في سماء الليل
في حلقة شهر يناير من برنامج سماء الليل The Sky at Night، سلط تيم ستيفنسن Tim Stevenson الضوء على أن التلوث الضوئي يمثل مشكلة متنامية لعلماء الفلك الراديوي
أثيرت مخاوف من أن أرصاد مصفوفة الكيلومتر المربع (SKA)- وهي أكبر تلسكوب راديوي في العالم- (كما هو موضح هنا في هذا الرسم الفني) سيعيقها التلوث الضوئي الناجم عن الأقمار الاصطناعية الكثيرة
في حين أن علماء الفلك الراديوي معتادين التعامل مع بعض التداخلات الراديوية Radio interference من مصادر أرضية، وعدد قليل من أجهزة الإرسال المحمولة جواً أو في الفضاء، نجد أن مجموعات الأقمار الاصطناعية الكثيرة الجديدة لإتاحة الوصول إلى الإنترنت- والتي يبلغ عددها بالآلاف- تمثل مشكلة أكبر بكثير.
في حلقة شهر يناير من برنامج سماء الليل The Sky at Night، تحدثت قليلاً عن هذا التهديد الجديد، ولكن نظراً إلى صعوبة شرح مشكلة منظومات الأقمار الاصطناعية الجديدة هذه في مقابلة تلفزيونية قصيرة، فسأخوض في مزيد من التفاصيل هنا. إنها قضية معقدة، وسيستفيد القراء من إعطائهم خلفية أوسع قليلاً عن هذا الموضوع لكي يتمكنوا من بدء فهم تأثيرها في علم الفلك الراديوي الحديث نسبياً- وهو مجال سيحظى بأكبر فرصة لاكتشاف حضارات متقدمة خارج كوكب الأرض.
يخضع علم الفلك الراديوي Radio astronomy لحماية القانون الدولي من خلال الاتحاد الدولي للاتصالات ITU وقوانينه التنظيمية للراديو Radio Regulations. تحدد هذه القوانين التنظيمية نطاقات تردد ”صامتة“ Silent معينة، لا يُسمح فيها لأجهزة الإرسال بالعمل. وعلى الرغم من أن هذا كان مناسباً للسنوات الأولى لهذا الفرع الجديد من علم الفلك، فإن الكون ”يتحدث“ ضمن نطاق واسع جداً من الترددات، ومن ثم يحتاج علم الفلك الراديوي الحديث إلى ”الاستماع“ غالباً باستخدام نطاقات مخصصة لمستخدمي الإرسال. إن هذا ممكن عن طريق بناء تلسكوبات في مناطق نائية ومحمية من الكوكب يكون استخدام الطيف الراديوي فيها ضئيلاً. يُحظر في ”مناطق الهدوء الراديوي“ عمل جميع أجهزة الإرسال اللاسلكي. في الواقع لا يُسمح باستخدام الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب المحمولة، بل حتى الساعات الذكية. تكمن الصعوبة في أنه، حتى في مناطق الهدوء الراديوي، لا يمكننا الهروب من أجهزة الإرسال المحمولة جواً وفي الفضاء، وعلينا التأقلم معها.
قدرة علم الفلك الراديوي
يمكن للأرصاد الراديوية للكون أن تخبرنا عن مجموعة واسعة من عمليات تطور المجرات والنجوم والكواكب. لذا فإن اختيار مثال واحد لتوضيح تأثير مصادر التداخل الراديوي الجديدة لا ينصف مقياس العلم الذي يمكن أن تفعله التلسكوبات الراديوية في مجموعة الكيلومتر المربع Square kilometre array (اختصاراً: المصفوفة SKA)، ولكننا سنحاول.
الكون فارغ بمجمله، ولكن الغاز شائع فيه نسبياً، وتصدر جزيئات الغاز إشارات راديوية خاصة بها. سيكون قراء هذه المجلة على دراية بمفهوم الانزياح نحو الأحمر Redshift، حيث يتغير تردد الضوء المنبعث من شيء يتحرك بسرعة، وتنطبق هذه الإزاحة على إشارات الراديو، وكذلك على الضوء المرئي Optical light. هذا يعني أنه كلما نظرنا إلى أبعد- وبذا توغلنا في زمن أقدم- للبحث عن جزيء معين، فإن تردده سينخفض أكثر. لذا فإن ما كان تردداً واحداً مهماً، صار مجالاً من الترددات Range of frequencies. بالنسبة إلى الجزيئات ذات الأهمية الخاصة لتطور النجوم، نريد أن نكون قادرين على تصور توزيعها بمرور الوقت وازدياد المسافة، وإنشاء خريطة فعّالة لتطور الكون بمرور الوقت. المثال الذي قدمته في العرض كان عن أول أكسيد الكربون (CO). بالنسبة إلى مثل هذه الجزيئات في المجرات البعيدة حيث تحظى مصفوفة الكيلومتر المربع بقدرة البحث، يقع التردد في منطقة تبث عبرها الآن هذه الأقمار الاصطناعية الكثيرة بقوة، وهكذا عمينا عن أزمنة معينة من الماضي (ومن ثم مراحل معينة من التطور النجمي Stellar evolution)، وهذا أمر مقلق جداً. ولهذا السبب نعمل على رفع مستوى الوعي حول هذه القضية.
31 مارس 1985
مهّد التلسكوب IRAS الطريق لتلسكوبات فضائية مستقبلية تعمل بالأشعة تحت الحمراء، بما في ذلك التلسكوب جيمس ويب JWST
في حلقة برنامج سماء الليل Sky at Night التي بثت بتاريخ 31 مارس 1985، ألقى باتريك موور Patrick Moore نظرة على مجموعة من الاكتشافات المتحققة بفضل بيانات من القمر الاصطناعي IRAS، الذي كان أول تلسكوب فضائي يعمل بالأشعة تحت الحمراء. أطلق هذا التلسكوب، وهو مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وهولندا والمملكة المتحدة، بتاريخ 25 يناير 1983، وعمل مدة 10 أشهر، رصد فيها 250,000 هدف. كان القمر الاصطناعي IRAS هو أول مرصد يحلق فوق غلاف الأرض الجوي الماص للأشعة تحت الحمراء، وقد فتح نافذة جديدة على الكون. فقد حقق أول اكتشاف على الإطلاق لمادة صلبة حول أقراص Discs النجوم- وبالتحديد نجم النسر الواقع Vega وفم الحوت Fomalhaut. اعتقد في ذلك الوقت أن القرص كان غباراً بحجم حبات الرمل، لكنه كان إشارة مبكرة للأقراص النجمية التي تُصورها المراصد الحديثة حالياً. (لمعرفة آلية نمو الكواكب النجمية، انظر الصفحة ب.ت). حقق التلسكوب أيضاً كثيراً من الاكتشافات غير المتوقعة، إذ كشف عن ستة من 22 مذنباً عثر عليها في ذلك العام، والتقط الأشعة تحت الحمراء من ذيولها ”الدافئة“ أمام خلفية الفضاء. وعلى الرغم من عمله مدة 10 أشهر فقط، فقد أنجز IRAS كثيراً. وتواصل إرثه من خلال عمل كثير من مراصد الأشعة تحت الحمراء التي تلته، مثل مرصدي سبيتزر Spitzer ووايز WISE، وجميعها أوصلنا إلى التلسكوب جيمس ويب الفضائي JWST (انظر الصفحتين ب.ت و ب.ت).