أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات الإشتراكمواضيع غلاف العدد

عوالم متنامية

لطالما أحاط الغموض برحلة النشوء من سحابة غبار إلى كوكب، لكن علماء الفلك يحصلون الآن على رؤية أكثر وضوحا لكيفية نمو الكواكب النجمية الصغيرة، كما تقول إيزي بارسن

تبدأ الكواكب الجنينية Embryonic planets بالتحام واندماج سحب الغاز والغبار- التي تدور حول نجمها الأم- ببطء

اجتاحت ثورةُ اكتشافات الكواكب النجمية Exoplanet أبحاثَ علوم الفلك في فترة الثلاثين عاماً الماضية. قبل العام 1989، كانت البشرية تعرف كواكب مجموعتنا الشمسية فقط، أما حالياً فيبلغ عدد الكواكب المؤكد وجودها خارج المجموعة الشمسية نحو 5,000 كوكب، وذلك بفضل التلسكوبات الفضائية- مثل تلسكوبي كبلر Kepler وTESS- التي تمسح النجوم بحثاً عن عوالم أخرى. كلما وجدنا عدداً أكبر من الكواكب النجمية، ازداد تنوع العوالم التي نعرفها- بدءاً من العوالم التي تلقى حتفها بسقوطها في النجوم، وصولاً إلى الكواكب الصغيرة التي بدأت من فورها في التشكُّل. 

لقد ازدهرت دراسة هذه الكواكب الفتية وأقراص الغاز Circumstellar discs والغبار التي نشأت منها كمجال بحثي في السنوات الأخيرة. وسمحت المراصد الفلكية، مثل مصفوفة آتاكاما الميليمترية/تحت الميليمترية الكبيرة (اختصاراً: المصفوفة ALMA)، لعلماء فلك مثل جيهان باي Jaehan Bae من جامعة فلوريدا، بدراسة أقراص النشوء أكثر من أي وقت مضى.

يقول باي: ”أنا مهتم بكيفية تشكل الكواكب- ليس فقط الكواكب النجمية، ولكن كواكب مجموعتنا الشمسية أيضاً. تاريخياً، كنا نستخدم النظريات والمعادلات وطرق المحاكاة، وذلك لأن رصد الكواكب في أثناء عملية تشكلها هو أمر صعب جداً“.

بفضل مصفوفة ALMA، صار ممكناً الآن رؤية أقراص تشكل هذه الكواكب، وإن كان في ذلك لا يزال يمثل تحدياً.

نمو الكواكبنمو الكواكب

في اليسار: يصمم عالم الفلك جيهان باي محاكاة لقرص كوكبي، من أجل رؤية أي بنية يصنعها الكوكب في القسم السفلي من المحاكاة

 في اليمين: يمكنه بعد ذلك إجراء مقارنة مع أرصاد حقيقية للنجم الفتي SAO 206462، وقرصه المحيطي

أولاً، يجب عليك أن تجد أحدها. على الرغم من أن النجوم مثل الشمس تعيش نحو 10 بلايين سنة، فإن أقراصها تدوم فقط من 5 إلى 10 ملايين سنة- 0.1% من عمر النجم. وأفضل الأماكن للتعرف عليها هي المناطق المحيطة بالحواضن النجمية Stellar nurseries، حيث تنشأ نجوم جديدة. ومع الأسف، فهذه بيئات غنية بالغبار، وليست قريبة مطلقاً من الأرض، لذا فإن رصد الأقراص المكونة للكواكب بوضوح هو أمر صعب.

تفاصيل ظاهرية

ومع ذلك، فقد عُثر على كثير من أقراص تشكل الكواكب، مما يثير التحدي التالي: فهم ما يحدث فيها. قبل رصدها أول مرة، اعتقد علماء الفلك أنه سيكون من الصعب رصدها لأنهم توقعوا أن تكون الأقراص مستوية تماماً، وخالية من المعالم، وبصراحة: مملة إلى حد ما.

يقول باي: ”غير أن ما اتضح هو أنها ليست هكذا. إذ إننا نرى كثيراً من البنى المختلفة: حلقات وفجوات وتشكيلات لولبية ودوامات- جميع أنواع الأشياء المختلفة التي تشير إلى احتمال وجود كثير من الكواكب في تلك الأقراص“.

وعلى الرغم من أن المصفوفة ALMA لا تستطيع رصد المنطقة الممتدة على 10 وحدات فلكية داخلية داخل الأقراص التي تراها بوضوح (الوحدة الفلكية- AU- هي متوسط المسافة بين الأرض والشمس)، غير أنه لا يوجد نقص في المعالم التي يمكن مشاهدتها في مناطقها الخارجية؛ ومن السهل شرح بعضها. ففي أثناء عملية تشكلها، غالباً ما تزيل الكواكب مساحات شاسعة من الغبار، تاركة مسارات معتمة وحوافَّ حادة تكشف عن وجودها. أحيانا، نتمكن من تصوير الكواكب الناشئة مباشرة التي تبدو كنقاط ساطعة من الضوء. في العام 2021، كشفت أرصاد الكوكب PDS 70c أنه أحاط نفسه بقرصه الخاص، والذي يمكن أن يشكل في يوم ما عائلة من الأقمار.

كيف ينمو كوكب غازي عملاق

رصد الكواكب الغازية في فترة شبابها أمر أساسي لفهم كيفية ولادتها

نمو الكواكب

أحد الأسئلة الرئيسة لعلماء الفلك الباحثين عن الكواكب النجمية الفتية هو كيف تتحول سحب الغبار إلى عمالقة غازية كاملة التطور؟ يقول جيهان باي، من جامعة فلوريدا: ”هناك نظريتان متنافستان. الأولى هي عملية ’من أسفل إلى أعلى‘، حيث يجري في البداية تكوين قلب صخري صغير يصير أكثر ضخامة. ويبدأ في تجميع الغاز من القرص ليشكل كوكباً غازياً عملاقاً، مثل المشتري. ثم هناك عملية ’من الأعلى إلى الأسفل‘، حيث يصير القرص غير مستقر بسبب جاذبيته الخاصة وينهار على نفسه ليشكل كوكباً. لا نعرف أيهما صحيح، حتى في مثال كوكب المشتري“. تعاني كلتا هاتين الفكرتين من مشكلات. ففي النموذج التصاعدي، من الأسفل إلى الأعلى، تكون مناطق القرص البعيدة عن النجم شديدة البرودة بحيث لا يمكن لكواكب مثل نبتون أن تتشكل في مدة 10 ملايين سنة قبل اختفاء القرص. ومن ناحية أخرى، يشكل نموذج ’من أعلى إلى أسفل‘ كواكب ضخمة جداً بحيث لا يمكن أن تظل في مدارات مستقرة. فتسقط الكواكب التي تزيد كتلتها على كوكب المشتري بعدة أضعاف في نجومها بسهولة شديدة. للتعمق في اللغز، رصد الفلكيون الكواكب الفتية في أثناء إعادة تشكُّلها. من المتوقع أن تكون الكواكب التي تشكلت عبر عملية ’من أعلى إلى أسفل‘ أكثر دفئاً من نظيراتها بعملية ’من أسفل إلى أعلى‘، ولذا فإن تحديد كتلة وحرارة الكواكب المتشكلة يمكن أن يقدم أدلةً حيوية. وفي الوقت نفسه، فإن تتبع كيفية توزيع الكواكب في القرص في نقاط مختلفة من حياتها سيكشف مزيداً عن أنماط هجرتها. يقول باي: ”إنه ليس سؤالاً يمكن الإجابة عنه بنعم أو لا. يمكن لكلا النموذجين تكوين كواكب عملاقة، لكنهما قد يعملان في مناطق مختلفة من القرص، أو في ظروف مختلفة“.

لكن ليست كل المعالم واضحة، ولا سيما في الأقراص الأحدث سناً، حيث ما زالت الكواكب تتشكل. هنا، كل ما يمكن رصده هو أشكال تلك الأنماط الموجودة في الغبار، والتي أحدثتها حركات الكواكب الخفية. ولربط هذه المعالم الواضحة بالعملية الفيزيائية التي تسببها، يصمم باي نماذج محاكاة حاسوبية للأقراص. وبمقارنة هذه مع مثيلتها الواقعية، يمكنه البدء بربط ما نراه مع العمليات الفيزيائية التي تدل عليها. ستساعد دراساته على الإجابة عن أحد الأسئلة الرئيسة في هذا المجال: متى تبدأ الكواكب في التكوُّن؟ 

يقول باي: ”اعتقد علماء الفلك أن عملية تكوُّن الكواكب تحدث بعد عدة ملايين من السنين من تشكل النجم. لكننا نرى هذه البنى التحتية في أقراص أحدث وأحدث عمراً حول النجوم. لقد رأينا بعضاً منها يافعاً جداً، بعمر يقل عن مليون سنة، مما يشير إلى أن عملية تكوُّن الكواكب ربما حدثت بالفعل“.

