين المجردة، كل بدوره، مبتدئين من اليمين إلى اليسار، ثم نستكشف كيف نرى أورانوس ونبتون وفِستا. وكما هي الحال دائماً، سيكون أمراً مساعداً لك إذا تمكنتَ من الوصول إلى مكان معتم بعيد عن الأضواء الساطعة للبلدات والمدن، والسماح لعينيك بالتكيف مع العتمة لمدة 20-30 دقيقة. واحرص أيضاً على أن تُدفئ نفسك، وأن تكون هناك مشروبات ساخنة ووجبات خفيفة في متناول اليد، واستعد لعرض موكب الكواكب.

---

زحــل

سيشرق كوكب الحلقات الشهير قبل غروب الشمس بساعة، متألقاً بسطوع mag. 0.4+، لكنك لن تستطيع رؤيته بوضوح إلى أن تزداد عتمة الشفق. بحلول الساعة 22:00 AST مساءً سيبدو زحل كنجم أصفر-أبيض اللون في كوكبة الجدي Capricornus. إذا كنتَ قلقاً بشأن الطريقة التي ستعرف بها أي كوكب منها هو زحل، فلا داعي لذلك: فسيكون التعرف عليه سهلاً لأنه سيكون ”النجم“ الوحيد الساطع على ارتفاع منخفض باتجاه الجنوب الغربي.

بعد العثور على زحل، سترغب في مشاهدة حلقاته الشهيرة. إنها مشهد مخصص للتلسكوبات أو المناظير المزدوجة Binoculars الأكبر والأقوى، ولكن يمكن حتى لمنظار مزدوج متواضع أن يُظهر لك أكبر أقماره، تايتان، الكبير بحجم كوكب عطارد. وعبْر منظار مزدوج يبدو تايتان كأنه نجم ساطع بالقرب من زحل. يتغير موقعه بالنسبة إلى زحل من ليلة إلى أخرى، لذا تحققْ من المكان الذي سيكون فيه باستخدام تطبيق هاتف أو برنامج قبة فلكية. 

مع قدرة تكبير أكثر سينبض زحل بالحياة حقاً. يمكن حتى لتلسكوب صغير بقدرة تكبير منخفضة أن يكون كافياً لإظهار قرصه المضغوط قليلاً وحلقاته أيضاً، لتبدو كطوق رفيع حوله. ومع مشهد سحري مثل هذا- والذي لا يستطيع كل فلكي أن يحبس ابتسامته الشبيهة بابتسامة قطة شيشاير عندما يتذكر رؤيته الأولى لزحل عبر تلسكوب- فأنت لن تدهش عندما تسمع أنه كلما كان التلسكوب الذي تستخدمه أكبر، كان مشهد زحل أفضل. سيُظهر لك تلسكوب عاكس قطره 6 بوصات، مع قدرة تكبير عالية، الأحزمة الشاحبة على قرص الكوكب، والفجوات في الحلقات، وحتى ظل الحلقات على زحل نفسه- مشهدٌ بجمال أي مشهد أرسلته مركبة فوياجر أو كاسيني.

---

المشتري

سيبدو كوكب المشتري، الذي يجلس تماماً في منتصف سلسلة العوالم عند الساعة 22:00 AST، كأنه نجم أزرق-أبيض للعين، على ارتفاع º60 تقريباً فوق الأفق الجنوبي الشرقي. لن تواجه مشكلة في التعرف عليه لأنه بسطوع mag. 2.9-، ولن يكون هناك أي شيء آخر قريبٌ منه في السماء بمثل سطوعه في ذلك الوقت.

عبر منظار مزدوج، سيبدو كوكب المشتري كأنه مجرد نجم ساطع، لكن سيمكنك رؤية بعض أفراد أسرته المكونة من 79 قمراً، لتبدو كأنها نجوم صغيرة تتألق قربه. أما كم سترى منها فسيعتمد على وقت مشاهدتك. تُعرَف الأقمار الأربعة الكبرى للمشتري باسم الأقمار الغاليلية، نسبةً إلى عالم الفلك العظيم غاليليو Galileo الذي رصدها أول مرة عندما وجَّه تلسكوبَه البسيط في سماء الليل. ولكن، كما وجد غاليليو، فهي تنزلق في أثناء دورانها حول المشتري إلى داخل وخارج الرؤية، عندما تعبُر أمام قرص الكوكب أو تختفي وراءه، ولذا فقد ترى الأقمارَ الأربعة، أو زوجاً منها فقط. سيخبرك الرسم التخطيطي لأقمار المشتري في ”دليل السماء“ على الصفحة ب،ت عن عدد الأقمار، وأيّها، التي ستتمكن من رؤيتها في شهر أكتوبر.

يبدو المشتري عبر التلسكوب كتحفة جميلة. يمكن حتى لآلة رصد صغيرة أن تظهر حزامين أفقيَّين داكنين على قرصه المتلألئ، وستبدو أقماره الغاليلية بوضوح أكثر أيضاً. سيعرض تلسكوب كبير بقدرة تكبير 100X حزم سحب دقيقة، وستكون البقعة الحمراء العظيمة الشهيرة على المشتري- وهي عاصفة أكبر حجماً من كوكب الأرض- مرئية أيضاً. إذا كان في إمكانك التكبير عدة مئات من المرات، فسترى أعمدة ودوامات من السحب الملونة بألوان الباستيل على قرص الكوكب، وسترى مزيداً من أقماره.

---

المريخ

نقطة العلّام Anchor في أقصى الطرف الغربي لسلسلة عوالمنا السماوية هي كوكب المريخ. مثل كوكبي زحل والمشتري على يمينه، سيبدو المريخ بالعين المجردة مثل ”نجم“ في كوكبة الثور Taurus. وبسطوعه mag. 0.4، فسيظهر المريخ واضحاً، ولكن إذا انطلقتَ خارجاً إليه وأنت تتوقع أن يتوهج الكوكب ”الأحمر“ الشهير بضوء قرمزي مفعم، فستصاب بخيبة أمل. فالمريخ هو في الواقع أقرب إلى لون برتقالي داكن، مثل الكهرمان أو حلويات سبانغلز Spangles المسلوقة القديمة.

إذا كان لديك منظار مزدوج، فسيستحق منك بالتأكيد توجيهه إلى المريخ. لن يكون قوياً بما يكفي ليظهر لك قرصه، لكنه سيعمل على تعزيز لونه بدرجة كبيرة، ليجعل الكوكب يبدو مثل حجر كريم في السماء.

يعرف الجميع صور المريخ التي التقطت من المدار، والتي تُظهر قرصه البرتقالي ملطخاً بمناطق داكنة، ولكن إذا كنتَ تريد أن ترى ذلك بنفسك، فستحتاج إلى تلسكوب كبير، مثل كاسر بحجم أكبر من 6 بوصات، مع قدرة تكبير عالية وظروف رؤية جيدة. في شهر أكتوبر سيبدو قرص المريخ فقط بنصف قطر زحل وسدس قطر المشتري، ولكن قد تسنح نظرة خاطفة على قبعاته الجليدية عبر أداة رصد أصغر في أوقات يكون الجو فيها بينك وبين المريخ ساكناً وصافياً.

والآن، بعد أن أخذنا نظرة على العوالم الثلاثة المرئية للعين المجردة، نذهب إلى أجرام أقل سطوعاً…

---

أورانوس

في أواسط شهر أكتوبر ستجد كوكب أورانوس في ثلث الطريق تقريباً بين كوكبي المريخ والمشتري. وبسطوعه mag. 5.9+، سيمكن- رصدياً- رؤيته بالعين المجردة، ولكن ما لم تكن تعرف بالضبط أي واحد هو من بين مئات نقاط الضوء ذات السطوع من القَدْر السادس الموجودة في ذلك الجزء من السماء، فستجد صعوبة في إيجاده. سيُظهر المنظار المزدوج أورانوس كنجم بلون أخضر باهت، وإذا توافر لديك تلسكوب، فسيتمكن من تفصيل القرص الأخضر الباهت والصغير للكوكب، ليؤكد لك هويته. ومرة أخرى سيساعدك تطبيق جيد لرصد النجوم، أو برنامج قبة فلكية في تحديد مكان الكوكب بدقة.

---

نبتون

إذا لم تكن قد تمكنت من رؤية نبتون بأم عينك من قبل، فستكون هذه فرصتك الكبيرة. ففي أثناء شهر سبتمبر سيكون نبتون على بُعد º8 تقريباً من المشتري. غير أنه، بسطوعه البالغ mag. 7.8+ فقط، سيكون خافتاً جداً بما يمنع رؤيته من دون مساعدة. سيظهره المنظار المزدوج بصورة مجرد ”نجم“ أزرق مُخضَرٍّ خافت وتائه بين آلاف الأجرام الأخرى التي تساويه أو تفوقه سطوعاً في كوكبة الدلو Aquarius. إذا كنت تريد أن تكون متأكداً من رؤيته، فستحتاج إلى أداة رصد مثل تلسكوب كاسر بحجم 6 بوصات أو أكبر، والذي سيُظهر لك، مع قدرة تكبير عالية، القرصَ الصغير بلونه الأزرق والأخضر لذلك الكوكب البعيد.

---

فِستا

الكويكب فِستا Vesta هو أحد أكبر الكويكبات المعروفة، بقطر يبلغ 525 كم تقريباً. اكتشفه عالم الفلك الألماني هاينريش فيلهلم ماتياس أولبرس Heinrich Wilhelm Matthias Olbers في شهر مارس 1807، وسُمي باسم فِستا Vesta إلهة البيت والموقد العذراء في الأساطير الرومانية.

فِستا هو أسطع كويكب يُرى من الأرض، ويمكن رؤيته بالعين المجردة بانتظام كنجم بسطوع mag. 5+. سيكون في هذا الشهر أكثر خفوتاً من ذلك بمقدار 1.7، ولذا ستحتاج إلى منظار مزدوج لرؤيته، وبغض النظر عن حجم التلسكوب الذي توجهه إليه، فسيظل يبدو كأنه نقطة ضوء. لن يتغير سطوعه أو مظهره كثيراً طوال شهر سبتمبر، لذا يمكنك البحث عنه في أي وقت. وفي الواقع فقد يكون من الممتع التقاط عدة صور لمنطقته السماوية، بفاصل أسبوع تقريباً فيما بينها، والبحث فيها لتحديد أي ”نقطة“ في الجزء السفلي الأيسر تحت زحل قد تحركت في أثناء الشهر.

---

استكشفْ مزيداً
حالما تفرغ من موكب الكواكب، ستكون هناك ثروة من الروائع السماوية الأخرى التي يمكنك رؤيتها هذا الشهر في سماء الليل.

عندما تفرغ من تحديد معظم الكواكب واستكشافها بالمنظار أو التلسكوب، خذ بعض الوقت لإلقاء نظرة على بعض الأجرام الأخرى المرئية في سماء شهر أكتوبر. سيُرى المريخ بالقرب من عنقودين نجميين شهيرين. فعلى يمينه سترى نمطاً نجمياً يشبه شكل الحرف ’V‘ ملقى على جانبه. إنه عنقود القلائص Hyades النجمي، الذي يمثل قرون كوكبة الثور. النجم البرتقالي الساطع في نهاية القرن السفلي هو العملاق الأحمر الدبران Aldebaran، غير أنه في الواقع ليس عضواً في العنقود، لكنه يُرى في الاتجاه ذاته. كما سترى فوق القلائص عقدة صغيرة من النجوم الزرقاء، لها تقريباً نفس حجم ظفر إبهامك عندما ترفعه على امتداد ذراعك: إنه عنقود الثريّا Pleiades المفتوح الشهير، أو الأخوات السبع Seven Sisters. سيُظهر منظار مزدوج أن هناك أكثر بكثير من مجرد سبعة نجوم في هذه المجموعة، التي تشبه إلى حد ما شكلاً مصغراً من مجموعة نجوم الدب الأكبر Big Dipper. ومن الأشياء الأخرى التي تستحق تتبعها بعد رصدك الكواكب هي:

مجرّة المرأة المسلسلة، M31
على مسافة تزيد على مليوني سنة ضوئية، إنها أبعد جرم يمكن رؤيته بالعين المجردة.

العنقود المزدوج
يُرى عنقودا النجوم المتلألئان هذان على مسافة قريبة بينهما إلى درجة تسمح برؤيتهما معاً ضمن مجال الرؤية ذاته للمنظار المزدوج والتلسكوب الصغير.

مجرّة درب التبانة
تُعتبَر أمسيات شهر أكتوبر المعتمة مثاليةً للابتعاد عن التلوث الضوئي والاستمتاع بالمشهد الجميل لمجرّة درب التبانة الغنية بالنجوم والمرسومة عبر السماء، مع وجود أكثف أجزائها فوق الأفق الجنوبي الغربي.