أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات الإشتراكمواضيع غلاف العدد

كوكب الزهرة في ضوء جديد

هل حلَّ المسبار الشمسي باركر لغز الضوء الرمادي؟ بول آبل يقيِّم الأدلة

في مساء يوم 9 يناير 1643، وجَّه عالم الفلك الإيطالي جيوفاني ريتشيولي Giovanni Riccioli تلسكوبه إلى كوكب الزهرة، ليطلق بذلك لغزاً استمر حتى يومنا هذا. تمكن ريتشيولي من رصد وهج باهت آتٍ من الجانب الليلي لكوكب الزهرة- ظاهرة تسمى ”الضوء الرمادي“ Ashen Light. 

ضوء كوكب الزهرة
رسم باتريك موور للضوء الرمادي، في 27 مايو 1980

يمكن رؤية هذا الضوء الرمادي فقط عندما يكون الزهرة في طور الهلال ويُرصد في سماء معتمة. عند حدوثه، يُرى بعض (أو أحياناً كل) الجانب الليلي من الزهرة وكأنه يتوهج بضوء رمادي. لا يمكن التنبؤ بمظهره، ويبدو أنه يمكن رؤيته أكثر عندما يكون الزهرة في موقع استطالته الشرقية ويُرى كنجم مسائي. على مر السنين جرى تسجيل الضوء الرمادي من قبل عدد من الراصدين الموثوق بهم- لاحظ باتريك موور Patrick Moore هذه الظاهرة عدة مرات ووصف التأثير بأنه يشبه سطوعَ وهج الأرض على القمر.

يُعَدّ الضوء الرمادي موضوعاً مثيراً للجدل إلى حد ما- يشير المؤيدون إليه إلى أنه قد شوهد من قِبل عديد من الراصدين المستقلين الذين أبلغوا عن تفاصيل مشابهة جداً. أما أولئك الذين يعتقدون أن الضوء مجرد وهم فيشيرون إلى أن هذه الظاهرة لم يجرِ تصويرُها مطلقاً في الوقت ذاته كمشاهدة بصرية. وبالطبع، بحلول الوقت الذي يصبح فيه الزهرة هلالاً، يكون منخفضاً في السماء، ويركز عديد من المصورين على صور الأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية، وهي أطوال موجية لا تراها العين البشرية.

فضاء مسبار باركر
هكذا استمر الجدل من دون أي حل، حتى أوائل هذا العام، عندما أعلنت وكالة ناسا في 9 فبراير بعضَ النتائج المثيرة للاهتمام من مسبار باركر الشمسي Parker Solar Probe. حلق المسبار الفضائي قُرب الزهرة في 11 يوليو 2020، و20 فبراير 2021، واستخدم آلة تصوير واسعة المجال (WISPR) لتصوير الجانب الليلي من الزهرة بأطوال موجات الضوء المرئي وبالأشعة القريبة من تحت الحمراء.

أدرك علماء الفلك أن الصور الناتجة عن الجانب الليلي أظهرت كثيراً من التفاصيل السطحية، مع رؤية السهول الكبيرة والهضاب بوضوح. ولأول مرة رُصد السطح المتوهج للجانب الليلي من الزهرة بأطوال موجية بصرية. كما شوهد انبعاث الوهج الليلي الساطع من ذرات الأكسجين المرتفعة في الغلاف الجوي على أطراف الكوكب.

مقارنة لصورة مسبار باركر في اليسار مع صورة ارتداد موجات رادار مسبار ماجلان Magellan التابع لوكالة ناسا، والذي أطلق في العام 1989 ودار حول الزهرة لرسم خريطة لسطحه. تتوافق منطقة الأرض المرتفعة، أفرودايتي تيرا Aphrodite Terra، مع المنطقة المعتمة التي رصدها مسبار باركر

”تُظهر نتائج مسبار باركر التابع لوكالة ناسا بنحو قاطع أن سطح الجانب الليلي يمكن رؤيته بأطوال موجية بصرية“

هل يمكن أن يكون هذا الاكتشاف هو الحل لغموض الضوء الرمادي؟ تُظهر هذه النتائج من مسبار باركر التابع لوكالة ناسا بنحو قاطع أن السطح الليلي يمكن رؤيته بأطوال موجية بصرية. إذا كانت هناك براكين نشطة على الزهرة (وقد اتفق عدد من علماء الفلك على أن هذا أمر مرجَّح، وأنا منهم)، فقد تسمح حرارة السطح المتزايدة في أوقات النشاط المتعاظم للكوكب، جنباً إلى جنب مع أي ترقُّق للغيوم بإمكانية رؤية الجانب الليلي لسطح الزهرة بالتلسكوبات الأرضية. قد يفسِّر هذا سبب ذكر أرصاد الضوء الرمادي غالباً على أنها توهُّج مناطقي يغطي أجزاء فقط من الجانب الليلي للكوكب.

وعلى الرغم من هذا الاكتشاف الأخير، ما زلنا لا نملك ”الدليل القاطع“. فما نحتاج إليه حقاً هو رصد بصري للضوء الرمادي، وصورة للظاهرة تلتقط في الوقت نفسه. سيكون كوكب الزهرة في طور الهلال التالي في شهر يونيو 2023 وسيكون هذا وقتاً مناسباً لنا جميعاً لرصد الزهرة ومعرفة ما إذا كانت بإمكاننا في النهاية محاولة رؤية الضوء الرمادي وتصويره أيضاً، وأن نحل أخيراً اللغز الذي دام ما يقرب من أربعة قرون. 


بول آبل Paul G. Abel:
مدير قسم عطارد والزهرة في الرابطة الفلكية البريطانية. وهو أيضاً عالم فيزياء نظرية في جامعة ليستر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى