أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات الإشتراكمواضيع غلاف العدد

أشــعـــة الإلــهــام

يمتلئ القمر ببقع مذهلة نتجت من اصطدامات قديمة. عالم الفلك ويل غيتر يبيِّن لك كيف ترصدها وتصورها

يقدم وجه القمر اليوم سجلاً من مئات ملايين السنين من اصطدامات الكويكبات والمذنبات به. فعلى قرصه يتناثر عددٌ لا يُحصى من الفوهات والأحواض الكبيرة، حفرتها اصطدامات هائلة عميقاً في قشرته. كما تنتشر هناك أيضاً عبْر المرتفعات الممتلئة بالثقوب والبحار البازلتية الناعمة المنبثقة من بعض الفوها ت على سطح القمر معالمُ صارخة وساطعة: إنها بقع كونية من صخر وغبار تعطي لمحة عن الماضي الديناميكي والصاخب لأقرب جار لنا.

يسمي علماء الفلك هذه المعالم السطحية “مقذوفات شعاعية” Ray ejecta- وهي المادة التي قذفتها الاصطدامات التي أنتجت الفوهات الأم. ترتبط الأنظمة الشعاعية الباهرة هذه بنحو عام بالفوهات الأحدث سناً. ففوهة تيكو Tycho، على سبيل المثال، يعتقد أنها تشكلت منذ نحو 109 مليون سنة. وتبدو خطوطها الناصعة، في الحقيقة، أنها “أحدث” عمراً، مادة لم تشهد المستوى ذاته من “التجوية” Fresher الفضائية كما في المناطق المحيطة بها- وهي عملية عادةً ما تعتم أسطح أجرام المجموعة الشمسية.

لا بد أن حوادث الاصطدامات التي أنتجت هذه النظم الشعاعية هذه كانت تحبس الأنفاس. فعلى الرغم من أننا لا نستطيع رؤية تلك الكوارث اليوم، فإن مشاهدة بعض المقذوفات التي تركتها بعدها عبر تلسكوب أو منظار مزدوج جيد قد تجعل المرء يدرك الطاقة الهائلة التي انطوت عليها.

اختر وقتك

أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في رصد المقذوفات الشعاعية على القمر هو أنها تبرز في وقت معيَّن من دورة أطوار القمر عندما تكون أهداف أخرى منارة بإضافة خافتة فلا تصلح للرصد أو التصوير. تظهر الفوهات والجبال والأخاديد بشكل أكثر روعة عندما تكون مضاءة إضاءة غير مباشرة- وهو أمر يبرز تركيب السطح Textures. وتعكس الظلال العميقة التباينَ في الارتفاعات المختلفة. ومع ذلك تظهر النظم الشعاعية بأبهى صورها عندما تكون الشمس مرتفعة فوق مواقعها على سطح القمر. في الواقع تصير النظم الشعاعية غير مرئية تقريباً عندما تضاء فوهاتها الأم من زاوية صغيرة (ضحلة) Shallow angle. هذا يعني أن مراحل البدر والأطوار الأخيرة من القمر الأحدب Gibbous phases، عندما تضاء المعالم على الجانب الشرقي الأقصى أو الغربي الأقصى من قرص القمر من الأعلى، هي أفضل الأوقات لرؤية هذه المقذوفات الشعاعية الغامضة.

بعض نظم المقذوفات الشعاعية، مثل تلك الكتلة مترامية الأطراف المحيطة بفوهة كوبرنيكوس Copernicus، يمكن تمييزها بالعين المجردة في ليلة صافية. واستخدام المناظير المزدوجة أيضاً طريقةٌ رائعة لاستكشافها. عند اكتمال القمر وسكون الهواء، يعطي المشهد الشعاعي الرائع لفوهة تيكو عبر منظار مزدوج 10X50 إحساساً حقيقياً بالخطوط الهائلة للمواد المقذوفة التي تلتف “حول” نصف الكرة ثلاثي الأبعاد للجانب القريب من القمر.

وبالفعل، فإن سهولة مشاهدة النظم الشعاعية هي أمر يجعلها تختلف عن كثير من المعالم الأصغر على قرص القمر. بل إن استكشاف أكبر معالم المقذوفات الشعاعية بتفاصيل أكثر، لا يحتاج فعلاً إلى تلسكوب كبير؛ إن تلسكوباً كاسراً Refractor telescope صغيراً بفتحة 60 مم هو مناسب تماماً لمشاهدة التضاريس المُخطَّطة Streaked landscape حول فوهات كوبرنيكوس وكبلر وتيكو.

يمكنك استخدام حتى تلسكوب صغير للبحث عن مناطق المقذوفات الأكثر سطوعاً حين يغلفها ليل القمر. عندما يكون القمر هلالاً رقيقاً ينير الضوء المنعكس عن الأرض الجانب الليلي لقرص القمر بضوء “وهج الأرض” Earthshine. في هذه الأوقات، وعلى الرغم من أنها تكون في الظلام، تكون الخطوط الشعاعية وطبقات الفوهات، مثل أريستاركوس Aristarchus، وتيكو، لا تزال بارزة بوضوح، يضيئها فقط وهج كوكبنا.

نظم شعاعية مذهلة

إذا سنحت لك فرصة الرصد بتلسكوب أكبر، مثلاً بفتحة 8 10 بوصة (200 250 مم)، فستتمكن من تمييز تفاصيل دقيقة للنظم الشعاعية في ليالي الرؤية الجيدة. سيتيح تلسكوب الفتحة الأكبر أيضاً رصد نظم شعاعية أصغر، مثل الخطوط المزدوجة المذهلة لفوهة ميسييه Messier والمقذوفات المذهلة لفوهة بروكلس Proclus، التي يحتمل أن تكون قد نتجت من اصطدام منخفض الزاوية. هناك أيضاً عدد من الفوهات التي تحتوي على نظم شعاعية أكثر بساطة حولها، وهي ليست ساطعة ورائعة تماماً مثل معظم الأمثلة المشهورة، ولكنها مع ذلك ممتعة للتصوير أو المشاهدة بالعينية. تشمل الأمثلة تلك الموجودة حول فوهات آريستيلس Aristillus، ولانغرينس Langrenus وآناكساغوراس Anaxagoras، وبتافيوس ب Petavius B.

يمكن أيضاً للرسم بأقلام الرصاص أو الباستيل أن يكون طريقة رائعة لتسجيل مشاهد النظم الشعاعية القمرية المُشاهَدة بالعدسة العينية. وهذا يدل على ما نحبه كثيراً في هذا المعلم الجذاب: هناك كثير من الطرق المختلفة للاستمتاع بها واستكشافها: المناظير المزدوجة، أو تلسكوب كبير، أو مستشعر كاميرا Camera sensor، أو العين المجردة. لماذا لا تختار واحدة من أفضل اختياراتنا منها وتبدأ رصدها ودراستها بنفسك في هذا الشهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى