2022 المضي قدماً في العلوم ورحلات الفضاء
من استكشاف سطحي القمر والمريخ إلى رسم خرائط الكون المظلم، من المقرر أن يكون العام 2022 عاماً مهما لعلوم الفضاء. هنا تستعرض إيزي بارسن المشروعات التي ستُحدِثُ ثورة في فهمنا للكون
سباقٌ إلى القمر
بعد عقود من تجاهل أقرب جار سماوي لنا، تندفع الدول الآن في العودة إلى القمر
منذ وقت بعثات أبولو Apollo والبعثات السوفييتية في ستينات وسبعينات القرن العشرين، تجاهل مستكشفو الفضاء القمر تجاهلاً شديداً. غير أن هذا يوشك أن يتغيَّر، إذ تخطط عشرات الدول، وحتى شركات خاصة، لزيارة أقرب جار سماوي إلينا في العام 2022.
ستكون كبرى هذه البعثات هي مهمة آرتِميس I Artemis I، والتي هي المرحلة الأولى من جهود وكالة ناسا للعودة إلى القمر بامرأة كي تسير على سطحه. ستكون مهمة آرتميس I غير مأهولة، وستمثل اختباراً لكبسولة الطاقم أوريون Orion التي ستنقل رواد الفضاء إلى مدار قمري ومنظومة الإطلاق الفضائي (SLS) بحجم صاروخ ساتيرن 5 Saturn V، التي ستدفعهم إلى هناك. جرى بالفعل ”تركيب“ Stacked مجموعة الإطلاق بالكامل، وبمجرد السماح بتحليقها، يمكن للبعثة أن تأخذ طريقها في السماء في أقرب وقت ممكن بدءاً من تاريخ 12 فبراير. إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، ستأخذ وحدة أوريون مسار الرحلة نفسه الذي ستتبعه البعثات المستقبلية المأهولة إلى القمر، ثم تقضي عدة أيام في مدار حول القمر، قبل عودتها إلى الهبوط والسقوط في مياه المحيط الهادئ.
بينما تمهد آرتِميس I الطريق لمهمات الهبوط البشري، تمضي مركبات الهبوط الآلية قُدماً، حيث تقرر إرسال بعثات من معظم أنحاء العالم للهبوط والتجوال، بل حتى العدو، عبر سطح القمر في هذا العام. سيتجه معظمها إلى منطقة القطب الجنوبي، يجتذبها جليد الماء المختبئ في الزوايا المظللة للفوهات النيزكية هناك، وهو ما يجعل هذه المنطقة مكاناً مرشحاً رئيساً لقاعدة قمرية طويلة المدى.
من بين أولئك الذين سيحاولون الهبوط، تمتلك روسيا من دون شك أكبر خبرة، نتجت من تنفيذ 8 عمليات هبوط ناجحة على سطح القمر. وعلى الرغم من أن آخرها- مهمة لونا Luna 24 – كانت في العام 1976، فإن روسيا تبدأ الآن من حيث توقفت، ولو اسمياً على الأقل، ومن المقرر إطلاق المركبة Luna 25 في شهر يوليو، لتلتقط عينة من تربة القمر التي تُعرف باسم الحطام الصخري Regolith، وتعيدها إلى الأرض.
تضع مهمة آرتِميس I، مكتملة “التركيب” الآن وكالة ناسا على مسار العودة إلى القمر
في النصف الثاني من العام، ستحاول منظمة أبحاث الفضاء الهندية Indian Space Research Organisation (اختصاراً: المنظمة إيزرو ISRO) إنجاز عملية هبوط ثانية على سطح القمر بمركبة تشانداريان3- Chandrayaan-3، وهي تكرار للبعثة السابقة التي تحطمت بعد الاقتراب في 22 يوليو 2019 بسبب خلل برمجي. وإذا تمكنت المنظمة ISRO من إنجاز هبوط ناجح لمركبتها، فستطلق منها المركبة الجوالة فيكرام Vikram على سطح القمر، لتستكشف المركبتان معاً بيئة القطب القمري.
لن تكون فيكرام الجوالة الوحيدة المتوجهة إلى القمر، فهناك أيضا مركبة بيريغرين Peregrine التي بنتها شركة رحلات الفضاء الخاصة آستروبوتيك Astrobotic. فبتمويل من مبادرة خدمات الحمولات القمرية التجارية التابعة لوكالة ناسا، صُمِّمَت بيريغرين بنحو خاص كمنصة لنقل معظم أنواع الحمولات إلى السطح. وعلى الرغم من أن منصة الهبوط هذه لم تُختبر في الفضاء مطلقاً، فإن هناك كثيراً من المنظمات التي ترغب في المشاركة في الرحلة. وإضافةً إلى 14 جهازاً تابعاً لوكالة ناسا، سيكون للمسبار 6 جوالات، منها عربة المشي آساغومو Asagumo الشبيهة بالعنكبوت (الصورة في الأسفل) من شركة سبيس بت Spacebit التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها. وبعد أن تثبت كفاءتها، تخطط ناسا لاستخدام مركبة الهبوط بيريغرين لنقل جوالة الاستكشاف القطبية لتقصي المواد المتطايرة Volatiles Investigation Polar Exploration Rover (اختصاراً: الجوالة فايبر VIPER) الأكبر حجماً بكثير، في العام 2023، وهي التي ستبحث عن الماء في المنطقة القطبية.
ومع ذلك، لا يهدف الجميع إلى التوجه نحو القطب الجنوبي للقمر. تتجه مركبة سمارت لاندر لاستكشاف القمر Smart Lander for Investigating Moon (اختصاراً: المركبة SLIM) التابعة لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية إلى منطقة ماريوس هيلز هول Marius Hills Hole، وهي شريط أنبوبي من حمم بركانية قرب خط استواء القمر. تستهدف البعثة الوصول إلى منطقة هبوط قطرها 100 م فقط، باستخدام البرنامج نفسه المستخدم في تقنية التعرف على الوجوه، وذلك لإنجاز أدق عملية هبوط على الإطلاق.
وأخيراً سترسل كوريا الجنوبية أول رحلة استكشاف كوكبية لها في أغسطس مع مركبة باثفايندر لونار أوربِتر Pathfinder Lunar Orbiter الكورية، وذلك بالتعاون مع وكالة ناسا. ستفحص هذه المركبة المدارية التركيب المعدني للقمر ورواسبه البركانية المتنوعة.
وبعد مرور خمسين عاماً على مهمات أبولو، هكذا يبدو أن القمر قد عاد بقوة إلى رأس قائمة الأولويات عند جميع الوكالات الفضائية.
عنكبوت من القمر؟ ستُنقل المركبة الجوالة آساغومو إلى القمر على متن مركبة الهبوط بيريغرين
ستصطدم المركبة الفضائية دارت (سهم) DART عمداً بصخرة فضائية لتغيير مدارها…
عوالم صغيرة
الأقمار والكويكبات يمكن أن تساعدنا على فهم أصل مجموعتنا الشمسية
من المقرر إطلاق بعثة مستكشف أقمار المشتري الجليدية Jupiter Icy Moons Explorer (اختصاراً: المستكشف جوس JUICE) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (اختصاراً: الوكالة إيسا ISA) في مايو 2022 لتصل إلى كوكب المشتري بعد سبع سنوات. بعد وصول المسبار هناك، سيصوب بصره إلى عوالم يوروبا وغانيميد وكاليستو المتجمدة. وبعبوره قُربها نحو 30 مرة، سيدرس جاذبيتها ومجالاتها المغناطيسية للكشف عن المحيطات تحت جليدها، والتي قد تكون المكان الأكثر احتمالاً للعثور على حياة خارج كوكب الأرض في مجموعتنا الشمسية.
ثم، في أغسطس، ستتجه بعثة سايك Psyche التابعة لناسا إلى الكويكب الغني بالمعادن الذي يعطى المهمةَ اسمَها. الكويكبات هي بقايا كواكب محتمَلة تعرضت للدمار في وقت مبكر من تاريخ المجموعة الشمسية، ويُعتقد أن الكويكبات المعدنية نشأت في نوى هذه الكواكب، ما يعني أنه يمكن للجيولوجيين أخيراً استكشاف جزء من كوكب مختبئ عادةً تحت آلاف الكيلومترات من طبقات صخرية.
