أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

نشوء النجوم يحدث على موجات

كشفت بيانات مسبار غايا عن ولادة نجوم جديدة عبر أنحاء جوارنا المجري

البروفيسور كريس لينتوت
عالم فيزياء فلكية يشارك بتقديم برنامج سماء الليل Sky at Night

عندما نظر أسلافنا القدماء أول مرة إلى النجوم لرسم مخططات يدوية لكوكبات النجوم، فقد بدؤوا بذلك عملية استكشاف نمت وظلت تتطورت تطورا نحو المزيد من التعقيد. في الوقت الحاضر، توفر البيانات ثلاثية الأبعاد من مهمات مثل غايا Gaia التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية (اختصارا: الوكالة إيسا ESA)، مفتاحاً جديداً لهذه الخرائط القديمة.
ينظر مقال هذا الشهر في قائمة مسبار غايا للنجوم القريبة، بحثاً عن أحدثها عمراً. فالنجوم الفتية مهمة لأن دراستها يمكن أن تكشف عن الظروف التي تشكلت فيها، وتساعدنا على فهم ما يحدث بالفعل في أعماق أماكن مثل سديم الجبّار Orion Nebula. وتخبرنا حقيقة أن معظم النجوم الفتية تعيش حياة اجتماعية كأعضاء في عناقيد أو مجموعات حرة، على سبيل المثال، أن مثل هذه الحاضنات النجمية تُشكِّل نجوماً متعددة وربما أجيالاً متعددة من النجوم، تؤدي فيها كل موجة من تشكيل النجوم إلى إطلاق الموجة التالية.
لمعرفة ما إذا كان الدليل على هذه العملية يختبئ ضمن عناقيدنا المحلية، يبدأ فريق بحث هذا الشهر بخمسة ملايين من أقرب النجوم. من ولكل واحد منها، ينظر أعضاء الفريق في خصائصه، ويطورون خوارزمية لحساب احتمال أن يكون له عمر معين. فالمهمة صعبة، لأن أقل من %1 من النجوم في الجزء الخاص بنا من درب التبانة هي نجوم فتية حقاً، ولدت في الخمسين مليون سنة الأخيرة، لكن الاختبار على بيانات النمذجات Model data يظهر أنهم يؤدون عملاً جيداً بما يكفي. وفور اكتشاف نجوم فتية، يمكن لخوارزمية ثانية إسقاطها على 27 عنقوداً.

إدراك الحجم
تتراوح هذه المجموعات في سلم الحجم بدءاً من الأجرام المعروفة مثل عنقود الثريّا Pleiades، إلى الغامضة نسبياً (العنقود ASCC 123 هل لدى أحد ما يدلي به بخصوصه؟) وفي حين أن بعضها لا يحتوي إلّا على بضع عشرات من النجوم، فإن مجموعة Sco-Cen الهائلة تُحصي أكثر من سبعة آلاف من النجوم في البيانات كأعضاء فيها. فهذا التجمع الأكبر مثير للاهتمام، وذلك لأن خصائص أعضائه تعتمد على موقعها في العنقود، والنجوم الأصغر سناً تكون أبعد مسافة. ويبدو هذا منطقياً إذا فكرت في عملية تشكل النجوم على أنها مثل تموجات المشجعين في المباريات تمرعبر سديم، كل موجة منها تطلقها الموجة السابقة لها مباشرة.
كما حسب مؤلفو البحث السرعة التي يتحرك بها تشكل النجوم؛ بما يزيد قليلاً على 4 كم/ثانية، إذ ينتمي أقدم النجوم إلى تجمع حُدّد حديثاً يسمى قوس الميزان قنطورس
Libra—Centaurus arc. ويبدو أن النجوم تشكلت هنا، ثم أدت الرياح العنيفة المصاحبة لعملية ولادتها إلى تحريك الغاز في مناطق الجوار، مما تسبب بإشعال مزيد من الألعاب النارية.
هناك أيضاً أدلة على أن الأشياء تحدث على نطاق أكبر. وتبدو المجموعات الأصغر ذات الكثافة المنخفضة التي حددت في كوكبات وحيد القرن Monoceros والشراع Vela والملتهب Cepheus والقاعدة Carina أنها قد تطورت جميعها في الوقت نفسه، مما يشير إلى أن الفيزياء التي تتحكم في سلوك الغاز المضطرب والمُشكِّل للنجوم يمكن أن تؤثر في مناطق بكاملها دفعة واحدة. وقد تكون العملية التي تنتج النجوم في هذه المناطق النائية نسبياً مختلفة تماماً، وربما تتطلب دفعة من سوبرنوفا قريب وفي مكان ملائم لبدئها.
ستستمر القصة المعقدة للنجوم المجاورة لنا ودور الشمس في هذه الحكاية بالانجلاء مع بحث علماء الفلك في بيانات مسبار غايا. وبفعل هذا، فهم يضيفون المزيد فقط إلى التاريخ الطويل لرسم خرائط كوننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى