عالم فلك إلى النجوم
يكتشف جوناثان باول- الكاتب في علوم الفلك- تأثيراً ملكياً في رصد النجوم
منح المنصبُ الرفيع لعلماء الفلك في البلاط الملكي كلَّ من يشغله امتيازات نادرة، بصرف النظر تماماً عن المكانة وفرصة الاختلاط في الدوائر العليا. ولبعض علماء الفلك، فقد كان هذا أيضاً بوابة لمتابعة بعض المشروعات العلمية الشخصية التي ربما لم تكن لتتحقق من دون تمويل ملكي.
عند بعض أقدم الملكيات الحاكمة، كان علم الفلك ما زال مندمجاً مع التنجيم، قبل أن ينفصل الاثنان ويتباعدا. يمكن للتنبؤات التي قدمها هؤلاء المنجمون أن تثقل كاهلهم إلى حد ما. فبعد فشلهم في التنبؤ بحادثة كسوف في العام 2300 قبل الميلاد، سرعان ما اكتشف اثنان من المنجمين الصينيين في بلاط الإمبراطور فصل رأسيهما عن جسديهما.
ولكن مع مرور الوقت، تغيّرت المواقف إزاء السماء، وكذلك تغيّرت طريقة تفسيرها. استدعى النبلاء علماء الفلك العظماء لذواتهم، مثل تيخو براهي Tycho Brahe وغاليليو غاليلي Galileo Galilei، وويليام هيرشل William Herschel. في أثناء الجزء الأخير من القرن السادس عشر الميلادي، منح ملك الدنمارك، فريدريك الثاني Frederick II، الفلكي الدنماركي الموقر براهي عقاراً في جزيرة هفين Hven السويدية الصغيرة، ووعاءً مملوءاً بالمال لبناء أورانيبورغ Uraniborg، وهي مؤسسة أبحاث ومرصد، حيث شرع براهي في بناء كثير من الأدوات الفلكية المختلفة.
لكن علاقة براهي مع السكان المحليين كانت استبدادية إلى حد ما، ولم يحظَ بقبول وريث الملك فريدريك للتاج الدنماركي. أعقب ذلك خلافات، وسرعان ما انتهى الحفل. ومع ذلك فقد حصل وبسرعة على منصب عالم الفلك في بلاط الإمبراطور الروماني المقدس رودولف الثاني Rudolf II في براغ. ومن المثير للاهتمام أن عملاقاً فلكياً آخر، هو يوهانس كبلر Johannes Kepler، حل مكان براهي في هذا المنصب بعد وفاته غير المتوقعة في العام 1601.
بعد عقد من الزمن في العام 1610، أهدى غاليليو غاليلي، بمبادرة ذكية منه، كتابه Sidereus Nuncius (الرسول النجمي The Sidereal Messenger) إلى كوزيمو الثاني دو ميديتشي Cosimo II de’ Medici، وهو الدوق الكبير لبلدته الأم توسكانا. شهدت هذه الخطوة الذكية تعيين غاليليو كعالم رياضيات وفيلسوف لدى الدوق، وبصفته أحد رجال البلاط الملكي، فقد كان غاليليو قادراً على أن يعيش حياة رجل نبيل. لكن في السنوات اللاحقة، ومع آرائه الصريحة حول نظرية كوبرنيكوس، فقد اتُّهم غاليليو بالهرطقة، ووجد نفسه محكوماً بالسجن مدى الحياة. في الحقيقة، لم يذهب غاليليو إلى زنزانة، بل على العكس تماماً: كانت زنزانته في البداية شقة، ثم قصراً، ثم فيلَّا.
ربما كان جون فلامستيد John Flamsteed يأمل رعايةً مماثلة عندما أعدّ في العام 1675 تقريراً عن الحاجة إلى مرصد جديد، ليؤدي هذا إلى تأسيس مرصد غرينتش الملكي Royal Greenwich Observatory. في الواقع، صار مديره أول فلكي ملكي Astronomer Royal في إنجلترا. ومع ذلك لم يكن المال سهل المنال، وكان على فلامستيد توفير جميع الأدوات في مرصد غرينتش بنفسه.
كان ويليام هيرشل أكثر قدرة في تأمين الدعم المالي. ونتيجة لاكتشافه كوكب أورانوس في العام 1781، فقد منحه الملك جورج الثالث King George III لقب الفلكي الملكي، وبعد ذلك منحه جائزة مالية كبيرة. وقد مكن هذا هيرشل من بناء تلسكوب عملاق بارتفاع 40 قدماً- ليظل الأكبر في العالم طوال 50 عاماً- في بلدة سلاو Slough.
وفي حين أن دور الفلكي الملكي قد لا يكون مثمراً ومربحاً للجميع، فإن هدف المنصب، هو دعم العلم، وقد قدم مساهمات كبيرة لعلم الفلك.