غير أن الحدث الأكثر إثارة سيكون في 2 أكتوبر، عندما يصطدم مسبار اختبار إعادة توجيه كويكب مزدوج Double Asteroid Redirect Test (اختصاراً: المسبار DART) التابع لناسا بقمر الكويكب ديديموس Didymos. يجب أن يغير الاصطدام مدار هذا القمر- في عملية اختبار لتكنولوجيا يمكن استخدامها يوماً ما لإبعاد كويكب أكبر بكثير عن مسار اصطدام بالأرض.
تسليط ضوء على كون مظلم
مرصد فيرا روبن سيساعد في رسم خريطة للكون غير المرئي
سمي مرصد فيرا روبين- وهو ما لاقى كثيراً من الاستحسان- على اسم إحدى رواد أبحاث المادة المعتمة
ينتظر جزء مظلم من الكون تسليط بعض الإضاءة عليه، وذلك عندما يرى مرصد فيرا روبين Vera Rubin Observatory في تشيلي أول ضوء له في هذا العام، قبل بدء تشغيله الكامل في العام 2023. سيستخدم التلسكوب مرآته التي يبلغ قطرها 8.4 متر لتصوير مساحة 18,000 درجة مربعة من السماء- تقريباً نصف الكرة السماوية- أكثر من 800 مرة. هدف حملة الرصد الهائلة هذه هو رسم خريطة لتوزُّع المادة المعتمة الغامضة التي تتخلل الكون، وفهم الطاقة المعتمة الأكثر غموضاً التي تدفعها بعيداً.
سيكون المرصد قادراً على الحصول على مثل هذا المستوى الدقيق من التفاصيل، حتى في المجرات البعيدة، بحيث يستطيع علماء الفلك البحث عن تأثير يُعرَف باسم عدسات الجاذبية الضعيفة Weak gravitational lensing، حيث ينحني الضوء الآتي من المجرات البعيدة في أثناء مروره بكتل كبيرة. ونظراً إلى أن معظم هذه الكتلة هو مادة معتمة Dark matter، يمكن لهذه العدسات أن تكشف عن توزيع المادة غير المرئية.
سيساعد مرصد فيرا روبن أيضاً على دعم فهمنا للطاقة المعتمة Dark energy، وهي قوة نظرية تدفع المجرات إلى التباعد بعضها عن بعض، وذلك من خلال المساعدة على قياس سرعة توسُّع الكون مع الوقت.
خطوة أخرى
لرحلات الفضاء البشرية
وحدات الطاقم الجديدة ومحطة الفضاء النهائية مختلفة
كبسولة طاقم ستارلاينر التابعة لشركة بوينغ في طريقها إلى منصة الإطلاق في أكتوبر 2021
كان العام 2021 نقطة تحول لرحلات الفضاء البشرية الخاصة، حيث أرسلت كل من شركتي فيرجن غالاكتيك Virgin Galactic وبلو أوريجن Blue Origin سائحين فضائيين أول مرة. كما تأمل شركة بوينغ Boeing، بعد عام من المشكلات، أن يكون العام 2022 هو عامها. بدأت مشكلاتها في ديسمبر 2019، عندما فشل أول اختبار غير مأهول لكبسولة طاقم ستارلاينر Starliner (في الأعلى) في الوصول إلى محطة الفضاء الدولية ISS. ثم أُلغيت محاولة في أغسطس في اللحظة الأخيرة عندما أخفقت عملية فتح بعض صمامات الوقود. تخطِّط شركة بوينغ لإطلاق مركبتها في النصف الأول من العام 2022، لتمهد بذلك الطريق لاختبار مأهول في وقت لاحق من العام.
وفي مكان آخر ستُنهي وكالة الفضاء الصينية Chinese Space Agency بناء محطتها الفضائية، بإضافة وحدات مختبر وِنتيان Wentian ومِنغتيان Mengtian. وأخيراً ستخطو منظمة أبحاث الفضاء الهندية (اختصاراً: المنظمة lSRO) أولى خطواتها لتأسيس برنامج رحلات فضاء بشرية خاصٍّ بها، برحلة افتتاحية لوحدة طاقمها غاغانيان 1 (Gaganyaan 1). وعلى الرغم من أن هذا الاختبار سيكون من دون طاقم، فإن المنظمة إيزرو ISRO تأمل نقل روادها الأوائل “Vyomanauts” (بالهندية تعني: رائد فضاء) إلى المدار في أقرب وقت ممكن في العام 2023، وبناء محطتها الفضائية الخاصة في النهاية.
*(ملاحظة: تعني كلمة “Vyomanut” باللغة).
سباق الفضاء البريطاني العظيم
لأول إطلاق فضائي من الأراضي البريطانية قد يتحقق في هذا العام
في الصيف الماضي مُنحت التراخيص الأولى لإطلاق الصواريخ من أراضي المملكة المتحدة، وهوما يعني أن العام 2022 يبدو أنه سيكون بداية ”سباق الفضاء البريطاني العظيم“ وتنافس الموانئ الفضائية على أول إطلاق.
ميناء الفضاء كورنوول Cornwall، ومقره في مطار نيوكواي Newquay، هو ميناء الفضاء الأفقي الوحيد في المملكة المتحدة، وهو ما يعني أن الطائرات التقليدية تُستخدم في القسم الأول من عملية الصعود. من المرجح أن يكون أول إطلاق من الميناء هو للقمر الاصطناعي كيرناو سات 1 (Kernow Sat 1)، وهو قمر اصطناعي لرصد الأرض من تصميم كورنوول ستطلقه شركة فيرجن أوربت Virgin Orbit.
ميناء ساذرلاند الفضائي في طريقه للافتتاح في العام 2022
في غضون ذلك يأمل ميناء ساكسافورد الفضائي SaxaVord Spaceport في جزيرة أونست Unst من جزر شيتلاند Shetland إطلاقَ أول برنامج إطلاق عمودي باثفايندر Vertical Launch Pathfinder Programme تابع لوكالة الفضاء البريطانيةUK Space Agency. كما يبدأ ميناء فضاء اسكتلندي آخر، مقره في ساذرلاند Sutherland، عمليات البناء بهدف الإطلاق مع حلول نهاية العام 2022.
جوالة روزاليند فرانكلين تنطلق إلى الكوكب الأحمر
ستتحقق الجوالة من قابلية المريخ للحياة في ماضيه
سيشهد سبتمبر إطلاق جوالة روزاليند فرانكلين Rosalind Franklin إلى المريخ. كان مقرراً إطلاق الجوالة في العام 2020، لكن مشكلات متعلقة بمظلاتها أدت إلى تأخير جدولها الزمني عدة أشهر، وهو ما يعني أن فرصة الإطلاق المناسبة قد فاتتها. أما الآن، وبعد 26 شهراً، فسيتحاذى كوكبا المريخ والأرض مرة أخرى، مما يتيح للجوالة بدء رحلتها.
ستَستخدم جوالة روزاليند فرانكلين، ذات العجلات الست، ذراعها الثاقبة التي يبلغ طولها 2م للبحث عن علامات حياة تحت سطح المريخ
البعثة هي جهد مشترك بين وكالتي الفضاء الأوروبية (اختصاراً: الوكالة إيسا ESA) والروسية روسكوزموس Roscosmos، للبحث عن علامات حياة مريخية سابقة. ستكون أهم أدوات ومعدات الجوالة ذراعَ ثَقب بطول 2م يمكنها الوصول إلى أعماق تحت السطح الذي أتلفه الإشعاع وعوامل الطقس، حيث قد تبقى علامات حياة سابقة. ستتمكن الأدوات الموجودة على متن الجوالة بعد ذلك من تحليل التركيب المعدني للتربة، والبحث عن المواد العضوية فيها، لكونها اللبنات الأساسية للحياة.
ومع ذلك هناك شعور بالقلق إزاء هذه المحاولة، إذ لم يحالف الحظ كلاً من أوروبا أو روسيا سابقاً. ومن بين 19 بعثة روسية وسوفييتية ومحاولتين أوروبيتين للهبوط على المريخ- بما في ذلك مركبة الهبوط شياباريللي Schiaparelli في العام 2016، التي كانت تهدف إلى أن تكون تجربة اختبار لعملية الهبوط هذه- لم تنجح أي منها نجاحاً كاملاً. نأمل أن تكون وكالات الفضاء قد تعلمت من أخطائها لضمان نجاح مهمة روزاليند فرانكلين.