 يُظهر انطباعُ فنان عن عملاقين غازيين يدوران حول النجم الفتي PDS 70، أنهما يجمعان مادتهما من قرص محيط

كواكب فتية، ونجوم هرمة

لكن من الأسهل بكثير تفسير العملية إذا نظرنا إلى الوراء من الطرف الآخر من المقياس الزمني.

يقول باي: ”لتكوين كوكب مثل المشتري، نحتاج إلى غاز، مما يعني أن الكوكب يجب أن يتشكل قبل أن يختفي القرص المحيط بالنجم بعد 10 ملايين سنة تقريباً“.

بعد هذه الفترة، ومع عدم وجود قرص غبار لكشف ما يحدث، يجب على علماء الفلك الاعتماد على أنواع أخرى من الرصد. لحسن الحظ، فإن الكواكب النجمية Exoplanets الفتية هي أحد الأنواع الوحيدة من الكواكب التي يستطيع علماء فلك مثل البروفيسورة بيث بيلر Beth Biller، من جامعة إدنبرة، التقاط ضوئها مباشرة، بصورة أشعة تحت حمراء.

تقول بيلر: ”نحن ننظر إلى نجوم [يبلغ عمرها] نحو 5 إلى 100 مليون سنة. الكواكب الفتية، الأقرب إلى التشكل، تكون أكثر حرارة [من النجوم الهرمة]: عند قمم سُحُبها، تعادل حرارتها حرارة لهب شمعة. وإذا نظرت إلى صورها بالأشعة تحت الحمراء يمكنك أن تراها متوهجة“.

الأمر أشبه بمحاولة البحث عن يراعة بجوار منارة سفن في دبلن، عندما تكون أنت في إدنبرة

وبينما تبث النجوم أيضاً ضوء الأشعة تحت الحمراء، فإنها تكون أكثر إعتاما عند هذه الأطوال الموجية مقارنة بالجزء المرئي من الطيف، ومن ثم فإن النجم ليس ساطعاً جداً مقارنة بالكوكب. ولكن نظراً إلى أن النجم ما زال أسطع بمقدار 100,000 مرة من عالم نموذجي بحجم كوكب المشتري، فإنه لا يزال يمثل تحدياً كبيراً. تقول بيلر: ”إنها مثل محاولة البحث عن يراعة Firefly قرب منارة سفن في دبلن، عندما تكون أنت في إدنبرة“.

لمكافحة هذا السطوع يستخدم علماء الفلك أداةَ رسم الإكليل Coronagraph على تلسكوباتهم- فلتراً (مرشحاً) يوضع أمام النجم، ليحجب وهجه ويسمح لهم برؤية ما يجري.

تقول بيلر: ”يجب أن تكون قادراً على تمييز رؤية شيء صغير لا يتجاوز حجمه نصف ثانية قوسية Arcsecond. تحتوي بعض التلسكوبات مثل هابل على راسمات إكليل Coronagraphs تحجب منطقة الثانية القوسية الداخلية أي مجمل المنطقة التي تبحث فيها عن الكواكب“.

 لمرايا كلٍّ من تلسكوبي مرصد كيك بصريات تكيُّفية تعالج التشوه الناجم عن التيارات الهوائية

جرى تحديث بعض المراصد الأرضية، مثل التلسكوب الكبير جداً Very Large Telescope (اختصاراً: التلسكوب VLT) في تشيلي وتلسكوبي كيك Keck في هاواي، بأجهزة رسم إكليلية حديثة صغيرة الزاوية Small-angle coronagraphs، مما أدى إلى تحسين قدرتها على تنفيذ هذه الأرصاد. لكنها ما زالت تواجه مشكلة أخرى: الغلاف الجوي للأرض. يتحرك الهواء في الغلاف الجوي فوق التلسكوب باستمرار، مما يسبب تضبيب Blur الصورة، كما إنه يمتص كثيراً من الأشعة تحت الحمراء التي تمر عبره. تلجأ التلسكوبات VLT وKeck إلى تعويض تأثير الهواء غير المستقر باستخدام تقنية البصريات التكيفية Adaptive optics، حيث يعدلان شكل المرآة لتعويض التشوه Distortion، لكنهما ما زالا مقيدين بالرصد ضمن المجال الضيق لأطوال موجات الأشعة تحت الحمراء التي يمكن أن تمر عبر غلافنا الجوي. والطريقة الوحيدة للتغلب على هذه المشكلة هي الخروج من نطاق الغلاف الجوي.

تصوير الكواكب

حتى عند التقاط صور مباشرة، ليس واضحاً دائماً ما إذا كنتَ قد التقطت صورة كوكب نجمي

أول صورة مباشرة لكوكب نجمي، هو 2 M1207b، التُقطت في العام 2004
صورة تلسكوب هابل للكوكب المرشح Fomalhaut b، وتلاشي الأدلة عليه عن الأنظار لاحقاً (الصورة الداخلية)


التُقطت أول صورة مباشرة لكوكب نجمي في العام 2004 بواسطة التلسكوب الكبير جداً Very Large Telescope. وهذا هو الكوكب 2M1207b، وتبلغ كتلته نحو 5 أضعاف كتلة المشتري، ويدور على مسافة 42 وحدة فلكية من نجم قزم بني في مجموعة TW Hydrae النجمية، على بعد 200 سنة ضوئية من الأرض، ويبلغ عمره 8 ملايين سنة. صوّر العلماء مزيداً من الكواكب النجمية مباشرة منذ ذلك الحين، لكن صعوبة رؤية مثل هذه العوالم البعيدة تعني أن عديداً من هذه الأرصاد ما زالت مثيرة للجدل. تقول البروفيسورة بيث بيلر من جامعة إدنبرة: “فيما يتعلق باكتشافات الكواكب النجمية، نعتقد أن أرصادنا متينة، فلقد رصدنا ما يقرب من 20 كوكباً نجمياً. إنه شيء نتجادل حوله في المؤتمرات؛ تسرد قاعدة بيانات موقع موسوعة الكواكب النجمية Exoplanet.eu نحو 100 كوكب نجمي تقريباً صورت بنحو مباشر، لكن بعضها مشكوك فيه جداً”. أحد أكبر الخلافات يحيط بالكوكب ’المكتشف‘ حول نجم فم الحوت Fomalhaut في العام 2008. من الواضح أن النجم محاط بقرص غبار، بحافة داخلية حادة، مما يوحي بوجود كوكب يزيل الغبار. لم يستغرق علماء الفلك وقتاً طويلاً للعثور على جسم لامع في القرص وإعلانهم العثور على كوكب، فقط لكي يتلاشى خلال السنوات القليلة التالية. وبعد كثير من الجدل، أزيل الجسم رسمياً من أرشيف ناسا للكواكب النجمية في العام 2020. وعلى الرغم من أنه ما زال يعتقد على نطاق واسع بوجود كوكب حول نجم فم الحوت، فمن المحتمل أنه يتوارى في غبار القرص. يُظهر هذا الأمر فقط أن الرؤية لا تصدق دائماً عندما يتعلق الأمر بالتصوير المباشر.


 باستخدام مرصد كيك وتلسكوبيه المجهزين بمعدات رسم الإكليل لإخفاء الضوء من النجم HR 8799، تمكن الفلكيان جيسون وانج والدكتور كريستيان ماروا من التقاط هذه الصور لأربعة كواكب تدور حول النجم على مدى 6 سنوات

التلسكوب فائق الكبر Extremely Large Telescope هو حالياً في قيد البناء، في صحراء أتاكاما، في شمال تشيلي

ولحسن الحظ، فقد أطلقت وكالة ناسا التلسكوب جيمس ويب الفضائي بتاريخ 25 ديسمبر، 2021- وهو تلسكوب يبلغ قطر مرآته 6.5 م، وصمم للرصد في جزء الأشعة تحت الحمراء من الطيف، ويحتوي على جهاز رسم الإكليل. وحالما ينتظم التلسكوب في خطة عمله العلمية الكاملة في منتصف العام 2022، فستقود بيلر فريقاً علمياً لاستخدام التلسكوب ويب لتصوير كواكبه النجمية الأولى مباشرة- وهذا تمرين يهدف أساساً إلى معايرة التلسكوب من أجل أرصاده المستقبلية للكواكب النجمية. وعند تشغيل التلسكوب ويب يجب أن يكون قادراً على اكتشاف الكواكب الفتية التي يصل حجمها إلى حجم كوكب أورانوس أو نبتون.

ومع ذلك، فإن الميزة الحقيقية للتلسكوب ويب، تتمثل في عدم اقتصار رؤيته فقط على الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء التي يمكن أن تمر عبر الغلاف الجوي للأرض؛ إذ يمنحه موقعه في الفضاء العميق إمكانية الوصول إلى أطوال موجات الأشعة تحت الحمراء التي لا تراها المراصد الأرضية.

تقول بيلر: ”إذا التقطت صوراً بأطوال موجية مختلفة، فسيمكنك النظر إلى توزيع الطاقة الطيفية لهدفك المرصود. والتحليل الطيفي Spectroscopy هو أداة قوية لفهم الأغلفة الجوية لهذه الأجرام“.

أدلة على نشأة الحياة

وإضافةً إلى توفير فهم أفضل لطبيعة الكواكب خارج المجموعة الشمسية، ستساعد هذه الأنواع من الأرصاد أيضاً على حل ألغاز أخرى، مثل كيفية تطور الحياة على الأرض، وما إذا كان ممكناً لها أن تتطور في أماكن أخرى. أظهرت المصفوفة ALMA بالفعل أن عديداً من الأقراص المكونة للكواكب تحتوي على جزيئات عضوية بسيطة- اللبنات الأساسية للحياة. إن اكتشاف وجود هذه الجزئيات قبل أن يتشكل كوكب ما، من دون نشوئها لاحقاً بالضرورة، سيكون له تأثير كبير في نظرياتنا عن كيفية تطور الحياة.

تقول بيلر: ”الأمر الآخر الذي نتطلع إليه هو متابعة كيفية تحرك الكواكب على مدار عدة سنوات، وتتبع مداراتها حول نجم فتي“.

إضافة إلى الرصد المباشر للكواكب وبنية الأقراص الكوكبية، يستخدم علماء الفلك طريقة أخرى راسخة للعثور على الكواكب النجمية ومراقبتها: قياسات السرعة الشعاعية Radial velocity measurements. تعتمد هذه الطريقة على مراقبة النجم بدقة لاكتشاف الاهتزازات التي تسببها جاذبية كوكب يدور حوله. إذ تكشف القياسات الدقيقة بما فيه الكفاية لحركة التذبذب عن كتل الكواكب التي تدور حول النجوم.

تقول بيلر: “الهدف هو النظر إلى كيف يتغير التوزع كدالة Function للعمر. لا نتوقع أن تكون هذه مطابقة لما تبدو عليه الكواكب الناضجة في مجموعتنا الشمسية. لكن، نتوقع أنها مستمرة في التحرك”. 

ولكن حتى عندما نجمع بين كل طرق الرصد هذه، فإننا ما زلنا نفتقر إلى الصورة الكاملة. تستطيع التلسكوبات الحالية- بما فيها التلسكوب ويب- أن تعثر فقط على كواكب غازية عملاقة بعيدة عن نجومها، بمسافة تزيد عن 10 وحدات فلكية تقريباً، مما يستبعد فئة الكواكب التي ينشدها باحثو الكواكب النجمية بشغف: الكواكب الشبيهة بالأرض Earth-like planets.

تقول بيلر: ”نأمل توسيع أساليبنا لتشمل كواكب ناضجة، ستكون أكثر برودة، لكن هذا الشيء يعني الانتقال إلى مجال الضوء المرئي“.

سيتطلب إنجاز هذا تلسكوبات أكثر تقدماً، مثل التلسكوب البصري الكبير بالأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء (اختصاراً : التلسكوب LUVOIR)، وهو تلسكوب فضائي متعدد الأطوال بقطر محتمل يزيد على 15 متراً، تقترحه ناسا حالياً كخليفة للتلسكوب ويب. ولكن في حين لا يزال مفهوم التلسكوب LUVOIR على لوحة الرسم، فهناك جيل جديد من المراصد الأرضية الضخمة ذات المرايا التي يزيد قطرها على 30 متراً، والمعروفة باسم التلسكوبات الكبيرة جداً Extremely Large Telescopes (اختصاراً: التلسكوبات ELTs)، وهي قيد الإنشاء بالفعل، ومن المتوقع أن تبدأ عملها في عقد الثلاثينات المقبل. 

ويشرح باي: ”ستكون التلسكوبات الكبيرة جداً قادرة أيضاً على استكشاف المناطق الأقرب إلى النجم، وصولاً إلى مسافة وحدة فلكية واحدة تقريباً حوله“.

على الرغم من ازدياد معرفتنا بالكواكب النجمية الناضجة، ظل نظراؤها من الكواكب الأصغر عمراً مختبئين بعيداً خارج حدود قدرتنا على الرصد. لكن السنوات المقبلة ستشهد- مع بدء عمل مزيد من التلسكوبات- بدءَ خروج هذه العوالم من منطقة الظل، لتكشف عن تاريخ أنظمة كوكبية مثل نظامنا. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى